الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ضاقت!
كتب

ضاقت!




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 16 - 06 - 2010


ولما استحكمت حلقاتها.. فرجت


1


- «فرجت».. عندما يترسخ لدينا الإحساس بأن هذا الوطن هو الحضن الذي يحتوينا، ولا حضن يحتوينا سواه، حيث إننا في زمن الولاءات المتعددة والهويات المختلطة والانتماءات المرتبكة.


- في كثير من الأحيان لا تعرف إذا كان المصريون يحبون وطنهم أم لا، يخلصون له أم ينتقمون منه، يبنونه بالحب والوئام، أم يهدمونه بالغل والكراهية.
- كثير من الأوطان مثل الأم الصالحة التي لا يعرف أبناؤها قيمتها إلا بعد أن ترحل عنهم، فيقيمون الاحتفالات الضخمة في ذكراها، ويطلقون اسم المرحومة الغالية علي نصف أحفادهم.
2
- لماذا أكتب هذا الكلام الرومانسي المرسل؟ لأنني وملايين مثلي نشعر بالقلق والغضب والزعل، من الأحداث التي تقع في بلدنا الحبيب، وكأن مصر في حالة شجار.
- الغضب، لأن أعظم الحرائق تأتي من مستصغر الشرر، وإذا راجعنا كل الحوادث الأخيرة، سينطبق عليها المثل الذي يقول «يفعلها الصغار ويقع فيها الكبار».
- بالله عليكم، هل من المعقول أن يقف القضاة والمحامون علي أبواب الحرب الطاحنة، بسبب خناقة بين وكيل نيابة ومحامٍ كانا صديقين أو غير ذلك ثم اختلفا؟
3
- استنهض القضاة قواتهم واستنهض المحامون قواتهم.. «إذن فهي الحرب»، التي تضرب مؤسسة العدالة الشامخة في مصر.. من أجل مشاجرة تافهة بين اثنين.
- إدارة الأزمة من البداية كانت خاطئة، فليس معني أن تكون قاضياً أو وكيل نيابة أن تشهر سيفك خارج إطار القانون، مهما كانت التجاوزات.
- وليس معني أن تكون محامياً أن تستنفر أتباعك إلي أرض المعركة في طنطا، والكل يجري وراء مزايدات سياسية وانتخابية بقيادة النقيب.
4
- ضاقت ولما استحكمت حلقاتها «فرجت».. والانفراج لن يحدث إلا إذا توقف كل فريق عن إطلاق تصريحاته النارية والعنترية التي تعبث بها الصحف والفضائيات وتشعلها ناراً.
- وأن يؤمن الطرفان بأن العدالة لن تتحقق بالقضاة وحدهم ولا بالمحامين وحدهم، فهم مثل طرفي المقص، وهما لخدمة القانون، وليس للافتئات علي القانون.
- وأن ينشط «عقلاء العدالة» من قدامي المحامين والقضاة، والمشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والحياد، لتبدأ انفراجة حقيقية للأزمة، ولرسم معالم طريق جديد.
5
- «فرجت».. لأن مصر تتغير بالفعل، ومن لا يؤمن بذلك ولا يكون مستعداً للتعامل بروح مناخ التغيير، سوف يتحول بمرور الوقت إلي صوت نشاز وعملة قديمة.
- «مصر تتغير».. وهذا معناه أن المشاركة السياسية ستحل محل الاحتكار، وأن الأغلبية المطلقة لا وجود لها في اللعبة الديمقراطية.. وأن الحوار هو اللغة الرسمية المعتمدة بين المتنافسين.
- «مصر تتغير».. وهذا معناه أن يكون القانون هو الحكم العادل الذي نلجأ إليه.. العدالة العمياء معصوبة العينين التي لا تنحاز ولا تميل ولا تدين إلا للقانون.
6
- «فرجت».. لأن الوطن هذه الأيام في حالة يطلقون عليها في الجيش «فرش متاع»، أي أن تخرج كل شيء من الأغلي حتي الكراكيب لتفرشه علي الأرض تحت أشعة الشمس.
- نحن نفرش أخطر قضايانا الآن علي الرصيف تحت أشعة الشمس، ولكن مرحلة الفرش لا يجب أن تطول، وأن نعيد ترتيب الأشياء بعناية واهتمام.
- عشرات القضايا والموضوعات والعلاقات المشتبكة والملتبسة تحتاج إلي إعادة ترتيب، لأننا نعيش في «فترة تغيير»، ويحاول كل طرف أن يحصد أعلي المكاسب، ولو علي حساب الآخرين.
7
- «مصر تتغير»، ولا بديل عن الحوار الديمقراطي، وأن تستمع كل الأطراف لبعضها البعض.. وهناك عشر قضايا علي الأقل تحتاج لفتح ملفات ساخنة.
- ملف الأقباط وعلاقتهم بشركائهم في الوطن.. الفصل بين السياسة ورأس المال وفقاً للضوابط التي تمنع الاشتباه.. القضاة والإعلام والمحامين.. أوضاع حقوق الإنسان بين الحقائق والمزايدة.
- الأحزاب السياسية وكيف تملأ الفراغ.. ضمانات نزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. مفهوم القضايا الوطنية التي لا يجوز الاختلاف بشأنها.. وغيرها من القضايا المهمة.
8
- «ضاقت» ولما استحكمت حلقاتها.. «فرجت».. وما بعد المطر والغيم إلا صفاء الجو ولكن بشرط أن يترسخ لدينا الإحساس بأنه لا حضن يمكن أن يحتوي المصريين غير هذا الوطن.
- ليست أماني وأغاني وشعارات، ولكنها روح الوطنية المصرية الأصيلة التي تجعل المصريين جميعاً روحاً واحدة في جسد واحد، لمواجهة المحن والأزمات.
- روح الوطنية المصرية التي أصبحت هائمة بين السماء والأرض، تأسف لأحوال أبناء الوطن الذين أصبحوا مثل الإخوة الأعداء.
9
- «فرجت».. لأن مصر تتغير إلي الأحسن، وترتفع درجات الوعي تدريجياً، رغم الانفلات الحادث ولكن في النهاية لن يصح إلا الصحيح.
- ولأن مصر قوية ومتماسكة وتقف علي أرض صلبة، رغم المظاهر التي تبدو علي السطح، وتثير في داخلنا مشاعر الحزن والضيق والقلق.
- «فرجت».. والبداية هي التسلح بالأمل والتفاؤل، بدلا من اليأس والإحباط.. فاليائسون لهم صعود واحد.. من فوق كوبري قصر النيل.


E-Mail : [email protected]