الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التنمية الشاقة !
كتب

التنمية الشاقة !




 


كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 03 - 07 - 2010



- مصر لا تمتلك آبار بترول ولا حقول ذهب، وثروتها في شعبها


- هذا الوطن رفض بشموخ وكبرياء كل محاولات التدخل في شئونه
- الشعوب المحبطة لا تصنع المستقبل والتقدم للأمام ليس ب«الخلف دُر»
- التغير يتم وفقاً للثقافة المصرية التي تحمي البلاد من الفوضي
- مصر تزداد كل سنة بمقدار سكان دولة خليجية
- سقطت أسطورة المعونات، ومصر تدفع لأمريكا أكثر مما تأخذ
- التفاؤل يزيد مناعة المصريين في مواجهة جميع المشاكل والأزمات
- الدولة القوية هي التي تحمي مؤسساتها وتدعم ثقة الشعب فيها
- عدوي «أدعياء التشاؤم» تنتشر بسرعة أكثر من أنفلونزا الطيور
نحتاج جرعة تفاؤل لأن مصر ليست بهذا السوء الذي يصوره البعض، مصر ليست وطناً للفساد والانحرافات والضعف والانهيار.. مصر دولة قوية وتقف علي أرض صلبة وفيها عزيمة الجرانيت.. ولكن هناك من يهوي إشاعة أجواء اليأس والإحباط وبث روح التشاؤم.
حتي لا ننسي فقد كانت مصر إبان تولي الرئيس مبارك مقاليد الحكم مثخنة بالجراح والأزمات وانهيار المرافق والخدمات والقطيعة العربية والفوران الاجتماعي.. وكان حتميا في ظل هذه الأوضاع أن تتجه البلاد في سنوات حكم الرئيس إلي التنمية الشاقة، دون أن تمتلك موارد هائلة مثل البترول أو جبالاً من الذهب والحديد.
سنوات حكم الرئيس مبارك كانت أشغالاً شاقة من أجل البناء والتعمير وتوفير فرص العمل وزراعة الصحراء بالخضرة والخير.. ولو لم يحدث ذلك كانت الأوضاع ستمضي من سيئ إلي أسوأ، في دولة دفعت ثمناً فادحاً في حروب استمرت سنوات طويلة واستنزفت كل موارد التنمية. كان مستحيلاً أن يقف هذا الوطن علي قدميه مرفوع الرأس وقوي العزيمة، دون أن يمتلك قراره السياسي وقدرته الاقتصادية التي مكنته أن يواجه ضغوطا وتدخلات خارجية بمنتهي القوة والإصرار، خصوصاً في السنوات الأخيرة التي ازداد فيها صلف الإدارة الأمريكية وغرورها وأرادت أن تجر دول المنطقة في تحالفات سياسية وعسكرية.. وقفت لها القيادة السياسية بالمرصاد.
كان مستحيلاً أن ترفض مصر بكبرياء وإصرار كل محاولات التدخل في الشئون الداخلية بزعم الديمقراطية الكاذبة، لو لم تكن لدي البلاد قوة تمكنها من مواجهة الضغوط والإصرار علي استمرار الإصلاح السياسي والاقتصادي والديمقراطي، برؤي مصرية وثقافة مصرية، تحفظ أمن البلاد واستقرارها، وتحميها من الهزات المفاجئة والخبطات العنيفة، لقد احتمينا بالإصلاح والتنمية.
1 - الدنيا أرزاق.. وكذلك الشعوب
نعم توجد أزمات ومشكلات وتحديات صعبة، أهمها الفقر وتدني المستويات المعيشية للفقراء ومحدودي الدخل، ولكن لولا قوة اقتصاد الدولة، كان مستحيلاً أن تستمر معدلات النمو وجذب الاستثمارات الأجنبية، وفرص التشغيل، وكان مستحيلاً الخروج من نفق الأزمات العالمية المتلاحقة التي تهب علينا من الخارج، وآخرها أزمة الغذاء وانهيار البورصات العالمية وكانت مصر إحدي دول ثلاث في العالم - بجانب الصين والهند - التي حققت معدلات تنمية إيجابية.
مصر يزداد سكانها كل عام بمقدار دولة خليجية، حتي تجاوزنا 80 مليون نسمة، ورغم ذلك استطاعت أن تحقق التوازن المستحيل بين معدلات التنمية وقفزات الزيادة السكانية، وليس أمامها إلا أن تستمر في الطريق الصعب لتوفير فرص عمل لحوالي مليون شخص يدخلون سوق العمل كل سنة بجانب الأعداد الكبيرة المنتظرة في «جراج» السنوات الماضية.
السعودية تنتج كل يوم 9 ملايين برميل بترول، تضخ في خزائنها 575 مليون دولار مع كل طلعة شمس.. وروسيا تنتج 5,9 مليون برميل ثمنها 600 مليون دولار.. حتي دولة قطر تنتج يومياً ما قيمته 105 ملايين دولار.. أما مصر فلا يتجاوز إنتاجها اليومي 50 مليون دولار، تستهلك معظمها في الداخل، وتتكبد الدولة 65 مليار جنيه سنوياً دعماً للمنتجات البترولية.
عدد سكان مصر أربعة أضعاف سكان السعودية، وعدد سكان قطر «750 ألف نسمة» مثل شارعين أو ثلاثة في حي شبرا، ورغم ذلك فمصر لا تقل بأي حال من الأحوال عن تلك الدول في خطط التنمية الكبيرة، رغم أنه ليست لدينا آبار البترول ولاحقول الذهب والمعادن النفيسة.. لدي مصر الطاقة البشرية التي يتم استثمارها بأقصي درجة ممكنة.
هناك دول تستيقظ كل صباح، فتمطر لها السماء بترولاً ودولارات، دون تعب أو عرق أو مجهود، وهناك دول تشقي وتكد وتعمل ليل نهار من أجل لقمة العيش، ويجب أن ندرك أن مصر دولة من النوع الثاني «اللهم لاقر ولاحسد» ولكن هكذا «الدنيا أرزاق قسمها الخلاق»، والدولة القوية هي التي تبحث عن أوراق قوتها وتحاول أن تستثمرها بأقصي درجة ممكنة.
2 -الدولة القوية لا تمد يدها!
جرعة تفاؤل لأن مصر لم تعد الدولة المنكسرة التي تمد يدها انتظارا لمساعدات أو معونات من الأصدقاء أو الأشقاء، انتهي عصر المعونات، ورغم ذلك فمازال بعض المحبطين يلوحون بورقة المساعدات، والضغط علي الإدارة الأمريكية لاستخدامها ضد مصر، وهم لا يعلمون أن مصر تدفع لأمريكا الآن أكثر مما تأخذ منها، في صورة الديون والفوائد التي تلتزم بسدادها ولم يتأخر قسط واحد.
مصر شطبت كلمة مساعدات من قاموسها الاقتصادي واستبدلتها ب «استثمارات»، وتتمتع الآن بثقة وسمعة دولية كبيرة، مكنتها من جذب استثمارات غير مسبوقة في تاريخها، وكان مستحيلاً أن يحدث ذلك لولا الثقة في نظامها السياسي وأجواء الاستقرار التي تحفز علي الاستثمار والتنمية!
هذه هي أوراق القوة التي مكنت البلاد من مواجهة كل الأزمات التي تعرضت لها ابتداء من الخبز حتي موجة الجنون التي أصابت الأسعار العالمية، والوضع بإذن الله سوف يتحسن بمرور الوقت بسبب تراكم معدلات النمو، ولا بديل عن السير في هذا الطريق دون العودة إلي الوراء.
الدولة القوية هي التي نجحت في جذب الاستثمارات الدولية، بناء علي الثقة الكبيرة في الاقتصاد المصري، رغم أن البعض يحاول أن يعكر صفو هذا النجاح بالحديث عن التنافسية والشفافية وأن مصر تراجعت وفق المعايير الدولية.. وهو كلام غير دقيق ويحتاج إلي وضعه في إطاره الصحيح.
3 -التسامح السياسي يحتوي الجميع!
جرعة تفاؤل أيها المحبطون، لأن مصر هي ليست البلد الذي تحترف بعض الصحف الخاصة والفضائيات أن تجعله وطناً للفساد واليأس والضياع بينما هم ينعمون بالخير والاستقرار، الذي وفرته أجواء الإصلاح السياسي والاقتصادي والديمقراطي.. لا أحد يطلب من هؤلاء أن يسبحوا ويسجدوا لله شكراً، ولكن كلمة حق تحتاجها البلاد وهي تتحسس الطريق إلي المستقبل.
الغريب أن «لوبي الإحباط» الذي يسيطر علي جزء كبير من الإعلام ويتباكي ليل نهار علي الحرية والديمقراطية، هو أكثر من يتمتع بالحرية والديمقراطية، حتي لو بلغت تجاوزاتهم سقف الخروقات القانونية والأخلاقية، ولكن التسامح الديمقراطي لنظام الحكم يحتوي كل هذه التجاوزات، ويحتضن الجميع تحت مظلته.
الغريب أيضاً أن الأثرياء ورجال الأعمال الذين يمسكون بتلابيب الثروة في مصر وينعمون بها هم الأكثر شكاية من سوء الأوضاع، ويذرفون دموع التماسيح خوفاً علي المستقبل، بينما الناس البسطاء يعيشون حياتهم برضا في الشوارع والمقاهي ويستمتعون بها، فيرفعون أيديهم باللعنات علي من يستغلون أوجاعهم.
أغنياء هذا الوطن لم يقدموا لوطنهم ما ينبغي عليهم أن يقدموه حتي تتم العدالة الاجتماعية للجميع، ويذوق الجميع ثمار التنمية التي تتحقق بمعدلات كبيرة.. أغنياء الوطن عليهم أعباء وواجبات كثيرة حتي يذوق الجميع ثمار التنمية، وحتي تعم روح الارتياح والشعور بالعدالة.
4 -الجانب الآخر من الكارثة!
الأحداث الأخيرة وفي صدارتها الأزمة العالمية رغم كارثيتها، فإنها كشفت الجانب الآخر للشخصية المصرية القادرة علي تحدي الصعاب واجتياز المستحيل.. والجانب الإيجابي في هذه الأحداث أنها أثبتت أيضاً قوة الدولة المصرية في التعامل مع الأزمات المفاجئة بطريقة تعجز عنها أغني الدول في العالم.
هل تستطيع الدولة المنهارة اقتصادياً كما يزعم البعض أن توفر آلاف الشقق لسكان العشوائيات كلما تعرضت بيوتهم للهدم وهو ما عجزت عنه الولايات المتحدة أغني دولة في العالم في حوادث الأعاصير المتكررة، صحيح أن أزمة العشوائيات كبيرة وضخمة، ولكنها تحتاج مجهوداً مجتمعياً خارقاً لوضع حل لها.. الحكومة لن تصفق وحدها، بل يجب أن تمتد لها أيادي القادرين.. لأن الخطر يشمل الجميع.
الدولة قوية وتقف علي أرض صلبة، واستطاعت أن تواجه كثيرا من المشكلات بمواردها الذاتية، دون أن تمد يدها لأحد، حتي رجال الأعمال الذين «شفطوا» خير البلد، اختفوا في كثير من الأزمات واكتفوا بتقديم وعود لا تتحقق وكلمات معسولة، تماماً مثلما تفعل «المحظورة» التي تقدم البلح للمحاصرين في إشارات المرور قبل المغرب في رمضان، حبات تمر لا تسمن ولا تغني من جوع.
5 - تصفية الحسابات لحساب الماضي!
جرعة تفاؤل لأن الشعوب المحبطة لا تجيد صناعة الحاضر، وإنما تحشر نفسها في كهوف الماضي، شعوب تذهب إلي المستقبل بالعودة إلي الوراء، والانشغال في معارك وصراعات عفي عليها الزمن.. والسير إلي المستقبل لايكون أبداً ب «الخلف دُر».
المشكلة الكبري التي تواجه هذا البلد هي تصفية الحسابات لحساب الماضي، كل فصيل لا يري الأشياء إلا من نظارته السوداء، نظارة التشاؤم التي يصبغون بها الحياة، علي حساب الإصلاحات الكبيرة التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة.
مصر لا تمتلك أنهارًا من البترول ولا جبالاً من الذهب، وثروتها الحقيقية في شعبها وإرادته وقدرته علي الصبر وتحدي الصعاب، ثروة مصر في عزيمة شعبها التي يحاول المحبطون والمحرضون واليائسون النيل منها وضربها في مقتل.
المحبطون هم أول من يعلم أن مصر ليست بهذه الدرجة من السوء التي يروجون لها، ويعلمون - أيضاً- أنه لا طريق إلا استكمال النمو والبناء والتحديث والتطوير والإصلاح، لكنهم يضربون ذلك بالعدوي، إنها مثل أنفلونزا الصيف، التي هي أحد من السيف.
6 - عدوي أدعياء التشاؤم!
الأزمات في طريقها إلي الانفراج، وبشيء من الصبر والأمل والتفاؤل يمكن أن تواصل البلاد طريقها إلي المستقبل، الذي يحفظ فرص الحياة الكريمة التي يستحقها هذا الشعب.. ولكن لن يكون الطريق ممهداً بينما يفرشه المحبطون واليائسون والمهيجون بالأشواك والأكاذيب والافتراءات، والتبشير بالفوضي والخراب والعصيان.
جرعة تفاؤل نحن في أمس الحاجة لها لمواجهة أدعياء التشاؤم، الذين تتسرب عدواهم من الصحف الخاصة، وبعض الفضائيات إلي الناس، وبدأت بعض قطاعات الرأي العام تصاب بالعدوي، ويتسلل إليها اليأس والإحباط، وهي أخطر شيء يصيب وطنا يسابق الزمن لمواجهة التحديات والصعاب التي تواجهه.
النغمة التي أصبحت سائدة الآن هي الخوف من المستقبل وعلي المستقبل مما يخبئه الزمن والقدر.. وهؤلاء الذين يزعمون الخوف هم الذين يفرشون طريق المستقبل بالقلق، وإذا سألتهم: لماذا هم خائفون؟ فلا تجد إجابات شافية ولا كلمات مقنعة.
مصر فيها دستور وقانون ومؤسسات وأحزاب وقضاء وجيش وشرطة ومجتمع مدني، وأشياء أخري كثيرة مثل الأوتاد التي تثبت السهول والوديان فوق الكرة الأرضية.. بناء راسخ وممتد الجذور للدولة المصرية الضاربة في أعماق التاريخ.. فمن أي شيء يخافون؟
7 - ضرب الثقة في مؤسسات الدولة
الدولة القوية هي التي تحترم مؤسساتها وتدعم وجودها وتطلق يدها لتحقيق العدالة والمساواة والاستقرار، وهي مفتاح التنمية والتقدم في أي دولة.. لذلك من الخطورة أن يتفرج البعض علي ما يحدث الآن من محاولات ضرب الثقة في أجهزة الدولة ومؤسساتها لأن الثمن سيكون فادحاً علي الجميع.
الثقة هي التي تشع روح الطمأنينة والشعور بالعدالة.. وإذا شعر شعب بالعدالة فسوف يقبل علي الحياة بمنتهي العزم والإصرار، وليس في نفسه حقد يجعله يعيش في بلد لا يحبه، ولم يكن المصريون في أي يوم من الأيام من ذلك الصنف.
--
نحتاج جرعة تفاؤل، حتي تزداد مناعة هذا الوطن وقدرته علي مقاومة مختلف العلل والأمراض، في عصر تنتشر فيه تلك الفيروسات في الهواء.. وإذا هاجمت وطنا فهي لا تفرق بين هذا وذاك.


كرم جبر