الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الشاعرة اللبنانية تغريد فياض: ثورات «الخريف» العربى وهم كبير تعيشه المنطقة




شاعرة لبنانية، تنقلت بين العديد من العواصم العربية، تخاف من فكرة الإقامة للأبد فى مكان واحد، كما تتنقل بين الدول تتنقل أيضا بين الفنون الكتابية، فتكتب الشعر والرواية، لم يتمكن الوضع السياسى العربى الحالى أن يحبطها، فأكدت أن الإبداع ينتصر دوما ويتخطى الفوضى والقبح إلى الجمال، عن كتاباتها للشعر والرواية، ورأيها فى حرية المرأة الإبداعية، ومشاركتها فى ترجمة أنطولوجيا القصة القصيرة المصرية إلى اللغة الانجليزية، وغيرها من هذه القضايا... دار هذا الحوار:

 

■ عناوين دواوينك تحمل معانى السفر والترحال.. إلى أى شاطئ ألقيت مرساتك؟

 

- ربما تقف سفينتى الآن فى القاهرة، لكننى لا أعلم حقا إن كانت هى المرسى النهائي. كل ما أعلمه أننى أحب ذلك وأستمتع به، لكن حتى متى؟ لا أعلم حقا! ففكرة الاستمرار فى مكان واحد للأبد تخيفنى، أنا المنذورة للغربة منذ لحظة ميلادى.

 


■ التنقل بين الكويت وبيروت والقاهرة.. ماذا أفادك على المستوى الإبداعى؟

 

- فكرة الغربة والانتماء كانت أول ما زلزل كيانى الصغير، فلقد بدأت الكتابة فى سن الحادية عشرة. كنت أحاول عبر الكتابة أن أجد أجوبة لآلاف الأسئلة التى كانت تؤرقنى وتمنعنى من أن أعيش طفولتى وأستمتع بها كما كنت أرى إخوتى وأخواتى يفعلون عندما أراقبهم، أنا لبنانية الأصل والأبوين، ولدت وعشت طفولتى ومعظم سنوات المراهقة والشباب فى الكويت، تنقلت بعدها ما بين بيروت وعدة عواصم عربية والولايات المتحدة الأمريكية للدراسة، حتى استقريت مؤخرًا فى القاهرة التى هى عشقى منذ الطفولة.

 

■ يرى البعض أن كتابة الشعر ضرورة والبعض الآخر يراه ترفاً .. فكيف ترين الشعر؟

 

- الشعر هو الجنين الوليد لمخاض الألم الحارق أو الفرح المتفجر لصاحبه. نحن لا نكتب إلا عندما تعجز النفس عن تحمل شدة المشاعر وتناقضها الصارخ الذى يحبس الأنفاس حتى يولد أحرفًا من نور ونار على صفحات الورق.

 

■ لماذا اتجهت إلى كتابة الرواية رغم إخلاصك للشعر منذ البداية؟

 

- فى الحقيقة كانت الرواية هى حلمى الأول والأخير منذ طفولتي، كنت أمثل مع نفسى مسرحيات وروايات كنت أنا بطلتها الوحيدة ومؤلفتها، رغم أننى للأسف لم أكن أكتبها على الورق، كانت مجرد محاولة لفهم العالم من حولى بأحداثه وحروبه، الذى شغلنى وحرمنى من الاستمتاع باللعب كبقية الأطفال فى سني، كنت أحيانا أكتب بعض المقاطع أو أرسم جزءًا منها على الورق ثم أمزقه بعدها، لم أرد لأحد أن يعلم أننى مختلفة هكذا، كنت مشغولة بفكرة تسيطر على تفكيرى بأن هناك فى نفس اللحظة التى أعيشها أشخاص وفتيات حول العالم يعيشون نفس المشاعر واللحظات التى تمر بي، وأننى أتمنى أن أكتب لهم رواياتى ليقرأوها ويعلموا أنهم ليسوا وحيدين فى أحاسيسهم مثلى، بينما الشعر جاء مرحلة وسطى بين زحام الحياة والمشاعر، جاء ليخفف من الغليان وليس هو الهدف والمنتهى، هو شكل تلقائى من التعبير أعيشه مع الورق دون تكلف.

 

■ قصائدك فى معظمها تأتى على شكل حوار أو رسائل إلى الآخر (الرجل) ألا ترين أنك تقعين أسيرة لأنوثتك أثناء الكتابة؟

 

- الحوار لأننى أؤمن طوال الوقت بوجود الآخر وأحترمه، وليس بالضرورة أن يكون الآخر رجلا، قد يكون امرأة أو شجرة أو بحرًا أو قطة أو طائرًا، أو أى كائن حى فى هذا العالم. ومن هنا احترامى لأنوثتى هو حماية لكيانى وليس أسرا أعيش فيه.

 

■ إلى أين وصلت المرأة الشاعرة اليوم.. هل تفوقت على الرجل فى البوح؟

 

- للأسف خطوات المرأة الشاعرة لا تزال بطيئة فى الكشف عما تعيشه وتؤمن به، هناك طبعا بعض الإباحية الجنسية عند بعض الشاعرات، والتى لا أعتبرها بوحًا بل إفلاسًا فى التعبير، فوضع المرأة العربية الاجتماعى والأسرى ما زال ظالمًا برغم وجود بعض الحالات الفردية القليلة، فهى مخيرة بين أن ترضخ وتتخفى أو تدفع ثمنًا باهظًا وتخسر سلامها الاجتماعى فى محيطها.

 

■ ترجمت أنطولوجيا القصة القصيرة المصرية إلى اللغة الانجليزية الذى ترعاه وزارة الثقافة.. كيف ترين هذه التجربة؟ وما معايير اختيار القصص المترجمة؟

 

- لقد كانت تجربة ثرية إنسانيا وجميلة، وبالعموم هذا ما أعيشه كلما ترجمت عملاً إبداعيًا بالذات، وهى تختلف عن الترجمة العلمية والطبية حيث لا يحصل المترجم حينها إلا على معلومات وإن كانت مفيدة، ترجمة الأعمال الإبداعية الأدبية تجعلك تعيش تجربة المؤلف وكأنك تشعر وتكتب معه فى نفس اللحظة، وقد كنت سعيدة بترجمة قصص متنوعة لأدباء مصريين من مختلف المحافظات المصرية ومن أعمار وأجيال مختلفة، هذه التجربة جعلتنى أعى الكثير من الدقائق النفسية والخلفية الاجتماعية للمصريين، وقد كنت أظن قبلها أننى أعرف الكثير عن هذا الشعب المميز بين مختلف الشعوب العربية، والذى جعل مصر قلب الأمة العربية.

 

■ اتجاهك للتجريب واضح.. ما مفهومك للتجريب ؟ وما العلاقة بينه وبين الحداثة؟

 

- التجريب هو أن تختار أن تمشى فى طريق جديد لم يمشى فيه قبلك أحد، أو ربما اختاره القليل من الناس، هو أن تستمتع باختراع مفردات جديدة للعالم من حولك، أو حتى أن تعطى لمكونات العالم أسماء وأوصاف واستعمالات جديدة، التجريب هو أن نساعد الآخرين على أن يجربوا مشاعرهم المتناقضة دون خوف، أن تجعل قرائك يصعدون معك لعوالم الفرح والحرية، أما الحداثة فهى الناتج النهائى لعدة تجارب وفترات من التجريب، أنا بالطبع أحب الشعر الكلاسيكى العمودى لجماله وأصالته ولأنه الأساس المتين لكل أنواع الشعر اللاحقة من شعر تفعيلة وقصيدة النثر، بالنسبة لى اخترت المزج فى أشعارى فى الديوانين الأول والثانى وحتى فى ديوانى الثالث بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر التى أثبت وجودها وقربها من الجمهور بالرغم من كل اعتراضات المعارضين الشرسين، وقد لاحظت ذلك وعشته مع جمهورى فى كل الأمسيات الشعرية التى أقمتها ما بين بيروت وأبو ظبى والقاهرة.

 

■ كيف تتأملين ثورات الربيع العربى وتأثيرها على الإبداع فى المستقبل؟

 

- فى الحقيقة هذا الموضوع يسبب لى ألمًا كبيرًا، لأننى أعتقد أن كل ثورات الربيع (الخريف) العربى هى كذبة ووهم كبير عاشته وما زالت تعيشه بعض الدول العربية، فأنا أفهم أن الثورات تقوم لتحقيق العدل الاجتماعى ورفع الظلم عن الشعوب، وحتى هذه اللحظة لم يتحقق العدل فى أى من الدول العربية، ولو نظرنا بشمولية أكثر لتأكدنا أن ما يحدث هو استكمال لما أسماه البعض الفوضى الخلاقة فى طريقهم لخلق شرق أوسط جديد خال من أى مقاومة لهم، وهذا كله وضع الإبداع العربى فى أزمة، نتيجة للمزاج العام المحبط مما يجرى من فوضى وظلم، لكن رغم كل الظروف استطاع الإبداع فى الماضى أن ينجو من أشد العصور ظلمة، وسوف يقدر الآن أن يتخطى هذه الفوضى وينتشلنا لما هو أفضل.