الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ابداع





شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبروننا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع بمناسبة ذكرى وفاة الشاعر المصرى أمل دنقل الذى رحل عن عالمنا 21 مايو 1983 بعدما أثرى الأدب العربي، فى حياته القصيرة، بأهم إبداعات قصيدة التفعيلة.
 
 
ضد من
 
فى غُرَفِ العمليات،
كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ،
لونُ المعاطفِ أبيض،
تاجُ الحكيماتِ أبيض، أرديةُ الراهبات،
الملاءاتُ،
 لونُ الأسرّةِ، أربطةُ الشاشِ والقُطْن،
قرصُ المنوِّمِ، أُنبوبةُ المَصْلِ،
كوبُ اللَّبن،
كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبى الوَهَنْ.
كلُّ هذا البياضِ يذكِّرنى بالكَفَنْ!
فلماذا إذا متُّ..
يأتى المعزونَ مُتَّشِحينَ..
بشاراتِ لونِ الحِدادْ.
هل لأنَّ السوادْ..
هو لونُ النجاة من الموتِ،
لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ،
ضِدُّ منْ..؟
ومتى القلبُ - فى الخَفَقَانِ - اطْمأَنْ؟!
 بين لونين: أستقبِلُ الأَصدِقاء..
الذينَ يرون سريريَ قبرا
وحياتيَ.. دهرا
وأرى فى العيونِ العَميقةِ
لونَ الحقيقةِ
لونَ تُرابِ الوطنْ!

 
 
 
أيدوم النهر
 
أيدوم لنا بستان الزهر
والبيت الهادئ عند النهر
إن يسقط خاتما فى الماء
ويضيع.. يضيع مع التيار
وتفرقنا الأيدى السوداء..
ونسير على طرقات النار..
لا نجرؤ تحت سياط القهر
أن نلقى النظرة خلف الزهر
ويغيب النهر.
أيدوم لنا البيت المرح
نتخاصم فيه ونصطلح
دقات الساعة والمجهول
تتباعد عنى حين أراك
وأقول لزهر الصيف.. أقول
لو ينمو الورد بلا أشواك
ويظل البدر طوال الدهر
لا يكبر عن منتصف الشهر
آه يا زهر..
لو دمت لنا..
أو دام النهر.

 
 



صفحات من كتاب الصيف والشتاء
 حمامة
حين سَرَتْ فى الشارعِ الضَّوضاءْ
واندفَعَتْ سيارةٌ مَجنونةُ السَّائقْ
تطلقُ صوتَ بُوقِها الزاعقْ
فى كبدِ الأَشياءْ:
تَفَزَّعَتْ حمامةٌ بيضاءْ
(كانت على تمثالِ نهضةِ مصرْ..
تَحْلُمُ فى استِرخاءْ)
طارتْ, وحطَّتْ فوقَ قُبَّةِ الجامعةِ النُّحاسْ
لاهثةً، تلتقط الأَنفاسْ
وفجأةً: دندنتِ الساعة
ودقتِ الأجراسْ
فحلَّقتْ فى الأُفْقِ.. مُرتاعةْ!
أيتُها الحمامةُ التى استقرَّتْ
فوقَ رأسِ الجسرْ
(وعندما أدارَ شُرطيُّ المرورِ يَدَهُ..
 ظنتُه ناطوراً.. يصدُّ الطَّيرْ
فامتَلأتْ رعباً!)
أيتها الحمامةُ التَّعبى:
دُورى على قِبابِ هذه المدينةِ الحزينةْ
وانشِدى للموتِ فيها.. والأسى.. والذُّعرْ
 حتى نرى عندَ قُدومِ الفجرْ
جناحَكِ المُلقى..
على قاعدةِ التّمثالِ فى المدينةْ
.. وتعرفين راحةَ السَّكينةْ!
 

 
 
قالت
قالت : تعال إليّ
واصعد ذلك الدرج الصغير
قلت : القيود تشدّنى
و الخطو مضنى لا يسير
مهما بلغت فلست أبلغ ما بلغت
وقد أخور
 درج صغير
غير أنّ طريقه .. بلا مصير
فدعى مكانى للأسى
وامضى إلى غدك الأمير
فالعمر أقصر من طموحى
و الأسى قتل الغدا
قالت : سأنزل
قلت : يا معبودتى لا تنزلى لى
قالت : سأنزل
قلت: خطوك منته فى المستحيل
ما نحن ملتقيان
رغم توحّد الأمل النبيل 
نزلت تدقّ على السكون
رنين ناقوس ثقيل
وعيوننا متشابكات فى أسى الماضى الطويل
تخطو إليّ
وخطوها ما ضلّ يوما عن سبيل
وبكى العناق
و لم أجد إلاّ الصدى
إلاّ الصدى
 



عشاء
 
قصدتهم فى موعد العشاء
 تطالعوا لى برهة ،
 ولم يرد واحد منهم تحية المساء!
 ......وعادت الأيدى تراوح الملاعق الصغيرة
 فى طبق الحساء
....... ....... .........
 نظرت فى الوعـــاء :
هتفت : (ويحكم ....دمى
هذا دمى .....فانتبهوا)
........لم يــأبهوا !
وظلّت الأيدى تراوح الملاعق الصغيرة
 وظلت الشفاة تلعق الدماء !
 


 
 
استريحى
استريحى
ليس للدور بقيّة
انتهت كلّ فصول المسرحيّة
فامسحى زيف المساحيق
و لا ترتدى تلك المسوح المريميّة
و اكشفى البسمة عمّا تحتها
من حنين .. و اشتهاء .. و خطيّة
كنت يوما فتنة قدسّتها
كنت يوما
ظمأ القلب .. وريّه
لم تكونى أبدا لى
إنّما كنت للحبّ الذى من سنتين
قطف التفاحتين الحلوتين
ثمّ ألقى
ببقايا القشرتين
و بكى قلبك حزنا
فغدا دمعة حمراء
بين الرئتين
و أنا ؛ قلبى منديل هوى
جففت عيناك فيه دمعتين
و محت فيه طلاء الشّفتين
و لوته ..
فى ارتعاشات اليدين
كان ماضيك جدارًا فاصلا بيننا
كان ضلالا شبحيّه
فاستريحى
ليس للدور بقيّة
أينما نحن جلسنا
ارتسمت صورة الآخر فى الركن القصيّ
كنت تخشين من اللّمسة
أن تمحى لمسته فى راحتى
و أحاديثك فى الهمس معى
إنّما كانت إليه ..
لا إلىّ
فاستريحى الآن
لم يبق سوى حيرة السير على المفترق
كيف أقصيك عن النار
و فى صدرك الرغبة أن تحترقى؟
كيف أدنيك من النهر
وفى قلبك الخوف وذكرى الغارق؟
أنا أحببتك حقّا
إنّما لست أدرى
أنا .. أم أنت الضحيّة ؟
فاستريحى ، ليس للدور بقيّة
 


رسوم :مجدى الكفراوى
شعر :امل دنقل