الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ابداع





شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بمولد شاعر من طراز خاص هو مصطفى لطفى المنفلوطى «1876م- وتوفى 24 مايو 1924» وهو أديب مصرى نابغ فى الإنشاء والأدب، انفرد بأسلوب بديع فى مقالاته، برع فى كتابة الشعر، كما قام بالكثير من الترجمة والاقتباس من بعض روايات الأدب الفرنسى الشهيرة بأسلوب أدبى فذ، وصياغة عربية فى غاية الروعة، كتاباه النظرات والعبرات يعتبران من أبلغ ما كتب فى العصر الحديث.
تصاحب قصائده «المنفلوطى» لوحات الفنان والحفار الألمانى العالمى آلْبْرِخْت دورِر (21 مايو 1471 - 6 أبريل 1528)، أظهر موهبته فى فن التصوير الزيتي، كما أنجز العديد من الرسومات التخطيطية وبعض الرسومات المائية واللوحات الفنية المطبوعة، كان مولعا بالنظريات التى تتناول الفن.

 
أيها الفاتكُ الأثيمُ رويداً
أيها الفاتكُ الأثيمُ رويداً
لا أرى التاجَ فى البرية إلا
يتخطى الرءوس رأساً فرأسا
فمحالٌ أن يهدِم المرءُ صَرحاً
عبثاً تقتلُ الملوكَ وعُذراً
آفةُ العَقلِ أن يرى الحمدَ ذَماً
لا يبالى بالموت من عرفَ الموتَ
غيرَ أن الآجالَ فينا حدودٌ
أى جفنٍ أجريتَ منهُ دموعاً
أى رَوعٍ أسكنته فى فؤادٍ
ما بكى الفونس خشيةً بل غراماً
كل يومٍ تكيدُ للتاج كيدا
فلكاً دائراً وأخذاً وردا
ماشياً فى العُصورِ عهداً فعهدا
أعجزَ الدهرَ بأسه أن يهدا
لك فيهم لو كنت تحمِلُ حِقدا
ويرى الخُطَّةَ الدنيئة حمدا
ومَن لا يرى من الموتِ بدا
كلُّ حىٍّ تراهُ يَطلُبُ حَدَّا
كان لولاكَ فى السماكين بُعدا
كان فى فادحِ الحوادثِ جَلدا
ودموعُ الغرامِ أَشرفُ قَصدا
غيرَ قلبِ المحبِّ يخفُقُ وَجدا
بُدِّل النحسُ فى مجارِيهِ سعدا
وغريمَ القتيلِ يَعمُر لَحدا
فى البرايا والله أكبر أيدا
فغدا جمرُها سلاماً وبردا
وقفت بينه وبينكَ سدا
لمليكِ وكان نعمَ المُفدى
إنَّ قلبَ الجبانِ يَخفق رُعباً
كان بين الحياةِ والموتِ شبرٌ
فرأينا القتيل يَعمُر قصراً
أَنت تقضى والله يقضى بعدلٍ
جَمرةٌ أطفأَ القضاءُ لظاها
إنَّ للمالِك الكريم قلوباً
فافتدته فكنَّ خيرَ فِداءٍ

 
 
أأهنأُ بالدنيا ومولاى واجِدٌ
أأهنأُ بالدنيا ومولاى واجِدٌ
إذا لم يكن عنى مليكى راضياً
دعوتك يا مولاى علماً بأننى
أتسقى الورى غيثاً فلا غصن ذابلٌ
وأحرَمُ من تلكَ المكارِمِ قَطرةً      تعودُ
أبى اللَه أن ترضى بأنى طالِبٌ
وقد ضاقت الدنيا على برحبها
فعفواً رعاكَ اللَه للمذنبِ الذى
ولى من ولى العهدِ أعظمُ شافِعٍ
إذا كان مولاى الأميسرُ وسيلتى
بقيتَ لَهُ ما شِئتَ فى خيرِ نعمةٍ
ولا زالَ لى الصَّدرُ الرَحِيبُ لديكُما
ودامَ يَراعى ناطِقاً بِثَناكُما
على وأرضاها ومولاى مغضَبُ
فلا طابَ لى عيشٌ ولا لذ مشربُ
أرجى كريماً عندهُ الخيرُ يُطلبُ
على عهدِكَ الزاهى ولا روض مجدبُ
على ربعى الجديبِ فيخصِبُ
 رضاكَ وأنى بعدَ ذاك أخيبَ
 فلا ملجأٌ إلا إليكَ ومهرَبُ
دعا قادراً ما زالَ فى العفوِ يَرغَبُ
إليكَ بهِ مَولى الورى أتقرَّبُ
فلا خابَ لى مسعىً ولا عزَّ مَطلَبُ
وطابَ لهُ عيشٌ بظلِّكَ طَيِّبُ
ولا زِلتُ فى نُعماكُما أَتَقَلَّبُ
وعليا كَما تُملى على وأكتُبُ
 

 
ضحكاتُ الشيبِ فى الشعرِ
ضحكاتُ الشيبِ فى الشعرِ
هُنَّ رُسلُ الموتِ سائحةٌ
يا بياضَ الشيب ما صنعت
أنتَ ليلُ الحادِثاتِ وإن
ليتَ سوداءَ الشبابِ مضت
فالصبا كلُّ الحياةِ فإن
لم تَدع فى العيش من وَطَرِ
قبلَه والموتُ فى الأَثَرِ
يَدُكَ العَسراءُ بالطُرَرِ
كنتَ نورَ الصُبحِ فى النظرِ
بسوادِ القلبِ والبَصَرِ
مر مرت غبطةُ العُمُرِ

 


يا أُختَ غُصنِ البانةِ المياسِ
يا أُختَ غُصنِ البانةِ المياسِ
وشبيهةَ الظبياتِ فى نظراتها
وكثيرةَ الفتكاتِ فى ألحاظِها
هل تَحفَظى وُدى فلستُ مُضيعاً
أيامَ أغصانِ الوِصَالِ نَواضِرٌ
وجناتُ حُسنُكِ رَوضَتى ورياضُ
ماذا عليكِ لو انتظرتِ مُتَيّماً
أحسبتِ بأساً فى وقُوفِك ساعة
وارحمتاهُ لمهجتى من غادةٍ
تسبى النُّهى بنواظرٍ فتانةٍ
تسطُو بها لكن بغيرِ مُهنَّدٍ
شمسٌ تَهَادى بين أترابٍ لها
مشغوفةٌ بهواى إلا أنها
لم آل جهداً فى اختلاسِ فؤادِها
أتظنُ أنى لا أتيه كما تتيهُ
وعلامَ تُبدى تِيهَهَا هل شاهدت
مِلكق تودُّ النيراتُ لو انها
ملكٌ يسيرُ السعدُ حولَ رِكابهِ
يحكى ليُوثَ الغابِ فى وَثَباتِها
وإذا دَجَت ظُلَمُ الخطوبِ أنارَها
وسياسةٍ وفَراسةٍ وكياسةٍ
سَهلُ الخليقةِ فى جليلِ مهابةٍ
وأكادُ لولا عَزمُه يومَ الوغى
يا ابنَ الأُولى غَرسُوا حدائِقَ مجدِهم
بَلَّغتَ مصرَ مَرامَها وكسَوتها
وأقمتَ للملكِ الرفيعِ عمادَه
وجريتَ فى نهجِ الهدايةِ مِثلما
دُم يا ابن توفيقٍ لمصرَ مُوفَّقاً
وأَحِلَّها المهدَ الوثيرَ ودَاوِها
فَلَمِصرُ مِصرُكَ عن أبيك وِرَاثةً
لِلَّهِ يومَ بدا هِلالُكَ سَاطِعاً
وافترَّ ثَغرُ الثَّغرِ مُبتسماً وغُصنُ
ولسانُ أفئدةِ الوفودِ مُرَتِلٌ
لا غروَ أن رَقَصَت بذاكَ قلوبُهم
فهلالُ وجهِك يوم هَلَّ أقامَ بَينَ
لِمَ لا يُسَرُّ الناسُ يومَ يرونَه
تَختالُ عُجبا فى رياضِ الآسِ
ما بين ذاتِ خِباً وذاتِ كِنَاسِ
وشديدةَ الحُجَّابِ والحُرَّاسِ
أو تذكرى عَهدى فلستُ بِناسي
غَنَّاءُ فى رَوضٍ من الإِيناسِ
خَدِّكِ جَنَّتى ورحيقُ ثَغركِ كاسي
يومَ النوى بالأربعِ الأدراسِ
ما فى وقوفكِ ساعةً من باسِ
لم تُبقِ غيرَ تردُّدِ الأنفاس
تدعُ المتيمَ فاقدَ الإحساسِ
وتغضُّها لكن بغيرِ نُعاس
فإذا جلسنَ فزينةُ الجلاسِ
مشغوفةٌ بتمنعٍ وشُماسِ
حتى أطاعت بعدَ طولِ مِرَاسِ
أو اننى مُستَسِلمٌ للياسِ
يومَ الوصولِ شمائِلَ العباسِ
تحكيه فى بِشرٍ وفى إِيناسِ
فكأنَّه من جُملةِ الحُرّاسِ
وثباتِها لكن بغيرِ قِياسِ
برويّةٍ تحكى ذكاءَ إياسِ
عَظُمَت على الحُكماءِ والسُوَّاسِ
ثَبتِ العزيمةِ فى احتدامِ الباسِ
أدعُوه بالبسامِ لا العبّاس
كى تجتَنى منها أجلَّ غِراس
من فيضِكَ المَأمُولِ خَيرَ لِباسِ
عَدلاً فأصبحَ ثابتَ الآساس
تُجرى نظامَ المُلكِ بالقِسطاسِ
حتَّى تُطهرَها من الأدناسِ
مِمّا بها فَلأنتَ أحكمُ آسِ
وافته عن أجدادِك الأكياسِ
فِيها فأغناها عن النِّبراسِ
الرمل مالَ بِعِطفِهِ الميّاس
آيَ الهَنَا من سائرِ الأجناسِ
وأدارُ كاساتِ السرورِ الحاسي
قلوبهم عُرساً من الأعراسِ
وهلالُ وجهِكِ رحمةٌ للنَّاسِ

يا يراعى لولا يدٌ لكَ عندى
يا يَراعى لولا يدٌ لكَ عندى
يا يراعَ الأديبِ لولاكَ ما أصبح
غيرَ أنى أحنو عليكَ وإن لَم
أنتَ نِعمَ المُعينُ فى الدهر لولا
أنت نعم الصديق فى العيش لولا
فَلَكَ اللَهُ مِن شِهَابٍ إذا
يَتَمشَّى فى الطِّرسِ مِشيةَ شيخ
أو حبيبٍ سرَى لوعدِ حبيبٍ
يتجلَّى فى النقسِ شمسَ نهارٍ
جمعَ اللَه فِيه بين نقيضَينِ
فَهوَ حِيناً نارٌ تلظَّى وحيناً
وتراهُ وَرقَاءَ تَندبُ شَجواً   وتَراهُ مُغَنِّياً إن شَدَا حَرَّمكَ
وتراهُ مُصَوِّراً يرسمُ الحُسنَ
فَتخال القرطاسَ صفحةَ خدٍّ
هو جسر تمشى القلوبُ عليه
صامتٌ تسمعُ العوالِمُ منه
فهو كالكهرباءِ غامضةَ الكُنهِ
كم أثارَ اليراعُ خَطباً كَمِيناً
قطراتٌ من بَينَ شِقَيهِ سالَت
كان غُصناً فصارَ عُوداً ولكن
كان يَستَمطِرُ السماءَ فحال الأَمرُ
يَسعَدُ الناس باليراعِ ويَلقى
واشقاءَ الأَديبِ هل وَتَرَ الدهرَ
أرفيقُ المحراثِ يحيا سعيداً
ما جنى ذلك الشقاء ولكن
ليس للنسر من جَناحٍ إذا لم
حاسبُوه على الذكاءِ وقالوا
أَوهمُوهُ أن الذكاءَ ثراءٌ
يحسبُ النقد للقصيدةِ نَقداً
ليس بِدعاً من هائمٍ فى خيالٍ
إن بينَ المدادِ والحظِّ عَهداً
فاللبيب اللبيبُ من ودَّع الطرس