الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أشرف العوضى: جيلنا صنع الثورة .. والربيع العربى خلق جيلا جديدا من الكتاب والمدونين




أشرف العوضى روائى وقاص وصحفى من مواليد المنصورة، يكتب الرواية والقصة القصيرة والدراسات النقدية والثقافية، وهو يمتلك ماكينة سردية متجددة على الدوام، مقاومة للصدأ وعوامل التعرية، وهو مشغول بإنسان الظل فى الريف المصرى، فى جوهره وفوضويته وحياته وموته، أصدر ثلاث روايات هى: عفاريت شجرة السرو، حذاء السيد المنسى، الهيش، ومجموعة قصصية بعنوان: النوبى، ومن كتبه النقدية: هؤلاء لم يهبطوا من السماء، شاعر المنافى، المساءات الباردة، وكتاب توثيقى بعنوان: حياة أمة.
■ «الهيش» هو عنوان روايتك الأخيرة.. وهو عنوان إشكالى.. لماذا اخترت هذا العنوان؟
- الهيش ليست روايتى الأخيرة ولكنها روايتى الأولى التى كتبتها عام 1999 وصدرت.
فى مصر عام 2001 ثم اعيد طبعها فى عام 2008 واخيرا فى طبعتها الثالثة 2013 والهيش هى تلك النباتات البرية المتشابكة التى تكون سياجا على شواطئ نيلنا العظيم الخالد ويعيش بداخلها حيوانات برية ضالة وكثير ممن يبحثون عن مأوى وساتر من اعين الغرباء والحق أقول إن العالم الموازى للريف كما كتبته  عالم مسكون بالغربة والألم، الغربة التى تتكدس فى ملامح الوجوه والأرواح لدى أبناء القرى المسحوقة، تلك التى تنتظم فى عيش الكفاف، عالم تتحول فيه الوقائع، الى سياق منسجم تماما مع جغرافيا المكان،  وتتشابك شخوصه بكل ما تحمله من توق الى الانفلات من النص، مع رغبتها فى ان تتوهج، وتضىء اللحظة التى تسكنها داخل هذا المكان/ الهيش الذى كان فى عقلى  تحولت فيه مصائر الأبطال الى حالات تتعالق مع مصائر الأمكنة، ليصبح المكان/ القرية «هنا» هو البطل، إلى جانب تلك الذوات المهشمة والمسحوقة.
■ لماذا اخترت الريف فضاء لروايتك وأنت تقيم فى المدينة سواء فى داخل مصر أو خارجها؟
- أنا ابن الريف المجاور حيث كانت قريتى تبعد فقط عن المنصورة خمس دقائق فكنت أرى من برج حمام جدتى المدينة بكل انوارها وبهرجها فى الوقت الذى نعيش فيه مفردات القرية المصرية فى السبعينيات والثمانينيات العمدة والخفر والنيل وماكينة الطحين وطقوس الدفن والموت وحفلات الزار والمولد وعادات الزواج وتلك الدهشة التى تعلوهم حين يذهبون الى المدينة المتاخمة لهم وتلك السعادة التى تعتلى وجوههم بحصولهم على أشياء تبدو لآخرين بسيطة بل وساذجة فمن يأتى منهم فى ذلك الزمن بحذاء جديد من عند باتا او علبة حلويات من عند أحمد أمين أو حتى عيش فينو وطعمية سخنة يظن ان المدينة منحته الشىء الكثير، كنت أحب فى ناسنا البساطة والمحبة والبيوت المفتوحة  وطبعا تلاشت كل المفردات التى ذكرت.
ولكن بقيت القرية التى اعرف بتلك الدروب القديمة وتلك الوجوه السمراء التى تعانى  وهذا اظنه من حسن حظى، وهل تصدق انى لم اكتب حرفا واحدا فى اى من اعمالى عن الغربة حتى الآن بل  لم أحلم إلا عن مصر فأنا رغم البعد المكانى مربوط وملتصق بايامى فى مصر. 
■  الغرائبية حاضرة على مستوى الزمان والمكان والشخوص، وكتاباتك موصولة بالمفارقة والدهشة.. هل شخصيتك كذلك أم أنها تقنية فنية؟
- لا يستطيع كاتب ان يتحدث عن سمات شخصيته بدقة الا ان يكون شخصا مدعيا او نرجسيا وما تراه فى نصوصى مما ذكرت هو نتاج لمخزون وتجربة حياتية ازعم انها كانت قريبة جدا من الناس فأنا كائن اجتماعى كان دائما لدى تلك الأذن المنصتة للحكائين من الذين تظن انهم بسطاء فى حين انهم  العمق بعينه وتلك العين التى تسجل  ما يظنه الآخرون غرائبى وعجيب أنا مدين لشخوصى المفعمين بالحياة بذلك الصدق الذى أحاول ان يكون بين ثنايا نصوصى.
■ ما الفرق بين عالم الريف عند محمد البساطى وسعيد الكفراوى والريف عند أشرف العوضى؟
- الفرق هو الزمن والتطور والتغيير الذى طرأ على الريف  انت تحكى عن اثنين من احب الكتاب الى قلبى واذا قلت ان البساطى والكفرواى وقبلهما بالنسبة لى عم  خيرى شلبى وقبلهم المعلم الاول يوسف ادريس قد خلقوا الريف البكر بكل هذا الطقس المهيب والشاعرى والواقعى أيضا.
فإن جيلنا من رأى تلك اللحظة الفارقة فى التغيير لحظة وصول الحداثة  مع عودة للقادمين من العراق وليبيا والسعودية بأجهزة التسجيل والمراوح والتليفزيونات الملونة وبطاطين جلد النمر.
لحظة بناء البيوت بالطوب الاحمر وخلق ثقافة أخرى لأبناء الفقراء لحظة تلاشى جيل الكبار من شيوخ البلد والاعيان وتجار القطن ونظار العزب إلى وجود طبقة من المتعلمين  والاشتراكيين.
لحظة عودة  المحاربين من نصر أكتوبر  العظيم بنياشين الفخر لينتهى بهم العمل  موظفين فى مصانع الزيوت وفراشين فى المدراس الفقيرة الاختلاف ايضا  فى التكنيك والتجربة ويبقى الفيصل الموهبة والخبرة والثقافة  العميقة  لدى جيل الكبار والتى يفتقدها الآن كثير ممن يتصدون لكتابة الرواية.
 ■ إلى أى حد تحضر الأيديولوجيا فى نصك؟ وما رأيك بالأيديولوجيا فنيا؟
- أنا كما ذكرت غير معنى بما وراء النص من ايديولوجيا تدفعه دفعا او تلوى ذراعه  لفكر معين فشخوصى هى التى تفرض فكرها ولست أنا لأنها كائنات حية نابضة ودائما اترك للمتلقى جمع فسيفساء النص  والتى تقف فيها القرية المصرية بكل ما تشى به مفرداتها، فى كل تفصيل، لتدفع بالنص الى  أن يفر من أسر الأيديولوجيا والمعانى الثابتة  فى الكتابة الموجهة، صدقنى أحاول أن أقيم عالما متخيلا، مستنبطا من الواقع، يتمدد فى حكاية، مشحونة بصور وشخوص مهزومين ومرتبكين ومتوترين ومنسلخين عن ريفهم، وشبقين حتى، أود ان أكتب نصا عن مكان رأيته  وعشته فى طفولتى ومطلع صباى  يتحكم بمصائر من يقطنونه، وتتحرك فيه ذواتهم المهشمة والمهمشة.
■ ما العلاقة بين ذاكرتك وكتاباتك؟
- أنا اكتب الآن ما أسميه بخامات الكتابة عن تلك الشخوص والاماكن التى رأيت وعشت مدينا لهذه الذاكرة وتلك العين العدسة ربما اخلق الآن فى نصوصى عالمى الخاص ناسيا، جغرافية المكان التى ربما لا توجد إلا فى ذهنى ولا اخفيك ان كثيرين من ابناء قريتى يحاولون فك طلاسم المكان وشفرات الناس علهم يعثرون على شخص يعرفونه او مكان ربما كتبت عنه ولكنها تبقى الظلال والبذور فقط.
نصوصى نبت حقيقى لتلك الذاكرة وايضا أؤمن بالبناء الفنى للنص دون تركيب أو تعقيد، فبنية النص لدى واقعية، تنهل من اليومى وتفاصيله، لتتشكل فى إيوانه، كما أنى اسند فعل السرد الى الحكى بأساليب يتم تعاطيها فى الحكى اليومي، لكنها ايضا تكون بالفصحى لتمنح المجال السردى فى النص حيوية الواقع وتأثيراته.
■ ماذا ينقصك كروائى؟
- الحق ليس هناك روائى مكتمل ينقصنى دائما وابداً الاطلاع والقراءة اكثر كذلك  التجربة الحياتية الثرية اكثر واكثر ايضا خلق تكنيك فنى فى كل نص يواكب تطور الحياة والطفرات الهائلة التى حققتها الرواية  فى العالم  كما ينقصنى دهشة الطفل الصغير اللائذ بحضن أمه ليلة عيد وفى يده قطعة من كباب  رخيص انتظارا لعودة ابيه من الصلاة ينقصنى الآن التفرغ والاخلاص للرواية اكثر حيث ان عملى الصحفى كمسؤل عن  مجلتين اخذ كثيرا من طاقتى الابداعية واهم شىء افتقادى لمصر التى احب واعشق  فالبعد عنها يفقد الكاتب الكثير من خامات الكتابة التى حدثتك عنها فالغربة وان كانت مريحة  مادية ولكنها قاتلة  لاى ابداع حقيقى. 
■ إلى أين تسير الرواية بعد الربيع العربى؟
- الربيع  العربى خلق جيلا جديدا من الكتاب والمدونين رأى وعاصر وعانى فقد كانت الثورات بالنسة لجيلنا من الشباب درسا فى كتب التاريخ نتحدث عن نتائجه ولكن ان  نكون جزءا من صناعتها بل وقودها دمها ونارها فهذا ما فجر طاقات كثيرة لحكى ما حدث.
ربما ان الوقت مبكرا لكتابة الثورة والربيع العربى ولكن بكل تأكيد على جميع كتاب الرواية  اعادة حسابتهم والتوقف قليلا قبل البدء فى اى مشاريع جديدة وجميعنا نذكر  ان شيخ الروائين نجيب محفوظ قد توقف بعد ثورة 1952 لمدة ربما تقترب من عشر سنوات حتى عاد لكتابة الرواية واخيرا ان المناخ العام الآن للرواية أظنه مناخ الترقب لأن الاحداث  الحالية ايقاعها اسرع  بكثير من خيال أى روائى.