الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لينا هويان السورية: قمت بتأنيث الصحراء وإظهار دهائها فى تزييف الآفاق




احتلت الصحراء مكانة مميزة فى إبداعها، وعشقا خاصا فى حياتها، ربما امتد إليها عبر جذورها التى تنتمى للثقافة البدوية، فكتبت عنها كما لم يُكتب، اختلفت صحراواتها عن صحراوات عبد الرحمن منيف وإبراهيم الكونى وصبرى موسى، كتبت عمقها الذى تجاهله المستشرقون، التى ترى أنهم كانوا فى الغالب جواسيس لا يهتمون إلا بنقل صورة عامة لقياداتهم ... تحدثت عن المرأة الحلم، التى تضارع الصحراء فى غموضها واتساعها وقوتها، وتنافس السراب فى جماله وبهائه وكذبه .. إنها الأديبة السورية لينا هويان .. التى تحدثت لنا عن الصحراء والأنثى فى رواياتها وعن تجربتها الشعرية الوحيدة «نمور صريحة» ولماذا تفضل وصفها بـ«المغامرة الشعرية» ... بالإضافة إلى حديثها عن الواقع السورى وغيره فى هذا الحوار:
 
■ تدور أحداث روايات فى عوالم الصحراء والقبيلة .. لماذا استدعاء هذا العالم الأسطورى فى زمن العولمة وما بعد الحداثة؟
- يفترض بالأدباء أن يكونوا ورثة الأسطورة والسحر، لتكون كتاباتهم بمثابة الاحتياطى الحقيقى لعالم التخييل. فالنص الذى يُنتزع  نهائيا من سحر الخرافة لن يصمد، وكما قال يوما الأديب الفرنسى بروست «أحيانا تكون الحداثة باعتمار قبعة الجد» وتراثنا الروائى والحكائي، ثرى ومتنوع وأكبر مثال على ذلك «ألف ليلة وليلة» الذى اعترف أدباء كبار بتأثرهم الكبير بعوالمه مثل ماركيز ويوسا وبورخيس. وأنا أمتلك الاستعداد الوجدانى اللازم الذى منحنى شجاعة إعادة قراءة هذا العالم الذى اقتنصته لأدوّنه بشغف كبير، ويحق لكل كاتب تحديد شكل الحداثة التى يراها، فالحداثة تتحالف مع الحرية، حرية تشكيل النص وحرية اختيار موضوعه وحرية أسلوبه ولغته، وأنا قدمت نصى بلغة حداثية وكل النقاد يجمعون على ذلك.
■ للبدو عاداتهم وتقاليدهم وفكرة العشيرة والمحرمات فهل بحثت بحكم انتمائك لهذا العالم عن التحرر من قيوده فى الكتابة؟
- الكلمة أرقى أشكال الحرية، وأذكاها، فحتى لو كنت ولدت فى مجتمع مدنى متحرر تماما لما استغنيت عن الكلمة لأقوم بتوثيق حريتى وفرديتى وأناى الشخصية. والصحراء مكان لا يقبل إلا أن يكون حرّا، استلهمت «الحرية» كفكرة، من جذرى القبلى وليس الحضري، فعالم المدينة عالم للتدجين بالدرجة الاولى، الاطفال يذهبون الى ذات المدرسة ويتعلمون الدروس نفسها ويرددون الشعارات عينها، بينما عالم القبيلة ليس كذلك وأنا تعلمت من بداوتى منطق ان اكون أنا ذاتى دون أن أشبه غيري، القيود نحن نوجدها إذا كنا ضعفاء، فنتعثر بها كيفما تحركنا، أما إذا امتلكنا أنفسنا بحق فلا قيد، وللمجتمع القبلى فى بادية الشام خصوصية أظهرتها فى رواياتي، أى للمرأة فيه هامش كبير من الحضور وحرية الاختيار والتنقل، هامش لم تجده قريناتها الحضريات. ولولا ذلك لما حظى الرمل بسلطانات.
■ ما الفرق بين صحراء عبد الرحمن منيف وإبراهيم الكونى وصبرى موسى وصحراء لينا هويان الحسن؟
- لعلى قمت بتأنيث الصحراء أو الأصح حاولت ذلك عبر الكشف عن الجانب الأنثوى منها، بل أكثر من ذلك أكدت فى كتاباتى أن الصحراء أنثى شديدة المكر والدهاء. فالصحراء، أرض تحترف تزييف الآفاق وتحريك شتى السرابات وفى كل لحظة تتواطأ مع لعاب الشمس لتصنع كذبة جميلة اسمها السراب، وتمتحن قدراتنا كبشر فى تمييز الواحات الحقيقية عن الواحات الوهمية. . وكل نسائى فى روايتيّ «سلطانات الرمل» و«بنات نعش»، نساء يشبهن السراب فى نواح كثيرة، لا يمكن امتلاكهن، ولا حدود لمطامعهن، كتبت عن أكثر نساء الأرض مكرا وثقة وذكاء، نساء لا يعرفن المهادنة، فحتى بعد موتهن ظلت سيرهن بمثابة حضور خالص لا تشوبه شائبة ولهذا، كتبتهن، أى حولتهن إلى روايات.
■ لماذا اعتمدت فى توثيق رواياتك على كتابات المستشرقين رغم أهدافهم الاستعمارية التى لا تخفى على أحد؟
- لمدة تتجاوز الأربعة قرون لم يُكتب عن الصحراء اى نص بقلم عربي، كل الأقلام التى كتبت كانت غربية، وغالبهم عملوا كجواسيس لمصالح حكومات استعمارية والجاسوس ليس من مصلحته كتابة نص أدبى .. انما كتبوا تقارير شديدة الواقعية، فالجاسوس لايغش حكومته ولهذا اعتمدت تلك الوثائق لتكون حاضرة على متن النص الروائى لتمنح القارئ تصورا معقولا عن عالم شبه منسى ومغيّب تماما من الذاكرة الحضرية. خصوصا بعد منتصف القرن العشرين حيث تمّ تغييب العالم القبلى ورجاله عن التاريخ الرسمى السورى ابتداء من لحظة إلغاء قانون العشائر القانون الذى أصدره جمال عبد الناصر إبان الوحدة السورية المصرية وذلك أدى إلى تضييع الكثير من ملامح مجتمع له جاذبيته وقوامه وثقله. وهنا دور الأدب فى انتشال ما أمكن من جمال بائد.
■ تناولت غرائبيات المجتمع القبلى .. فهل هذه محاولة لجعلك أكثر خصوصية بين روائيات جيلك؟
- الخصوصية ميزة يسعى إلى اجتراحها كل كاتب، وكل نص نكتبه هو مشروع للتميز قدر الامكان ولا أنكر أن اختيارى للعالم الصحراوى أضفى خصوصية واضحة على ما أكتب، لكنى ، قطعا، لم أفعل ذلك عن قصد، فالأدب لا يُفتعل، وأنا كتبت بدافع ذاكرتى ووجدانى وحميمية، لتدوين عالم أحببته ورأيت أنه آيل إلى الاندثار ومن المثير تدوينه بشكل نص أدبى أدفعه للقارئ وأنا أثق أنى بذلت جهدا يحترم ذائقته وقلبه وعقله. الخصوصية يصنعها النص.
■ عناوين رواياتك لافتة وجذابة وتحمل أسماء مؤنثة .. لماذا هذا الانحياز للمرأة؟
- المرأة كائن متنوع ومثير أكثر من الرجل، غموضها، وتناقضاتها، وتحولاتها، كل ذلك أمور كفيلة بكتابة نص جذاب للغاية، فالأنوثة أمر ساحر وجميل والأشياء التى تتميز بالانوثة هى أشياء ثرية وخصبة تتيح امكانات كثيرة للسرد، أضف إلى ذلك أنها بشكل أو بآخر تتحكم بالرجل وتحدد مصيره فى احيان كثيرة. وكل بطلاتى هن نساء قويات، عواطفهن فائضة بحيث أنهن بسبب غرامياتهن تسببن بمعارك قبلية دامية، وذلك شيء لم أخترعه مطلقا، ولهذا اعتمدت دسّ بعض النصوص القصيرة بأقلام أناس عاصروا تلك المعارك الطاحنة التى اشتعلت بسبب امرأة عاشقة، فلا أكثر غواية من امراة تعرف ما تريد وتدافع عن حلمها بقوة «فظيعة» احيانا، المرأة تستطيع قلب القدر اذا استشرست وأرادت شيئا بعينه وكل بطلاتى من هذا الطراز. ولا أقبل أبدا بتشويه نصى بامرأة دون هذا المستوى من التحدي.
■ قمت بزيارة عالم الشعر زيارة خاطفة وسريعة فى مجموعتك «نمور صريحة» ولم تكررى الزيارة ..لماذا؟
- إنه نص كلماته تماما كالنمور من حيث هى كائنات خاطفة وسريعة ولا تتمهل أبدا، ومن يعلم متى يخطر على بالها أن تباغت الغابة بهجمة جديدة؟ والأدب هكذا، هجوم مباغت وخاطف بعد مدة طويلة من الصبر والتأني. الأدب بمجمله محاولات طموحة وهكذا كانت مغامرتى الشعرية، فى نصى «نمور صريحة».
■ كيف ترين ما يحدث فى سوريا الآن؟ وتأثيره على حركة الإبداع فى المستقبل؟
- ما يحدث فى سوريا أمر حدث ويحدث دائما، إنه التاريخ وعجلته التى تدور دون أن تكترث بأحد، وهذا يشكل امتحانا للابداع، ويفرز الكثير من الاشياء لكن ذلك لن يتوضح بشكل مباشر، فلابد من مرور الوقت لمعرفة النتائج الأكيدة على الابداع، ولا ننسى أن الابداع، عالم ينتعش فى الحروب والأزمات. . وتاريخنا حافل بهكذا أمثلة: فلولا «حرب داحس والغبراء» لما عرفنا شعراء مثل عنترة وعروة بن الورد، ولولا «حرب البسوس» لما عرفنا سيرة ساحرة كسيرة الزير سالم . . الحروب امتحان حقيقى لقدرات البشر.
■ هل كتبت النص الذى تحلمين به؟
- عندما تتحقق الأحلام تنتهي، دائما هنالك نص ألهث وراءه لعلى أكتبه، وغالبا هنالك كلمات محلقة فى عالم الاحلام الشاسع، كلمات تختبر قدراتى وخيالى فى كل نص جديد أكتبه.