الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

هل تصلح الكيانات المستقلة «بديلا» لوزارة الثقافة؟!




مع استمرار حالة التجاهل من الدكتور علاء عبدالعزيز لغضب واحتجاج الجماعة الثقافية تجاه قراراته الأخيرة، بإقالته عددًا من قيادات وزارة الثقافة، وتدخله فى قرارات لجنة تحكيم «المعرض العام»، بالإضافة إلى تصريحاته حول تغيير الثقافة المصرية بشكل مبهم دون توضيح لملامح المشروع الثقافى الجديد، الأمر الذى أدى لانتفاض الجماعة الثقافية ضده والمطالبة بإقالته والتصعيد ضده لعزله كوزير ثقافة وخلق كيانات موازية أو بديلة لوزارة الثقافة، دفع إلى التفكير فى إمكانية ظهور مؤسسات ثقافية مستقلة وأهلية بديلة لوزارة الثقافة؟... وهل ستكون قادرة على الحفاظ على هوية مصر الثقافية التى لا تنتمى إلى تيار سياسى أو دين بعينه؟ عدد من المثقفين أجابوا عن هذه الأسئلة:
 
الروائى رءوف مسعد أكد أنه من الممكن أن تنجح المؤسسات المستقلة فى ذلكبشروط أوضحها قائلا: حقا إنه سؤال مهم وحيوى فبدلا من الدخول فى معارك دون كيشوتية تلهينا عن «المصيبة» الثقافية اللى نعيشها الآن .. علينا أن نركز على معركة وحيدة أساسية: الدفاع عن الهوية الثقافية المصرية التعددية.. القبطية واليهودية والإسلامية .. حتى لا نسقط فى فخ الثقافة الأحادية الفاشية الريفية الظلامية الإخوانجية... كده من الآخر!
 
وضاف: أعتقد أن أهم دور الآن لاتحاد الكتاب المصرى هو الدفاع عن قيم الثقافة المصرية التعددية، التى أسس لها طه حسين المسلم الأزهري، ولويس عوض المسيحى الأكاديمي، وسلامة موسى المسيحى الاشتراكي، وقبلهما يعقوب صنوع اليهودى مؤسس المسرح المصري، وهنرى كوريل اليهودى الماركسى ..بدلا من محاولات الإخوان المسلمين الآن لتأسيس ثقافة ريفية فاشية ظلامية ترفض الآخر، لكن المشكلة أن المؤسسات الأهلية والمستقلة تم تحجيمها منذ عهد مبارك، ويتم الآن تكميمها، لكن لو حاولنا إحياء دور المؤسسات الأهلية فسوف نجد أنها ستقوم بأهم فعاليات مفترضة لوزارة الثقافة، وهى تشجيع الابتكار والحفاظ على ما هو موجود فعلا من إنجازات ثقافية، وطبعا هوية مصر الثقافية، فمن المعروف أن أهم جوائز ثقافية وأدبية فى العالم تصدر من مؤسسات أهلية كجائزة «نوبل» السويدية، وجائزة «برنس كلاس» الهولندية.
 
وأضاف: الصراع الآن فى مصر والعالم العربى صراع «الهوية» وهو صراع كان محسوما بشكل ما من وقت سابق أننا مصريون وعرب وفراعنة وهيلينيون وأقباط ومسلمون ممتزجو الهوية المتراكمة المتداخلة من خلال الأعياد وطقوس التدين، لكن محاولة «توحيد» الثقافة وقطع روافدها ستكون محاولة فاشلة، بالتالى فالدور الآن الذى تقوم به وزارة الثقافة هو دور فاشل، لأنها وزارة لا يوجد سبب لوجودها، وميزانية الوزارة يمكن أن تتوزع بالتساوى على بضع جمعيات ومؤسسات أهلية مهتمة بتطوير للرؤية الثقافية للإنسان المصرى والحفاظ على هويته الثقافية.
 

 
وأكمل: المهمة صعبة، لأنه علينا فى البداية أن نحدد تعريف «هوية» وممكن الرجوع إلى أمين معلوف فى كتابه الخطير «هويات قاتلة» لكن تعريف الهوية يجب ان يرتبط ايضا بالرؤية الثقافية للدين، فالجانب الثقافى للإسلام هو « قبول الآخر» لا فضل لعربى على أعجمى ألا بالتقوى، مثلا والمسيحية تعتبر أن «الله» خلق الإنسان على صورته ... الخ، ثم نرجع بالهوية إلى الجذور أى إلى الفرعونية التى حلت مشكلة «التعددية» داخل الإمبراطورية كما حلت مشكلة تعددية التعبد، حتى اختراعنا للغة العامية التى هى مزيج من كل تراثنا اللغوى الفرعونى والقبطى والعربية، ونتاج المخزون الاجتماعى منذ تأسيس مصر كشعب وكدولة.
 
واتفق مع الرأى السابق الروائى الدكتور زين عبدالهادى رئيس دار الكتب والوثائق القومية سابقا قائلا: هذا هو دور المؤسسات المستقلة حاليا.. التى لابد من أن تبتعد عن مؤسسات الدولة.. فدائما الدولة الثقافية لا أمل فيها، وأرى أن المؤسسات المستقلة قادرة على أن تكون بديلا، وأن تحافظ على الهوية الثقافية المصرية وتحميها لكن لابد من وجود هيكلة ونوايا صادقة.. كما أنها بحاجة لأن تعرف ما هى مخرجاتها وأن تراجع أهدافها.. أيضا بحاجة إلى تطوع حقيقي.. وإلى استراتيجية.. وإلى تمويل شعبي..حين تتوفر هذه الشروط وتحدد مخرجاتها فى هذه اللحظة فقط ستحل محل وزارة الثقافة.
 

 
كما أوضحت الدكتورة فينوس فؤاد أستاذة التنشيط الثقافى بأكاديمية الفنون والعضوة السابقة بلجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلى للثقافة أنها تتفق مع فكرة المؤسسات والكيانات البديلة قائلة: بالفعل هناك مؤسسات عديدة وعريقة بدأت تفتح ذراعيها للفنانين بمختلف أطيافهم، كما أن وزير الثقافة السابق كان قد أعلن من قبل عن مناصب قيادية بالوزارة يتقدم إليها مثقفون من خارج الوزارة، وبالفعل تقدموا لها إلى أن أتى الوزير الجديد، و«بجرة قلم» ألغى ذلك وتخلى عن القادمين من خارج الوزارة دون معرفة سابقة أو دراسة لمنح هذه الدرجات للموظفين العاملين بالوزارة غير المتخصصين فى مجالات الثقافة، لمجرد أن يثبت أنه مع «الضعفاء» حتى ولو كان ذلك مخالفا للقانون!
 

 
وأكملت: بالتالى يقوم بتفريغ الوزارة من المثقفين الحقيقيين والفاعلين، فدائما ما يصرح بأنه يريد تنمية لكن ما يفعله هو هدم وليس تنمية! ... ولقد بدأ عدد من الفنانين والمثقفين بتلقى عروض من مؤسسات كبرى لإقامة فعاليات فنية وثقافية كبرى بإمكانيات مادية هائلة مما يهدد كيان وزارة الثقافة وذلك لدعم الثقافة والمثقفين، فبشكل شخصى تلقيت العديد من هذه العروض والمقترحات من شركات سياحية كبرى وفنادق كبرى ومؤسسات دولية لتبنى فعاليات فنية وثقافية كبرى لتنشيط السياحة وتنشيط الفعاليات الثقافية التى تصاحبها ندوات ومؤتمرات علمية وذلك عن طريق دراسة الأشخاص الفاعلين بالحركة الثقافية والفنية بغض النظر عن انتمائهم لوزارة الثقافة من عدمه، فلتكتفى الوزارة بموظفيها «غير المتخصصين» وتنفق عليهم 80% من ميزانيتها وفقا لتصريح الوزير شخصيا، وعدم إحداث طفرة واستقدام للمثقفين لإدارة الوزارة هى الكارثة والطامة الكبرى بعينها! ... بل إنه ذهب لتحديد قوائم من هم معارضوه لتصفية حساباته معهم!
 
وعلى الجانب الآخر هناك أصوات رافضة لفكرة وترى أن الكيانات الموازية والمؤسسات الأهلية لا يمكن أن تحل محل وزارة الثقافة.
 
حيث يرى حسام نصار الكاتب ورئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية السابق بوزارة الثقافة أن المؤسسات المستقلة والأهلية لا تستطيع أن تحل محل الوزارة واصفا ذلك بالهراء، وعلل ذلك قائلا: مصر دولة أزمتها الحالية أزمة معرفة وأزمة هوية، لذا لابد من أن يكون بها مؤسسة وطنية تفكر وآليات متكاملة لتحقيق هذا، ولا مانع أبداً من مساهمات مؤسسات المجتمع المدني، إنما من المستحيل أن تتصدّى لهذا العمل وحدها، إضافة إلى أنها لا تستطيع أن تتحمل كلفة الخدمة الثقافية، وهى كلفة رهيبة لو أردنا التطوير الحقيقي، وبالتالي، ولأن تلك المؤسسات غير قادرة على تحمل تلك الكلفة فليس أمامها إلا خياران، إما أن تلجأ للتمويل الخارجي، الذى لن يكون مدعوما أو مجانيا، وإما سوف تضطر لتقديم الخدمة الثقافية بأسعارها الحقيقية، مما يعنى حرمان جمهور كبير جدا من تلك الخدمة، وبالتالى سوف يفشل المشروع المعرفى الوطنى الذى تحتاجه هذه الأمة، وسيبك من الوزارة دلوقتي، الثقافة لن تستطيع عمل شيء فى وجود الإخوان، والثقافة يجب تشتغل فى إطار معرفى أشمل، يبدأ بالتعليم، وينتهى بالإعلام، ودى منظومة يجب أن تعمل فى إطار تكاملى على مدى جيل كامل، حين يتم ذلك ويحدث تنوير حقيقي، تترك للقطاع الخاص ومؤسسات العمل المدني، ما عدا ذلك هو هراء حقيقة!
 

 
اتفق معه فى الرأى الدكتور طارق النعمان القائم بأعمال الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة قائلا: أنا مع المزيد من الكيانات الثقافية المستقلة والمدنية والأهلية الفاعلة، إنما هذا لا يلغى دور وزارة الثقافة، فوزارة الثقافة فى بلد مثل مصر وبمساحتها وبعدد سكانها تعد ضرورة أساسية ولايمكن أن يكتفى فيها فقط بالعمل الأهلي، فوزارة الثقافة من المفترض أنها خدمية للمواطنين على مستوى مصر كلها والتى تصل إلى اقاصى الصعيد وإلى النجوع والتى لا يستطيع أن يقوم بها العمل الأهلي، ففكرة الاستغناء عن وزارة الثقافة هى فكرة خطرة فضلا عن أنها ستتيح فرصة كبيرة جدا لضخ أموال سياسية قد تكون مشبوهة فى نطاق العمل الثقافي، فمثل هذه الدعوة حتى وإن كانت تدفعها نوايا طيبة من بعض الراغبين فى ان تكون هناك كيانات مستقلة لا ينبغى أن تكون متعارضة مع الحفاظ على وزارة الثقافة كعمود أساسى حافظ للهوية المصرية بكل تنوعها وزخمها، ناهيك عن الصناعات الثقافية الثقيلة التى لا تستطيع القيام بها الجمعيات الأهلية أو التى إذا ما تركت لرأس مال كبير والتى لا ندرى من وراءها والتى أعنى بها المشاريع الكبرى فى هذا الصدد، فأنا ضد أن تكون المؤسسات الأهلية بديلة عن وزارة الثقافة إنما تكون موازية فى ظل وضع مصر ومشكلاتها لأنها مسألة بالغة الخطورة، فما يحدث الآن من توتر بالوزارة نتيجة للوزير الجديد هو فى نهاية الأمر مسألة عارضة ولن تطول ، لكن الوزارة باقية والثقافة باقية ومؤسساتها باقية ما عدا ذلك هو هراء، واى مثقف يقول غير ذلك ويدعو لإلغاء الوزارة واستبدالها بالمؤسسات المستقلة وعيه غائب وكلام فارغ وهو قاصر الرؤية ولايفهم فى الثقافة أى شىء، فالثقافة مسألة أمن قومى وطنى وعلى الدولة المصرية المدنية الحفاظ على الهوية المصرية.