الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

السفير بلال المصري: نظام «المخلوع» السبب في ورطة «سد النهضة»




 فجر السفير بلال المصري «سفير مصر السابق بأنجولا والنيجر» والملقب بعاشق إفريقيا، عدة مفاجآت في حواره مع جريدة «روزاليوسف»، عن إشكالية «سد النهضة» والذي كشف خلاله أن نظام «الرئيس المخلوع» ساهم في ضياع هيبة مصر وإهدار أمنها القومي.

أضاف السفير المصري أن هناك من يرددون حالياًَ حلولاً غير منطقية لهذه المشكلة فمنهم من يتحدث عن توجيه ضربة عسكرية وهو أمر غير مقبول وعلينا ألا نتطرق إليه لأننا بذلك نضر بالأمن القومي المصري وبسمعة مصر لأن أثيوبيا بلد تربطنا به وشائج تاريخية منها أن 50٪ من سكانه مسلمون كما أن الكنيسة الإثيوبية مرتبطة تاريخياً بالكنيسة القبطية المصرية بمعني أننا نعتدي علي شعب شقيق لافتاً إلي أن هناك أيضاًَ من يطالبون بالضغط علي الجهات المانحة وهو أمر ليس باليسير خاصة أننا نمر بصعوبات في الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي وهو مبلغ مقارب للمبلغ المطلوب لتمويل سد النهضة الذي من المتصور أن إثيوبيا قد دبرت سبل تمويله قبل الإعلان عنه.
وأشار المصري إلي أن وزراء الري في عهد المخلوع حرصوا علي عدم بيان خطورة استراتيجية إثيوبيا النيلية لأنهم لو أوضحوا ذلك فسيعني ضرورة نزوع نظام المخلوع للتصرف وهو نظام كما هو معروف عنه خاصة من أعدائنا أنه «نظام كسيح جبان».
 
■ بداية هناك من يري أن الحل العسكري هو الخيار الوحيد ضد إثيوبيا لمنعها من استكمال مشروع سد النهضة؟
ــ خيار الحرب أمر غير مقبول بالمرة لأنه محفوف بكل أنواع المصاعب وعلينا أن نستبعده تماماً وألا نتحدث عنه ونردده، فكيف لنا أن نحارب أو حتي نلوح بالحرب ومصر غير مستقرة، بالإضافة إلي أن إمكانية إعلان الحرب علي الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي انتهت بانفصال واستقلال جنوب السودان المتاخمة للحدود الإثيوبية، والذي اعتبره جزءاً مهماً من المجتمع المدني الأمريكي علي الأقل ــ انفصاله تعهداً أمريكياً.
■ هناك من يتبني وجهة نظر أن علي مصر التأثير علي الجهات الممولة للسد؟
ــ واهم من يقول إن مصر يمكنها أن تؤثر في موقف الجهات المانحة لإثيوبيا التي ستمول المشروع بـ4.8 مليار دولار، لأن الإثيوبيين ما كان ممكناً أن يعلنوا عنه إلا بعد تسوية مسألة تمويله والولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي لن يمانعوا في التمويل، وهي كلها أمور تستهدف المزيد من الإنهاك والإضعاف لمصر، ولنا في تعاملنا مع صندوق النقد الدولي عبرة حيث إننا إلي الآن لم نتمكن من إنهاء إجراءات الحصول علي قرض.
■ الحل إذن هو التفاوض مع الإثيوبيين؟
ــ التفاوض مع الإثيوبيين طريق مسدود لأسباب كثيرة أولها أننا بأيدينا أوصلنا الخطر حتي باب بيتنا والتفاوض لا يجدي لأنهم قرروا وانتهي الأمر.
■ ما تأثير السد علي مصر؟
ــ أولها تناقص دور مصر في إطار دول حوض النيل وتآكل هيبتها وانهيار جزئي لأحد أسس اتفاقية مياه النيل مع السودان الموقعة عام 1959 فيما يتعلق بالانتفاع الكامل من مياه النيل ألا وهو استغلال الفواقد فلا فواقد بانفصال جنوب السودان في 9 يوليو 2011 ولا ببدء إثيوبيا في إقامة سد النهضة.
واختفاء مفهوم التعاون الفني في مياه النيل مع دولة فبناء سد النهضة لم يتم بتشاور مسبق ولا هناك اعتراف بمبدأ الحق التاريخي بتوقيع دول حوض النيل للاتفاق الإطاري أو اتفاق عنتيبي فيما عدا جنوب السودان والسودان ومصر وقد ينضم جنوب السودان لاحقاً فلا يتبقي إلا دولتا المصب مصر والسودان.
■ هل لإسرائيل يد في بناء السد؟
ــ إسرائيل قد تكون المحرض في عملية بناء السد لكن من يتخذ القرار الحكومة الإثيوبية وعلينا ألا نلوم إثيوبيا ونهاجمها علي علاقاتها بإسرائيل لأن ذلك يصيب الإثيوبيين في كرامتهم الوطنية (من وجهة نظرهم لا من وجهة نظري أنا).
وعلينا أن نعترف بأن من يستحق اللوم بل والاتهام هو نحن وتحديداً «نظام المخلوع مبارك» الذي لم يهتم بما هو استراتيجي فأهمل السودان بل وإفريقيا (53 دولة أي كتلة تصويتية معتبرة والتي تشكل قاعدة عملنا الاستراتيجي) وأنا أنادي من الآن بإقامة وزارة للشئون الإفريقية تضم أفضل كوادر الدبلوماسية المصرية ذات الصلة بالشأن الإفريقي والمائي.
■ برأيك لماذا وصلنا لطريق مسدود مع إثيوبيا؟
هذا نتاج مباشر لحالة الانفصام الدائمة بين ما هو استراتيجي ومتصل بالأمن القومي وبين سياساتنا التطبيقية علي الأرض وهو أمر ذا صلة بالقائمين علي تنفيذ السياسات في عهد الرئيس المخلوع ونظامه.
ـ وبانفصال السودان «استقلاله» في أول يناير 1956 بدأت عملية النحر في نظرية الأمن القومي المصري التي يعد النيل ركيزتها وأساسها لا مراء.
■ وما تأثير علاقة مصر والسودان علي الأمن المائي المصري؟
ــ ظلت العلاقات مع السودان تتناقص وتتزايد ببطء إلي أن ارتبطت الدولتان بما يُعرف بالتكامل في عهد الرئيس السادات وكان هذا تطورا نوعيا في العلاقات بالرغم من انشغال مصر لدرجة التورط شبه التام في الحرب والسلام مع إسرائيل و«الولايات المتحدة» وخلال هذه الفترة  -أي في السبعينيات من القرن الماضي - حاولت مصر تنفيذ أول تطبيق نوعي في استراتيجيتها المائية مع السودان التي نجح الرئيس عبدالناصر في تحقيق منسوب استراتيجي مهم في الجانب المائي من نظرية الأمن القومي المصري ـ السوداني بشكل جعل الأمن القومي للبلدين ذا خاصية تبادلية بتوقيع اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل في 8 نوفمبر 1959 وكان هذا التطبيق هو حفر قناة جونجلي للانتفاع من فاقد مياه النيل الذي ينساح لسهول ومستنقعات جنوب السودان ويبلغ هذا الفاقد 42 مليار متر مكعب من مجمل وارد النيل للبلدين اللذين يمكنهما بمشاريع الاستفادة من الفواقد الانتفاع بأكثر من 21 مليار متر مكعب من مياه تفقد في مناطق بحر الجبل «12 مليار م مكعب» والسوباط «4 مليارات م مكعب» وبحر الغزال «6 مليارات متر مكعب» والباقي من مناطق أخري بالجنوب.
■ وماذا حدث لقناة جونجلي بعد ذلك؟
ـ قام المتمردون بتدمير الحفار بموقع القناة وهو أحد حفارين عملاقين وحيدين في العالم وهما صناعة ألمانية واستخدمت حكومتا مصر والسودان أحدهما لتنفيذ حفر قناة جونجلي وبتدميره «وكان متبقيا علي اتمام الحفر 70كم» انتهي هذا المشروع الذي كان له فائدة «مصر والسودان» واحتج زعيم التمرد جارانج وقتها علي تنفيذ مشروع جونجلي لتعارضه مع التوازن البيئي في جنوب السودان «له رسالة دكتوراه عن قناة جونجلي أكد فيها معارضته» ولكن بعد قيام ثورة الانقاذ في السودان في 30 يونيو 1989 ناصبها نظام «الرئيس المخلوع العداء» باعتبارها نادت بتطبيق المشروع الإسلامي في السودان الأمر الذي كان متفقا تماما مع الولايات المتحدة وحلفائها والتمرد الجنوبي الذي لم يكن ليرضي بأي تطبيق إسلامي لنظم الحكم وبالتالي تجمدت أو كادت العلاقات السودانية ــ  المصرية ومن بين خسائرنا وهي عديدة جراء مرحلة تجمد العلاقات مع السودان 1991 ـ 2000 وهي علاقات قائمة علي أساس شراكة مصير أي استراتيجية توقفت أعمال اللجنة الفنية الدائمة لمياه النيل في الوقت الذي تدعمت فيه علاقات اثيوبيا بالسودان بل إن اللجنة الدائمة لمياه النيل بين أثيوبيا والسودان واصلت انعقادها وتدعمت العلاقات في مجالات أخري كاستخدام اثيوبيا لميناء بورسودان بدلا من موانئ إريتريا وتخصيص حصة من مصفاة تكرير البترول بالجيلي ذلك أن ضفيرة علاقات السودان باثيوبيا قوية ومتنامية متشعبة أكثر من تلك التي بين مصر واثيوبيا.
■ هل إثيوبيا بحاجة ماسة لهذا السد؟
اثيوبيا تفكر منذ زمن في مشروع مائي ضخم يجعلها تتجاوز النطاق الزراعي المطري التقليدي بالجانب الشرقي من الحبشة بحيث يمكنها هذا المشروع من الاستفادة من النطاق النيلي بإنشاء سد للري ولتوليد الطاقة، لكن الأثر السلبي علي مصر أكبر من الذي علي السودان لأن السودان زراعتها مطرية ونيلية.
■ لماذا لم يوضح وزراء الري المتعاقبون خطورة هذا السد برأيك؟
ـ باختصار شديد وزراء الري في عهد المخلوع حرصوا علي عدم بيان خطورة استراتيجية إثيوبيا النيلية لأنهم لو كشفوا ذلك فسيعني ذلك أن نظام المخلوع لابد من أن يكون لديه رد فعل تجاه هذه المخاطر وهو نظام كما معروف عنه خاصة من أعدائنا أنه «نظام كسيح جبان» لا يفضل أي مواجهة علي أي مستوي، ولذلك كان الوزراء والمستوي التنفيذي التالي لهم ــ يميلون لتسكين الأمور والتقليل من مخاطر أي سياسة إثيوبية لدرجة أنني عندما كنت أخدم في الخرطوم بين عام 1991 حتي 1993 كان دبلوماسيون صينيون وأمريكان يطلبون لقائي للاستفسار عن موقف مصر من أي تحرك لدولهم مع إثيوبيا في مشاريع السدود وكنت أوضح لهم تحفظاتنا وهي معروفة وكانوا ينقلونها طبعاً بالإضافة إلي تقديراتهم هم وكانت دولهم تحجم عن التمادي في التحرك الإيجابي وقتها مع أثيوبيا لكن عندما خدمت للمرتين الثانية والثالثة في الخرطوم بين 1996 حتي 2001 لاحظت إحجام الدبلوماسيين الأمريكان والأوروبيين والصينيين الذين يطلبون الالتقاء بي عن تناول أي شأن يتعلق بالنيل بل كانت اللقاءات تتناول أموراً أخري ليس من بينها مشاريع إثيوبيا المائية ونقلت هذه الملاحظة في تقارير لي (نظام المخلوع لا يعترف للخارجية بأي دور حقيقي بالسودان ولا إثيوبيا وفي ملفات عديدة أخري) المهم أن مصر في عهد المخلوع مبارك كانت في سياستها النيلية تتجنب أي مواجهة أو تصعيد.
■ وما توقعاتك لرد الفعل المصري؟
ــ  بالنسبة لتصرف مصر فالأمل ضئيل في تصرف حاسم لائق بكرامة مصر فالنظام «السفيه السابق» ترك أكبر شرخ في نظرية الأمن القومي ولم تتصد له وزارة الخارجية التي كانت مثل الري مهادنة وتميل لتطبيق سياسة عدم فتح أبواب للمواجهة وجانحة لتليين المواقف والرضي بما تقوله إثيوبيا لتخديرنا فكل مؤسسات الدولة المصرية كانت تعي المطلوب منها من قبل نظام جبان لا أنياب له إلا علي شعبه.
■ وما الحل إذن؟
ــ التصرف الوحيد المتاح لمصر في الاتجاه بأي ثمن نحو الاستقرار وهناك أوراق ثانوية قد تحقق فائدة مرحلية منها إحياء عملية إقامة الهيئة المشتركة لخزان الحجر النوبي والتي أشار لها إعلان طبرق 1989 باعتبارها خزاناً مائياً عملاقاً في صحرائنا الغربية وتضم هذه الهيئة مصر والسودان وليبيا وتشاد.