الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحلام الفترة الانتقالية




فى مجموعته أو كما يحب أن يسميها هو «متتالية قصصية» يخوض محمود عبد الوهاب تجربة جديدة عليه ونادرة الوجود فى الأدب المصرى على الأقل وهى تجربة كتابة الأحلام.وتقدم الكاتبة سوسن بشير قراءة نقدية لهذه المجموعة فتقول:
 
قبل أن تشرع فى قراءة صفحات الكتاب سيفاجئك الإهداء «إلى نجيب محفوظ» إذن فهو يعلم من أين أتى ذلك الزخم والتكثيف فى الوقت ذاته، زخم الرؤى ثم تكثيف العبارة، فى هذا الكتاب المقسم إلى خمسة فصول يتناول عبد الوهاب تجربة كتابة الحلم مستلهما ألغاز نجيب محفوظ فى كتابه الأشهر «أحلام فترة النقاهة» لكنه يعتمد فى نفس الوقت رؤاه الخاصة ولغته التى اعتاد أن يستخدمها فى مجموعتيه السابقتين «علىقيد الحياة 2011 وكل شىء محتمل فى المساء 2008».
 
تلك اللغة البسيطة السهلة المبنية على شىء واحد فى الأساس: دقة الوصف، لكن مع تطعيمها فى هذا الكتاب «أحلام الفترة الانتقالية» بشىء ملحوظ من المجاز المناسب لجو الحلم؟
 
فى الفصل الأول وهو الفصل الأكبر من فصول الكتاب ويحمل اسم «الفترة الانتقالية» يعرض عبدالوهاب لمشاهد حياتية فى شوارع وسط البلد على وجه خاص، تلك الشوارع التى حفلت بأحداث الثورة والمظاهرات ثم الفوضى والاضطراب التاليين على ذلك فى شهور لاحقة، كما يظهر أيضا الحيرة والاضطراب ويشعر بهما المواطن العادى الذى شارك فى الثورة، من هذه الأحلام «حذاء المظاهرات» والذى يلعب –أى الحذاء- دور المعوق لإمكانية مشاركة ذلك المواطن فى المظاهرات، فقد قالوا له بأن يرتدى حذاء المظاهرات كى يستطيع أن يشارك، ثم فقد حقيبته التى بها الحذاء، ولذلك نصحه الناس بألا يذهب، وفى النهاية لم يحسم لأمره ولم يرتكن كلية إلى تلك الدعاوى بدليل إنه يتساءل فى نهاية الحلم «ومنذ متى كان للمظاهرات حذاء خاص؟»
وفى حلمه «الجالسون فى ضوء القمر» يحكى ما رآه من خراب فى الشارع ذات مساء، ذلك الخراب الذى طال قهوة الحرية فاحترقت بكاملها، وعندما ذهب حزينا وجلس فى المقهى المجاور إذ بصديقه يعيد إليه الأمل بقوله إن الناس مازالوا جالسين بالداخل، وإن كل ما تستلزمه رؤيتهم هو تدقيق النظر، وفعلا يذهب إلى القهوة فيجد الناس جالسين على الرغم من احتراق القهوة.
 
أما فى حلمه «خطة الابتسام» فيحكى لنا كيف تغير شكل الميدان وكيف وقع ضحية عمل منظم فى الميدان لسرقة حذائه، ثم يعرض عليه أحدهم «قبقابا» ليلبسه بدل الحذاء، لا تخفى هنا الدلالة، ولكنه يحاول الانتصار والمقاومة فيضرب رجل الأمن الذى يغلب الظن عليه بأن يتستر على من سرق، يضربه بالكرسى فيقع وتخر الدماء منه وتنكسر واجهة المحل الزجاجية ليدخل الفقراء والجوعى يأخذون البضائع، ولكنه فى خضم انتصاره الجزئى يكتشف فقدانه لسيارته التى ركنها فى شارع جانبى نسيه بعد ذلك، إنها خطة ابتسام الأعداء الذين يتمتعون بالدهاء ولا تكفى الشجاعة –أبدا- للقضاء عليهم.
 
وفى حلمه الأخير فى ذلك الفصل الأول تحت اسم «الموجة الثانية» يحكى عن تغير جو العمل فبدلا من المكاتب أخذوا يضعون أسرة للنوم عليها، وعندما ذهب إلى البيت اكتشف أيضا تغيرا من نوع آخر، فقد أصبح البيت عوامة متهدمة من عوامات النيل القديمة، فنزل إلى الشاطئ الضحل ليستطلع واقعه الجديد، وهناك رأى ثعبانين يحاولان افتراسه فضربهما بعصا خشبية «المقاومة» ثم عاد إلى البيت فرأى المطربة المشهورة تنزل إلى النهر متهادية وهى تغنى: «ماشربتش من نيلها» وكان الضجر واليأس قد استبدا بقلبه فصاح فيها يائسا: «أدينى سايبهولك اشربيه كله لوحدك» ووقف من بعيد يراقبها فوجد الثعبانين قد عاداإليها وهى غافلة، وعند ذلك جرى إليها لينقذها، أى أن الحماس وروح الثورة قد ارتدت إليه فى «الموجة الثانية للثورة» بعدما كان اليأس قد نال منه كمواطن مصرى ثائر.
 
أما الفصول الأخرى فقد تنوعت ما بين الأصدقاء، الزملاء، النساء وأخيرا العائلة، وهنا تتوارى فكرة الثورة والفترة الانتقالية ليحل محلها تفاصيل أكثر خصوصية وانسانية، ففى الأصدقاء يحلم الراوى بصديقه المتوفى فى ثلاثة أحلام متوالية، من أبرزها حلم «الشقة» وهى شقة صديقه التى خلت، وصعد إليها الراوى لكنه لم يستطع النزول لتغيير شكل السلم والواجهة، ورأى أن أفضل شىء أن يحتمى بالشقة، خاصة أنه اشتم بالشقة رائحة طعام، والطعام كناية عن دفء البيوت، وهو من شوقه لصديقه كأنما يريد أن يذهب إليه
وفى فصل الزملاء يتعرض لمضايقات فى العمل فى حلم «الانتقام»، ويحلم بأنه عاد إلى الإدارة التى ابتعد عنها قسرا، فبدأ فى توضيب المكتب وإزاحةالتراب وأمضى اليوم فى ذلك على أن يبدأ العمل فى اليوم التالى، وعندما ذهب فى الصباح وجد المدير القديم قد عاد مجددا ووجد كل الفوضى التى أصلحها بالأمس قد رجعت إلى ماكانت عليه، وعند ذلك نظر إلى المدير متعجبا فقال له: «هذا ما حلمت به أنت.
 
أما فى فصل العائلة فهو أكثر فصول الكتاب رومانسية وشفافية واستخلاصا لحكمة العمر والحياة، فالكاتب يرى أباه فى سن الخمسين ويرى نفسه فى نفس هذا السن مع ما يمكن أن ينتج من أثر لهذا التجاور العمرى مع اختلاف المرتبة، ويرى أقرباؤه الذين ماتوا وقد عادوا إلى الحياة وهو يعتنى بهم، ويرى خالته فى لحظة موتها وقد انزلقت الملائكة إليها على حبل من الحرير أبيض، وكأنها زفة لفرح ليس فيها من وجل الموت شىء.