الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

البطران: حرّية القراءة أمر سماوى قيده الفقهاء والمتفلسفون




الروائى حمدى البطران ... واحد من الروائيين الذى كتبوا بتفرد عن القرية المصرية ... عاش حياتها وثقافتها ومعاناتها ... عمله كضابط بوليس أضاف له بعدا آخر ساعده على التعامل مع نفسيات عديدة مختلفة من أفراد الشرطة كان منهم الشرير والطيب والخبيث، يرفض تحميلهم مسئولية زرع الفكر المتشدد، ويراه مسئولية مجتمع لم تفلح قيمه ومبادئه فى تهذيب عقول أبنائه، تحدث فى هذا الحوار عن الثورة وحرية الثقافة وسبب الانفلات الأمنى مقدما نصائحه للقضاء عليه...
 
■ صدر لك مؤخر الطبعة الثالثة لرواية «يوميات ضابط فى الأرياف» .. كيف شكلت القرية وعيك وحفزتك على الكتابة؟
 
- تشكل الوعى فى مراحل النشأة الأولى فى الصعيد ما بين المدينة والقرية، حيث الفقر، والمرض، التهميش، والجهل، والإهمال، وإهدار كرامة الإنسان، والحرالشديد والبرد القارس، والبلهارسيا والإنكلستوما والإسكارس، وتليف الكبد. والظلم المقنن من جانب قوى عديدة فى القرى والمدن، أهمها تلك الآلة الجهنمية، التى كانت تسمى أجهزة الأمن، والتى استمرت عبر تاريخ طويل امتد مع المراحل الأولى لتشكيل الحكومات فى مصر، وهناك فئات أخرى شاركت فى ظلم المواطن المصرى فى القرى وهى العائلات القوية، وكبار الرأسماليين، أو ما كان يعرف بالإقطاع، وهو نوع من الظلملم تسمع عنه الأجيال الجديدة، ولكننا عاصرناه بكل قسوته وجبروته، وأنقذتنا ثورة يوليو 1952من هذا النوع من الظلم، ولكنها أبقت على الأنواع الأخري.
 
كل هذا تبلور عن نوع غريب من الظلم، لم يكن الأهالى لفرط انغماسهم فيه، يشعرون أنه ظلم، وإنما كانوا يعتبرونه من الواجبات المفروضة عليهم تجاه الحكومة ورجال السلطة، ولم يعتقدوا أن بإمكانهم أن يثوروا عليه، واستكانوا تحت الظلم، وترسب الأسى والخوف والشجن فوق قلوبهم طبقة فوق طبقة. 
 
■ ما الفرق بين القرية فى كتابات البساطى وخيرى شلبى وسعيد الكفراوي، وعالم القرية عند حمدى البطران؟
 
- كل كاتب من هؤلاء الكتاب العظام عالج القرية بمفهومه الخاص، ووعيه الخاص، وخرجت كتاباتهم معبرة عن الجوانب التى تناولونها بعبقرية متناهية، يندر أن يجاريهم فيها أحد. أنا تناولت القرية والمدينة فى الأرياف من زاوية أمنية بحتية، وكيفية تعامل الأمن مع المواطنين، وهو ما شكّل نوعاً من الصدمة لجبروت قادة الأمن فى ذلك الوقت، فقد كانت الداخلية فى أوج مجدها وتألقها وقوتها، فمن ذا الذى يجرؤ على انتقادها؟ ولم يكن يتوقع أن ينتقدها واحد منها.
 
- مشكلتى أننى رأيت كل شيء بعيني، وسجلته ذاكرتي، وقررت أن أكتب، لأننى ما لم أكتب، فلن يعرف أحد عن تلك الآلة الجهنمية شيء، كان كل شيء يحدث فى الظلام، ولا يجرؤ أحد على الحديث، كان قرار الكتابة باهظا، لأن رد الفعل كان عنيفا وقويا فى آن واحد.
 
■ عناوين رواياتك تتناص مع كتاب آخرين مثل «خريف الجنرال» التى تتناص مع «خريف البطريرك» لماركيز، و«يوميات ضابط فى الأرياف» التى تتناص مع «يوميات نائب فى الأرياف» لتوفيق الحكيم.. لماذا؟
 
- مقارنتى بماركيز وتوفيق الحكيم، قد لا تكون مناسبة، والأمر ليس بهذه الصورة، إنها فقط محاولة لاختيار عنوان متفرد يعبر بذاته عن حالة يتناولها العمل الإبداعي، فإذا كان توفيق الحكيم قد كتب يوميات نائب فى الأرياف، فأنا كتبت يوميات ضابط، وهناك فرق، لأن توفيق الحكيم كان وكيلا للنيابة عام 1937، أما «خريف الجنرال» فهى قصة لواء هجرته السلطة فى خريف عمره، فبعد أن كان يملأ أعين كل معارفه وجيرانه ومحبيه وجيرانه وبلدياته، أصبح لا يملأ عين جرو صغير، فكان علىَّ أكتب ساخرا من كل أشكال السلطة وتوابعها، والغريب أنه بعد صدور روايتى ظهرت عناوين أخرى لأعمال أدبية منها «يوميات مدرس فى الأرياف»، و«يوميات طبيب فى الأرياف».
 
■ شخصية ضابط البوليس حاضرة بقوة فى أعمالك بحكم مهنتك كضابط سابق.. برأيك هل النظام المصرى عاش نظام «الدولة الأمنية»؟
 
- ضباط البوليس منهم الشرير والطيب والخبيث، هى الشخصية الأقرب الى استيعابى وفهمي، لأننى عايشتها فى كل حالاتها، حالات الضعف وحالات التجبر، والطغيان، وهى شخصية ثرية متعددة الجوانب، تسمح لقلم الكاتب بحرية الحركة فى جوانبها المتعددة.
 
■ برأيك.. هل نشأة الأنساق الدينية الإسلامية المناهضة للديمقراطية والعقلانية إفراز لهذا النظام الأمني؟
 
- لا علاقة للأمن بالفكرة التى شكلها بعض المتدينين والسلفيين عن الديمقراطية، هم أصحاب مبدأ لا خروج على الحاكم حتى ولو ظلم، وأعط مال قيصر لقيصر، لأن الديمقراطية مهما أنكرنا، هى اختراع غربى المنشأ، وهم يكرهون الغرب، ولكنهم يستخدمون إنتاجه الإنسانى بإفراط وكثافة، ثم يغسلون أيديهم ويلعنون الغرب. وفى أيام عبد الناصر كان المشايخ يرددون أن الإسلام هو من أوجد الاشتراكية، وللأسف ظهرت وقتها مؤلفات كثيرة لمشايخ عظام إدعوا فيها أن الاشتراكية نظام إسلامي، وأن سيدنا أبو ذر الغفارى هو أول اشتراكى فى الإسلام!.
 
وبعد أن مات عبد الناصر توقف إنتاج تلك الأنواع من الكتب، وتوقف المشايخ عن ترديد تلك المقولة لسبب واحد، هو أن الرئيس السادات كفر بالاشتراكية، وأعتبرها عدوه الأول، والاشتراكيين أعداءه، ثم ألقى بذرة التطرف فأنتجت لنا نباتا شيطانيًا متعدد الأفرع، كلما قطعنا له جذراً أو ساقاً، نبتت له مئات الأفرع والسيقان، فقتلوا الرجل الذى ألقى بذرتهم فى الأرض المصرية، ثم ترحموا عليه بعد التوبة، ثم عادوا وقالوا إنهم مصرون على موقفهم من قتل الرئيس السادات.
 
ومهما كان ظلم رجال الأمن، فإننى لا أستطيع أن أضيف الى أوزارهم ذنبا جديدا عن مسئوليتهم عن هذا التطرف والتعصب. إنها مسئولية مجتمع لم تفلح قيمه ومبادئه فى تهذيب عقول أبنائه. 
 
■ ما العلاقة بين ذاكرتك وكتاباتك؟
 
- الذاكرة هى المنبع الرئيس للكتابة، وما لم يتمتع الكاتب بذاكرة قوية، تختزن من مراحل العمر، فلن يجد ما يكتبه، ذاكرتى تحتوى على كل ما هو متشابه ومتناقض، وتحتوى على مخزون لا ينضب من التجارب والمعاملات والقراءات والمعارف والعلاقات، نسيج غريب من الثقافة. وقد ساعدتنى ذاكرتى القوية كثيرا فى كتابة العديد من كتبى الروائية والقصصية، فهى ترشح شيئا فشيئا حتى تمتلئ صفحاتي.
 
■ كيف ترى مستقبل حرية الإبداع فى ظل الإسلام السياسي؟
 
- الحقيقة أن الإسلام لم يضع قيوداً على المعرفة أو الإبداع، وأمر القراءة فيه بلا حدود أو قيود، وهو صريح لا جدال فيه، والقلم إشارة الى الكتابة، والعلم هنا بلا حدود. هذا هو جوهر التفكير الإسلامى الحر، أما القيود فقد وضعها المجتهدون والفقهاء والمتفلسفون، وهم من تدخلوا فى كل كبيرة وصغيرة من شئون الدين والحياة،، وتسللوا فى حياتنا وتحت جلودنا باسم الدين.
 
■ بصفتك رجل أمن ... هل لديك اقتراح جذرى لمشكلة الانفلات الأمني؟
 
- الانفلات الأمنى ظاهرة جديدة، ظهرت بعد ثورة 2011، فى ظل الحريات المطلقة التى منحها الناس لأنفسهم، والغريب أننى اكتشفت أنه كانت هناك خطة لضرب مصر كلها، الأمن والقوات المسلحة والقضاء، وهى خطة ممنهجة، تم تدريب بعض من الثوار عليها فى أمريكا وإسبانيا وجورجيا، وتم تطبيقها بالفعل، ونجحت الخطة نجاحا باهرا مع الأمن فى أول الأمر، ثم حاولوا اقتحام وزارة الدفاع، وفشلوا، وها هم يمارسون نفس الأمر مع القضاء، إذن فهى مؤامرة.
 
ولا يوجد حل لمشكلة الانفلات الأمنى إلا بتوافر إرادة سياسية لذلك، إرادة تتبنها الدولة بمختلف مؤسساتها. وطالما أن جهاز الشرطة المترهل بأفراده وضباطه عاجزون عن ضبط الأمن، فإننا نبحث عن ضابطلهذا الخلل فى أخلاقنا، فى ظل قوانين تغلظ عقوبات الجرائم الجديدة، التى بدأت تطل على مجتمعنا، الذى كان مسالما طول حياته وتاريخه. لأجل هذا تحتاج مشكلة الانفلات الأمنى إلى تضافر جهود عدة جهات ومؤسسات، لتعمل معا بصورة جماعية من أجل تلك المشكلة وحلها، والجهات هي:
 
- القيادة السياسية، يجب أن تشعر بخطورة الجرائم الجديدة التى ظهرت خلال السنتين الماضيتين، خطف مقابل فدية، قطع الطرق، بلطجة، سلاح، عصابات منظمة.
 
- المجالس التشريعية، من أجل إصدار قوانين تواجه تلك الحالات بعقوبات رادعة.
 
- وزارة الداخلية، وقبل أن نطلب منها التحرك يجب أن يكفل المجتمع لرجالها نوع من الحماية، فلى ظل الحريات الجديدة ومنها حرية التعدى على رجال الشرطة، والحماية هنا أنواع، حماية من تغول الجهات الأخرى، الجهات القضائية، كبار الشخصيات، كبار رجال المال. الحصانات المختلفة فى البلاد والتى يتمتع بها أصحابها فى مواجهة رجال الشرطة. وحمايتهم من الفقر.
 
- وزارت الشباب والثقافة والحكم المحلى، كل فيما يخصه.