الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الروائى هشام علوان: الرواية «غواية جميلة» والشعر «كائن قمـّاص»




 
حين تقرأ نصاً للكاتب الروائى هشام علوان، سوف تجتذبك لغته البسيطة  والسهلة، والخادعة أيضاً، إنه مكر جميل، حين يجذبك فلا يتركك حتى تُنهى كتابه، فتعرف بعدها أن تلك السلاسة، هى فخ نبيل، ومُحْكم لا فكاك منه، وقعت فيه بمحبة  ومتعة..تبدو أفكار رواياته خرافية أسطورية، كما بدا جليّاً فى روايته: (واحة الخصيان \ المواوية)، حيث قدم لنا هشام واحة فى قلب الصحراء، بأنساقها الاجتماعية، والثقافية، بكل عاداتها وتقاليدها، وبشرها، فى أجواء مثيرة، تنتهى بواقع كابوسي، ثم يأخذنا إلى روايته الثانية (تحوّل الكائنات)، مع شخصيات غريبة، وحقيقية كالدرويش (فستك حاحا)،  و(همبكة)، و(فاتح سدره)، و(بالصلاة على النبي)، فى إجادة تامة وبارعة لتوظيف الفولكلور الشعبي، دون أن يكون عبئاً على النص وانسياب الأحداث، فلا تشعر بتعمد وجودها، وتفتقدها لومُحيت من سرده الآسر.. وفى روايته الأخيرة (دفاتر قديمة) يحكى هشام علوان بسخرية لاذعة، عن إدارة سرية فى جهاز أمني، يراقب المجانين، ويرصدهم فى الطرقات، ويحاول معرفة إذا ما كانوا بالفعل مجانين أم يدّعون ذلك! إنها روح المغامرة فى الكتابة، ومحاولة مضنية للبحث عن أفكار جديدة، وطروحات مختلفة، سألناه:
 
 
■ الكتابة بشكل عام ماذا تمثل لك؟
- سؤالك صعب جداً، سأجيبُ دون تلبّس رداء الفلاسفة، أو المتثاقفين، أرى الكتابة سراب المبدع، يتجسّد حروفاً وكلماتٍ على الورق، شيء يشبه اليقين، حين يعتريك الشك، فتبدد هواجسك، هى نوع من التطهر أو الاعتراف عما بداخلك، وبوح بما يدور فى خاطرك، ولا تستطيع قوله شفاهة، إلا فى كلام مكتوب.
■ ولماذا تكتب؟
- لأننى لا أستطيع التوقف، حاولتُ مراراً، دون جدوى، وتمنيتُ لو كنتُ قارئاً فحسب، وأتملّصُ من الكتابة -حين تهاجمنى بضراوة أسرابها-، كطفل عنيد، لكنها سر يشبه المسَّ، يضنيك، لكنك تفعله بمحبة وشغف.
■ بدأت بالشعر ثم تركته .. لماذا؟
- لم أترك الشعر، هو الذى تركني، الشعر كائن (قَمّاص)، وأنانى جداً، لا يحب الشريك، لذا هجرني، وأحياناً يأتيني، كومضات خاطفة، أو قُلْ (جبران خواطر).
■ وماذا عن الرواية؟
- الرواية فتنة كبرى، تماماً كالغولات فى حكايات الجدات الأسطورية، تأخذك ولا تُرجعك، هى غى كبير، وسحر مستطير، من ذاقها عرف لذتها، وجذبته حتى يصبح مريداً فى محرابها، فالرواية غواية جميلة.
■ كتبت روايتك الأولى (واحة الخصيان) عام 1996،  وتنبأت فيها بمصير يشبه ما نحن فيه الآن، هل كان حدساً أم نبوءة؟
- الكاتب ليس نبياً ولا ساحراً، فالكُتّاب الحقيقيون كالخيول، يشعرون بالزلازل قبل وقوعها، وربما معطيات الواقع، تؤدى بالاستنتاج للحاصل الآن، فقد أنهيت الرواية باحتلال القبائل البربرية لواحة سيدى خليل،  وقاموا بإخصاء كل ذكور الواحة.
■ هل كنت متشائماً حتى تجعل قبائل الواحة (الثلاث وعشرين قبيلة) ينقرضون؟!
- نهائياً .. كنت أبحث عن جيل جديد، بأحلام مختلفة ومغايرة، متمثل فى شخصية (نور)، التى خرجت للصحراء، فى اختبار القبيلة للفروسية، قبل وقوع الغزو، وأنهيتها بحلم القبائل بعودته لينكح كل نساء الواحة، كى يأتى بنسلٍ جديد.
■ نشرت نفس الرواية مرة أخرى بعنوان (المواوية)؟
- كان العنوان صادماً، فنشرتها فى طبعة ثانية بعنوان كبير (المواوية)، وآخر صغير بعنوان (واحة الخصيان).
■ كتبت رواية فى جزءيْن، بعنوان (تحوّل الكائنات)، ونالت استحساناً من القراء والنقّاد .. فأيهما تفضل؟!
- كتب عنها الناقد الكبير إبراهيم فتحى صفحة كاملة بجريدة القاهرة، ولم أكن أعرفه شخصياً، وكذلك د. رمضان بسطاويسي، ود. مجدى توفيق،  ومحمد عبد الحافظ، والبهاء حسين وغيرهم ..  وكلمنى الرائع صبرى موسى لمدة نصف ساعة على الهاتف مُشيداً بها، لكن لحظة سعادتى القصوى حين كنتُ أناقشها فى معرض الكتاب، وجاءنى شاب لا أعرفه  وصافحنى بحرارة، وأخبرنى أنه من «قوص» بصعيد مصر،  وأن الرواية أعجبته، ولما قرأ خبراً عن مناقشتها، أتى ليشكرنى عليها، وشدّ على يدي، وحين سألته: هل تكتب؟ قال: لا .. أنا قارئ فقط!
■ لذلك تمنيتَ أن تكون قارئاً فقط؟
- وهل توجد متعة، أروع من ذلك.
■ وماذا عن روايتك الأخيرة (دفاتر قديمة)، التى صدرت آواخر 2012 عن الدار المصرية اللبنانية؟
- أصعب شيء، أن تتكلم عن عمل كتبته، لكننى سأحاول أن أجتهد، فى تلك الرواية (دفاتر قديمة)، طرحتُ سؤالاً ساخراً من أجهزة القمع الأمنية، وهو:
 هل المجانين الذين نراهم فى الشوارع والطرقات، هم مجانين بالفعل، أم يدّعون ذلك؟!، وبنيت السرد على أن هناك بالفعل إدارة سرية فى جهاز سيادى على أعلى مستوى، وظيفتها تعقب المجانين، وكتابة التقارير عنهم، وفك شفرات حركاتهم (الخطيرة)، وكلماتهم (المُشَفّرة)، وهل يخططون لعملٍ ثوري؟!
■ هل هناك امتداد لـ (تحوّل الكائنات) فى (دفاتر قديمة)؟
- أنهيت رواية (تحوّل الكائنات) بمجنون يقف لينظم المرور فى ميدان العباسية، وفى (دفاتر قديمة)، وضح كيف تحوّل (شهاب) بطل الرواية لمجنون، نتيجة التعذيب فى معتقلات النظام السابق، وشكهم فى جنونه،  ومراقبته حتى فى مستشفى المجانين، وداخل النص توجد حوالى أربعين شخصية مختلفة ومتباينة، عن بقية الشخوص فى (تحوّل الكائنات) ولها سماتها الخاصة المميزة لها، فكأنها تتمة لها، فى سياق سردى آخر مختلف.
■ لذلك جاء السرد على لسان الضابط المُراقب لـ (شهاب)؟
- جاء السرد من خلال تقارير أمنية، يرفعها الرائد أكثم لمرؤسيه عن شهاب، حيث وقع فى يديه مذكرات شهاب، ومخطوطاته، فأخذ الضابط يحكيها، ويحاول أن يعرف عن شهاب، ما يود من معلومات تفيده فى إتمام قضيته.
■ وهل كما قال الناقد جورج جحا عنها: قام المجانين بالثورة؟
- فوجئت بكتابته دراسة عنها، نشرت على وكالة (رويترز)، سعدت بذلك، لأننى لم ألتق حتى اللحظة بذلك الناقد الكبير، وكتب عنها أيضاً الشاعر  والناقد د. عبد الناصر عيسوى مقالاً بمجلة «الإذاعة والتليفزيون»،  وفرحتُ بذلك أيضاً.
■ لكنك لم تجبنى عن سؤالى ... هل قام المجانين بالثورة؟!
- نظرة النظام السابق لنا هو وأجهزته القمعية، كانت دونية، كنا كحدبة تؤلم ظهورهم، لم يرونا جيداً، واعتقدوا أن شعبنا المجيد، مجموعة من البهاليل أو المجاذيب، ومازلوا مصدومين حتى الآن، كيف لهؤلاء السُذج أن يقهروا أجهزة تملك كل وسائل التنصت والبطش ...  وقامت الثورة.
■ حدثنا عن كتاباتك للطفل؟
- إنها متعتى الأسيرة، لأنها تبهج الطفل الساكن بداخلي، بدأت منذ سنوات طويلة، حين كان محمد ابنى طفلاً صغيراً، واكتشف ظله، ودهشته الكبرى لهذا الاكتشاف، وفرحه بهذا الكائن الذى يقلده فى حركاته  وسكناته، فألهمنى برواية للأطفال بعنوان: (خيال ظل المهرج)، وكل يوم يحكى لى أطفالى قصة قبل النوم، هم يؤلفونها كى أنام عليها، وأتفاجأ من روعة خيالهم، وقدرتهم على إمتاعى بحكاياتهم المرتجلة يومياً.
■ وماذا ستفعل حين يكبرون؟
- لا أعرف، سأتدبر أمرى .. لكننى أخشى ألا أنام.
■ ما هاجسك الآن؟
- مستقبل مصر بعد.
■هل أنت خائف؟
- قلق جداً.
■ مم؟
- ما يحدث غير مطمئن بالمرة!
■ كيف تتخيل القادم؟
- لست قارئ كف أو ضارب ودع، ولكن المقدمات السيئة تأتى غالباً بالنتائج الأسوأ.
■ نترك السياسة، ونتكلم عن الجوائز؟
- الجوائز مهمة جدا للمبدع مادياً ومعنوياً.
■ ماذا تكتب الآن؟
- بدأتُ منذ سنوات فى كتابة رواية، ونشرت بعضاً من فصولها، لكنها مراوغة جداً، ومشاكسة أيضاً.
■ وماذا تفعل فى تلك الحالات؟
- ولا شيء .. أطنشها، وسوف تأتى وحدها.