الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

88 عاماً من معارك تنير العقول




في 25 أكتوبر من هذا العام تحل الذكري الـ88 لميلاد «روزاليوسف» المؤسسة الصحفية العريقة الضاربة بجذورها في عمق الصحافة المصرية، تلك المدرسة ذات الخلطة السحرية الجذابة الخلابة في شخصيتها وأسلوبها علي مدار تاريخ،  تصدت فيه بمطبوعتها  لأعقد المشاكل والمواقف، تعيش هموم هذا الوطن، تشحذ الفكر وتنير العقول وتخلق حالة من الحوار الموضوعي البناء،كانت منبرا للجميع دون تمييز أو اقصاء، فكان يكتب في «روزاليوسف» الاسلامي واليساري والماركسي والحكومي والمعارض يواجهون الحجة بالحجة والرأي بالرأي يحاصرون اصوات التطرف بالفكر.
 
 هذا الدور الوطني في التصدي لهموم المواطن والوطن والأمة العربية حملته  «روزاليوسف» المجلة التي ولدت في اكتوبر 1925 والجريدة اليومية التي نبتت أوراقها في شجرة الصحافة المصرية 25 مارس 1935 وصباح الخير صاحبة شعار «القلوب الشابة والعقول المتحررة» التي انضمت لكتيبة روز اليوسف 1956، للغوص في عمق قضايا المجتمع وطرح الرؤي والحلول ومواجهة الفساد، ويكفي «روزاليوسف» فخرا تحقيق الأسلحة الفاسدة الذي فجره الاستاذ الكبير إحسان عبدالقدوس عقب نكسة 1948 والذي كان من اسباب التحفيز علي ثورة 1952، وغيرها من الحملات ضد الفساد ورموزه.
في وقت تحاصر فيه الأزمات، أبناء «روزاليوسف» عمالها المهرة خبراء فنون الطباعة الذين «تلف أيديهم في حرير» كما يقال للصناع بارعي الدقة، وإداريون يقاتلون من أجل عبور الأزمات المالية المتوالية، وصحفيون يعزفون بالكلمات فيمتعون ويطربون القراء بقدر ما يشحذون هممهم وينيرون عقولهم ويهزون عروش الفساد وينتقدون المشكلات نقدا بناء يستهدف طرح الحلول، في هذه الأيام من تاريخ سنوات ممتدة، كان لا بد من التذكير بتاريخ «روزاليوسف» ليفخر الأبناء، ويقاوموا اليأس بالأمل في مستقبل أفضل، يتخذون من التاريخ ذخيرة الخبرة وزاد المستقبل، كان لابد من إعادة رسم خطوط علي أرض «روزاليوسف» التي تحولت لمؤسسة ضخمة تضم 1200 عامل موزعين بين فنيين وهم الأغلبية التي تدير المطابع والخدمات المعاونة والاداريين والصحفيين، ليتحسسوا الطريق انطلاقا من ثوابت الأجداد المؤسسين، ليدركوا ويدرك قارئنا من نحن، وما هي حقيقة ثوابتنا وأعمدة مدرسة «روزاليوسف» التي ينبغي أن تكون عليها حتي لا يصدر حكم قاصر بمعايير أزمة وقتية طالت أو قصرت، فتعالوا معنا نبحر في بدايات «روزاليوسف» وثوابتها.
«أعتقد أن كل عمل مجيد يكون في أوله نزوة طارئة ثم يستحيل إلي فكرة فإذا رسخت أصبحت يقينًا فجنونًا»، بهذه الكلمات غرست فاطمة اليوسف شجرة الحرية ومواجهة الرأي بالرأي الآخر والحجة بالحجة، لم تحجب «روزاليوسف» رأيًا وجهه لها النقد في يوم ميلادها، قدمت رأي منتقديها علي ردها، فأسست لمدرسة الرأي والمهنية، التي تحولت بسرعة مذهلة من طفل وليد يحبو في عالم الصحافة المصرية، إلي مؤسسة شابة فتية تصارع ضد الفساد، وتوجه له اللكمة تلو الأخري، تنير العقول بالرأي والرأي الآخر، مفرخة للكفاءات ومدرسة للمهنية ذات خلطة سحرية، يتذوقها كل قارئ وكل منافس في الوسط الصحفي.
في العدد الأول لـ««روزاليوسف»» المجلة، دعت السيدة فاطمة اليوسف كبار الكتاب لنشر مقالاتهم بالإصدار الوليد، وكان من أبرز الكتاب الأديب البارز إبراهيم عبدالقادر المازني، فما كان منه إلا أن لبي الدعوة وأرسل مقاله، غير أن المقال لم يقدم التبريكات والأمنيات للمجلة وصاحبتها بالنجاح بل لم يتجاهل الحدث لموضوع آخر يعفيه من الحرج، بل انتقد المجلة بأسلوب لاذع في عددها الأول، فبلغ به أن قال لفاطمة اليوسف التي بدأت حياتها فنانة تمثل علي المسرح : «هناك إذن علي المسرح مجالك يا سيدتي فارجعي إليه، وإذا أبيت إلا المجلة فلتكن سلوي لا شغلا»، ووصف المازني تجربة «روزاليوسف» الصحفية بـ«النزوة» فقال في مستهل مقاله:
«روزاليوسف» كما يعرف القراء – اسم أحالته صاحبته - كما يرون الآن – إلي اسم لمجلة، ورمز لمعني تحاول أداءه، وعنوانًا لمسعي تعالج أعباءه، وإنها لنقلة عسيرة! وأحري بمن يعرف «روزاليوسف» الممثلة النابغة أن يتعذر عليه أن يجرد اسمها من الحواشي المادية وألا يقرنه في ذهنه بالمعاني، بل أحري به أن يسأل نفسه: أيهما خير للفن أن تبقي روزا ممثلة أو أن تستحيل مجلة وتنقلب كاتبة؟.. وأوجز فأقول إنني لست ممن يعتقدون أن الممثل البارع يمكن ان يكون في كل حال كاتبًا بارعًا، وأن ما يوفق له المرء في باب من الأبواب يمكن أن يوفق إلي مثله في أي باب آخر يخطر له أن يطرقه.. إذن لماذا تعالج السيدة «روزاليوسف» فنًا غير الذي خلقت له وهيأت له فطرتها أسباب النجاح فيه – قاصدًا الفن المسرحي- لا أدري! فلعلها نزوة».
«روزاليوسف» لم تمنع نشر المقال الذي يشكك في تجربتها ويصفها بالنزوة وينصحها بالعودة إلي المسرح، رغم أن العدد الأول صدر كمجلة فنية أسبوعية مصورة بثمن «عشرة مليمات» للنسخة، بل رسخت لمدرسة الرأي الحر، فنشرت المقال في الصفحة الأولي بعد الغلاف «3» وذيلت المقال بعبارة « اقرأ الرد في صفحة 7» أي أنها قدمت منتقدها وأخرت مقالها الذي ترد فيه علي الأستاذ المازني، واصفة مقاله النقدي بـ«الظريف» وصدرت ردها بالقول: «للاستاذ المازني شكري الخالص علي ما أبداه من عناية بي في مقاله الظريف الذي صدرت به صحيفتي وإنني لطاردة عنه ما يوجس خيفة منه فأصرح له بأني ما فكرت يومًا أن أهجر التمثيل وإن كنت اليوم بعيدة عنه، فلأن جو هذا العام محمل بأنفاس ثقيلة، ولكن للباطل جولة وللمرض شدة وللعاصفة عنف ثم يأتي الحق ويشرق السلام».
وأضافت «روز اليوسف»: «وأؤكد للاستاذ العزيز أنه لا صلة بين تركي المسرح الذي كنت أشتغل فيه وإصداري هذه الصحيفة، فإن فكرة إخراج هذه الصحيفة اختمرت في رأسي منذ أمد بعيد العدد الأول من المجلة كان زاخرًا بالموضوعات المهمة التي لا تزال حية قابلة للنشر في هذه الأيام لاستمرار القضايا التي طرحتها، كما هي حال تلك المؤسسة الصحفية التي لاتزال شابة بموهوبيها وكتابها، فتحت عنوان «نسائيات» كتب موضوع صحفي بعنوان «زواج مايو من ديسمبر.. وبالعكس» عن زواج المتباعدين عمريًا «حذار من زواج الكهل أو الشيخ ! نصيحة أسوقها إلي كل فتاة لها ذرة من العقل وعلي شيء من قوة الإرادة وصحة الحكم علي نتائج الأمور..».
وُلدت ««روزاليوسف»» السيدة واسمها الحقيقي فاطمة محمد محيي الدين اليوسف بمدينة طرابلس في لبنان سنة 1898، وأصبحت يتيمة وهي في السابعة من عمرها، ورحلت إلي مصر وهي في الرابعة عشرة حيث بدأت حياتها كممثلة ناشئة في فرقة عزيز عيد، وجورج أبيض المسرحية، وكانت البطلة الأولي في فرقة (رمسيس) ليوسف وهبي ومن أشهر أدارها «غادة الكاميليا، أوبريت العشرة الطيبة، دافيد كوبرفيلد، التاج والفضيلة»، وتعلمت في تلك الفترة القراءة والكتابة والتمثيل، وأصبحت الممثلة الأولي في مصر، وأطلق عليها النقاد «سارة برنار الشرق».
تُعد «روزاليوسف» رائدة الصحافة في مصر، ومعلمة وقائدة لجيل من أهم كتاب وصحفيي مصر الذين بدأوا خطواتهم الأولي في مجلة «روزاليوسف»، والتي صدرت فنية، ثم ما لبثت أن تحولت هذه المجلة إلي السياسة، وكان أول تحقيق صحفي لها أثناء محاكمة محمود فهمي النقراشي وأحمد ماهر في إحدي القضايا السياسية.، وتوالت التحقيقات السياسية والخبطات الصحفية مرورًا بتحقيقات الأسلحة الفاسدة والتي كانت من مقدمات ثورة 1952 والتي كتبها إحسان عبد القدوس نجل فاطمة اليوسف الكاتب الصحفي اللامع ورئيس تحرير «روزاليوسف» الأسبق والروائي المبدع، وهبت «روزاليوسف» مجلتها لخدمة قضايا الوطن فخاضت في سبيل ذلك معارك طاحنة ضد الملك والإنجليز.
«روزاليوسف» كانت دائما علي يسار النظام، تتمتع بالاستقلالية وعندما تقاربت مع حزب الوفد الذي قام بضمها إليه، وتعرض حزب الوفد في تلك الفترة لحملة انتقادات عنيفة وأطلق عليه خصومه حزب «روزاليوسف»، إلا أنها لم تتخل بشخصها ومجلتها عن حياديتها فلم تدم هذه العلاقة الوطيدة بين فاطمة اليوسف وحزب الوفد، فسرعان ما تحولت إلي عداء شديد، بعد إصرارها علي انتقاد رئيس الوزراء «نسيم باشا» ومطالبته بعودة دستور 1923 وإجراء انتخابات نزيهة، فما كان من الوفد إلا أن فصلها من الحزب وحاصر مجلتها ونظم المظاهرات ضدها، إلا أن نجاح حملتها ضد حكومة نسيم باشا أدي إلي استقالة الحكومة، وعودة دستور 1923، وتزايد شعبية المجلة واتساع انتشارها.
أنشأت فاطمة صحيفة «روزاليوسف» اليومية التي صدرت في 25 مارس 1935، والتي كان من أبرز محرريها عباس العقاد، ومحمود عزمي، كما أصدرت مجلات أخري منها «الرقيب - صدي الحق - الشرق الأدني - مصر حرة». كما أصدرت مجلة صباح الخير عام 1956، في فترات ألغت الحكومات ترخيص مجلة «روزاليوسف» لمواقفها السياسية الوطنية، وتوقفت روزا الجريدة لسنوات ثم عادت للصدور في 2005 في عهد الاستاذين كرم جبر رئيس مجلس الإدارة الاسبق وعبدالله كمال رئيس التحرير الأسبق،  ليتولي مجلس الادارة عقب الثورة الاستاذ محمد جمال الدين يليه المهندس عبد الصادق الشوربجي والتحرير الاستاذان ابراهيم خليل يليه جمال طايع ومع اعتصامات مطالبة بالمستحقات المالية المتأخرة توقفت الجريدة لثلاثة أيام لتعاود الصدور اليوم بهذا العدد الخاص، الذي يؤكد ضرورة تحمل الدولة مسئوليتها في دعم المؤسسات القومية التي تملكها لعبور عثرتها في فترة التذبذ ب الاقتصادي الذي تشهده مصر وشهدته كل البلدان التي قامت بثورات اسقطت انظمة حكم.
سرعان ما أضرت المجلة في بداية نشأتها للتحول من الطابع الفني للسياسي فرفضت وزارة الداخلية الترخيص لها بذلك، وعن هذا تقول فاطمة اليوسف في «ذكرياتها»: «روزاليوسف» صدرت أول أمرها مجلة فنية، ولكنها كانت مجلة للفن الرفيع والأدب العالمي الذي لا تعرفه سوق الصحافة اليوم.. وكان طبيعيًا أن تعاني مجلة من هذا النوع هبوطًا مطردًا في التوزيع.. بين أفراد أسرة التحرير تنشب الخلافات، زكي طليمات يتمسك بالأدب العالمي ويطالب بالاحتفاظ بشكل المجلة ومحمد التابعي لا يكف عن السخرية بهذا الأدب ويذكر بأرقام توزيع المجلة».
وانتهي الجدال للتطوير والتبسيط لكن فاطمة اشترطت عدم التعريض بأحد أو التجريح فكتب محمد التابعي بابًا ساخرًا اسمه «الطورلي» واستهل موضوعه الأول بعنوان «صاحب الطورلي وصاحبة المجلة» قال فيه: «خصصنا هذه الصفحة كما أعلنا في رأسها للحديث عن العظماء والصعاليك.. وسوف أتكلم اليوم عن صاحبة المجلة وعن نفسي، وللقارئ أن يسمينا عظماء أو صعاليك كما يشاء!».
وأضاف التابعي: «تأمرني بأن أكتب وأن أملأ صفحة بشرط ألا أعرض بأحد أو أسب أحدًا أو أمدح أو أتملق أو انتقد أو،أو ثم تقول لي: فيما عدا ذلك فأمامك الميدان فسيحًا فاكتب ما تشاء!، اكتب ما أشاء! وماذا أبقت لي لأكتب عنه؟ تقوم بيننا المناقشة وهي دائمًا حادة تبدأ من القرار وترتفع إلي «جواب السيكا» فإذا طالت المناقشة ورأت هي إقفالها عمدت إلي طريقتها الخاصة في الإقناع وهي أن تنظر بعين إلي أكبر وأضخم قاموس علي المكتب ثم تنظر إلي وتحرك يدها بحركة عصبية! فإذا لم تفلح هذه الطريقة في الإقناع عمدت إلي النشافة أو الدواية أو أي شيء آخر مما يكون قريبًا إليها، خبروني من ذا الذي لا يقتنع أمام هذه الأدلة الثقيلة.. وهكذا تنتهي المناقشة دائمًا بانتصارها وانهزامي! ثم أكتب!»
وتقول فاطمة اليوسف: «كان قرار تحول المجلة إلي سياسية في فترة عصيبة كانت الحياة البرلمانية تتعرض لنكسة عنيفة فقد انتهز الإنجليز فرصة مصرع السردار وأخرجوا سعد زغلول من الوزارة ووضعوا في مقعد الرئاسة بدلًا منه زيوار باشا، وأعلن زيوار باشا حل مجلس النواب.. ولما اجتمع مجلس النواب الجديد تبين أن أغلبيته وفدية تؤيد سعد زغلول فحل المجلس الجديد بعد انعقاده بساعات وعاشت مصر بلا برلمان ولا دستور ولا حريات... واشتد الصراع بين سعد وزيوار.. فلما طلبت السماح لي بتحويل المجلة إلي سياسية ظنت الداخلية أن الوفد يتستر ورائي فرفضت الطلب وذهبت إلي وكيل وزارة الداخلية – حسن رفعت – فرفض أيضًا بعد أن عجزت عن إقناعه بأنه لا صلة لي بالوفد علي الإطلاق.. وذهبت لزيوار باشا، وكان رحمه الله طيبًا جدًا.. كانت الدنيا تثور من حوله وهو لا يهتم.. لا يقرأ الصحف قط، وكان إذا قيل له إن جريدة تهاجمه يقول خليها تاكل عيش، وذهبت له محتجة مطالبة بإعطائي الترخيص الذي أريد ودهش جدًا حين علم أن الوزارة ترفض منح التراخيص للصحف السياسية واستدعي حسن رفعت ليقول له كلمته الخالدة: ادوها الترخيص خلوها تاكل عيش وانصرفت والترخيص في جيبي شاكرة الله علي طيبة قلب رئيس الوزراء!.. أصبحت ««روزاليوسف»» إذن مجلة سياسية ودخلت ميدان السياسة وحيدة لا يسندها حزب ولا يمولها حاكم ولا يدبج لها المقالات كاتب سياسي قديم».
كان أول التحقيقات السياسية بقلم فاطمة اليوسف بعد متابعتها لـ7 جلسات من محاكمة أحمد ماهر والنقراشي بتهمة تكوين عصابة قامت باغتيال السردار وتقول روزا: «لم يكن الإنجليز يريدون من هذه المحاكمة رقبتي ماهر والنقراشي فحسب بل ودمغ الوفد بالتآمر والجريمة.. هذه الجلسات مازالت ماثلة في ذاكرتي حتي الآن.. مازلت أذكر المتهم جاد الله وهو جالس يداعب المسبحة ويصيح: صلوا علي النبي ويبصق علي الأرض، والنقراشي صامت جامد كأن هذا الذي يدور في الجلسة لا يعنيه، وأحمد ماهر ثائر ملتهب لا يكف عن الاعتراض والاشتباك مع الاتهام والشهود في مناقشات عنيفة» وحملهم الشعب علي الاعناق بعد البراءة وكانت روزا قد كتبت ملاحظات دقيقة عن شهود الإثبات منها تعمدهم التحدث بالإنجليزية رغم إتقانهم للعربية، وقارنت بين القاضي «كرشو» وهو إنجليزي يتحدث العربية وبشارة واكيم في إحدي الروايات التي مثل فيها دور القاضي.
تولي إحسان عبدالقدوس رئاسة تحرير
وكان الاعتقال الأول من نصيب الأستاذ محمد التابعي برنس الصحافة المصرية، فنشرت «روزاليوسف» سلسلة مقالات بعنوان «ملوك وملكات أوربا تحت جنح الظلام» حول أسرار الحياة الخاصة لملوك وملكات أوروبا وكانت فاطمة اليوسف مسافرة لباريس وأنابت إبراهيم خليل لرئاسة التحرير وكان التابعي يكتب في السياسة بدون توقيع ومن كتاباته هذه المقالات فقبض علي خليل وأوقفت المجلة وتقول روزا في ذكرياتها: «لم يكن لابراهيم خليل في الواقع شأن بالتحرير وكأنما عز عليه أن يروح ضحية ما كتبه التابعي فاعترف في التحقيقات أن كاتب هذه المقالات هو الأستاذ محمد التابعي الموظف بالحكومة، ولم تطلق النيابة سراح إبراهيم خليل بل قبضت علي التابعي وأنزلتهما في زنزانة واحدة» وكان التابعي أول كاتب صحفي يوضع الحديد في يديه وكانت هذه القضية لها فضل بتقديم التابعي كاتبًا سياسيا وفقا لـ«روزاليوسف» التي قالت إنه قبل ذلك كان يكتب في السياسة بدون توقيع.
لم تقف «روزاليوسف» المجلة في منطقة رمادية طيلة تاريخها ولم تأخذ من السياسة جانبها الهادئ، اقتحمت ساحات المعارك السياسية وذهبت في التأييد والمعارضة إلي أبعد مدي، فكانت في فترة تأييد حكومة الوفد تقف مساندة للشعب الذي كان يلتف غالبيته العظمي خلف سعد زغلول زعيم الأمة وسرعان ما اختلفت المجلة وعارضته لصالح الشعب ودفاعا عن الحريات والدستور.
كان أول عدد صودر لـ««روزاليوسف»» هو العدد 134 عندما أطلقت حملة ضد الملك تنتقد توسع سلطاته وإقالته للحكومات ونشرت المجلة «كاريكاتير» لرئيس الوزراء الجديد المعين محمد محمود يدوس علي الدستور وهو يصعد لكرسي الوزارة فتمت مصادرة العدد وحصلت «روزاليوسف» علي 200 جنيه فقط تعويضًا بعد حكم قضائي، وأصدرت في هذا العام اربع مجلات بعد وقف «روزاليوسف» بشكل مؤقت.
احتضنت مؤسسة «روزاليوسف» المئات من رموز الصحافة منهم الكاتب المبدع عبدالرحمن الشرقاوي الذي رأس مجلس إدارتها وكامل الشناوي وأحمد بهاء الدين وصلاح حافظ والدكتور مصطفي محمود ومحمود السعدني ملك الكتابة الساخرة ويوسف إدريس وكتب بها محمد حسنين هيكل في بداية مشواره وإبراهيم عبدالقادر المازني.
وأنجبت في العصر الحديث لفيفًا من القيادات الصحفية في الصحافة القومية والخاصة ونجوم الفضائيات من مقدمي البرامج ومازالت المسيرة تتواصل والأجيال تتتابع يتسلم كل جيل الراية من سابقيه، وتبقي «روزاليوسف» ثائرة دائماً بشبابها ومهنيتها، تقاوم الصعاب وتعلو فوق الهفوات والكبوات... عن «روزاليوسف» لا تكفي آلاف الكلمات لسرد مسيرة مؤسسة عاصرت الأحداث وأشعلت الثورات واعتصر قياداتها التجربة.. في الأزمة قبل الرخاء دائماً سيجدد المخلصون من أبنائك الولاء والتعهد بمواصلة العطاء، جيلاً بعد جيل علي الدرب سائرون لن توهن قوانا العثرات ولن ترهبنا السلطات ولن نكون سوي جزء من ضمير الشعب ولاؤنا له ومصلحة مصر نصب أعيننا، لن تباع الأقلام، لن يستأجر الأقلام حاكم أو منافس له علي كرسي الحكم، لوجه الله والوطن والشعب وقناعات ضمائرنا فقط ينبغي أن يكتب كل صاحب قلم.