الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بول كلى.. عاش حائرا بين ألمانيا وسويسرا وأعاد رسم خريطة الفن





يعد الفنان بول كلى واحدا من أهمّ  رموز الحركة الفنية العالمية، ومن أكثر المغيرين والمجددين فى نظرياتها، بل وأكثرها إثارة للجدل الّذى صاحبه خلال حياته ولم يهدأ بعد وفاته وحتى اليوم، تأثر فى أول أعماله بجماليات الرمزية والتعبيرية والفن الجديد بوصفها شكلت أهم العناصر الجمالية للفن وقتها، كما اهتم فى بدايات حياته الفنية بالألوان كظاهرة نظرية، وبعد دراسات فنية اكتشف فى وقت متأخر أن لها تأثيرا على الروح.
ومن خلال منظمة «جون مارش» يقام حاليا فى العاصمة الاسبانية مدريد  معرض فنى لبول كلى بالتعاون مع متحف باسمه Zentrum Paul Klee موجود فى العاصمة السويسرية برن، الذى يمر على افتتاحه ثمانية سنوات، مكللا سيرة «كلى» الفنية وأعماله داخل جدران مبنى واحد، بمثابة رد الاعتبار للفنان الراحل، الذى ظل طوال حياته حاملا للجنسية الألمانية تبعا لجنسية والده على الرغم من ولادته وقضائه معظم حياته ووفاته فى سويسرا، وعلى الرغم من أنه قد تقدم إلى سلطات بلاده سويسرا بأكثر من طلب للحصول على الجنسية لكن القوانين وتداعيات الحروب العالمية التى كانت تدور رحاها وقتها كانت سببا وعائقا فى الحصول عليها.
من كتبه الشهيرة «نظرية التشكيل» الذى ترجمه إلى العربية الفنان والمترجم عادل السيوى، ولعله من سخرية القدر أن تصل الموافقة على منح «كلى» الجنسية السويسرية بعد أسبوع واحد من وفاته، ويرى السويسريون أن بلادهم شهدت انطلاق موهبته وكانت الحاضن الوفى لها، فى حين يرى الألمان أن انفعاله بالحياة الثقافية والفنية فيها هو سبب شهرته التى طبقت الآفاق، تلك السيرة الفنية والشهرة التى تستدعى منا إلقاء الضوء على صاحبها وحياته الفنية.
يضم المعرض عددا من أعماله منها  لوحاته «زهرة استوائية»، و»حديقة عباد الشمس الأحمر»، و»مع غروب الشمس»، و»معبد الحدائق»، كما يضم المعرض قسما آخر لتراثه التربوي، من كتب ودراسات وصور ومنشورات فى تسلسل زمنى  بدأ بحياته وحتى وفاته.
ولد بول كلى فى 18 ديسمبر سنة 1879 فى قرية «مونشن - بوخسى» القريبة من برن، لأم سويسرية تدعى إيدا فريك، وأب ألمانى اسمه هانز كلي، كان والداه يأملان أن ينخرط فى حقل العمل الفنى الموسيقى، لكنه كان يخطط لشيء آخر، فقد غادر أسرته إلى مدرسة خاصة فى ميونخ بألمانيا لدراسة الرسم، لمدة 4 سنوات غيرت الكثير فى مسار حياته؛ فقد أنهى دراسة الفن وتعرف على زوجة المستقبل، وسافر للمرة الأولى إلى إيطاليا.
مارس «كلى» كتابة النقد المسرحى والعزف فى حفلات الموسيقى الكلاسيكية، إلا أن الرسم بقى ملازما له يقضى معه كل أوقات فراغه، ثم كانت عودته إلى برن عام 1902، كانت الفترة ما بين عامى 1903 و1905 مرحلة تحول كبيرة فى حياته؛ حيث قام ببعض التجارب فى الطباعة بالحفر على النحاس، وترك من تلك المرحلة 11 عملا.
ويبدو أن تلك الإنجازات قد شجعته على مغادرة سويسرا مرة أخرى، ففى عام 1906 تزوج بعازفة البيانو الألمانية ليلى شتومبف وأقام معها فى ميونخ، تفاعل كلى مع البيئة المحيطة به، فرسم المناظر الطبيعية التى زارها فى برن، وكانت أوراق الرسم لا تفارقه أينما ذهب، قضى «كلي» ما يقرب من 30 عاما بعيدا عن سويسرا، عمل خلالها كأستاذ لفن الرسم فى أكاديمية «باوهاوس» فى مدينة ديساو الألمانية، التى وفرت له مجالا متسعا لتبادل الخبرات مع مختلف التوجهات الفنية الموجودة آنذاك، وكانت مرحلة التأثير والتأثر فى نفس الوقت، كما كانت زيارته إلى تونس فى الفترة ما بين عامى 1913 و1914 نقطة تحول هامة فى علاقته مع الألوان والتعامل معها، كانت واضحة فى أعماله أثناء تلك الزيارة وما سجله من ملاحظات حولها.
فى عام 1933عاد الفنان فارا من ألمانيا إلى مسقط رأسه (برن) لعيش فيها كأجنبي، لأن النظام النازى قد وصل إلى الحكم، وأصبح هو وممثلى الفن الحديث غير مرحب بهم، ليقوم «النازي» بإزالة جميع صوره من المتاحف وصالات العرض الخاصة، وقضت على أحلامه فى البقاء فى ألمانيا، وعلى الرغم من أنه كان قد أضحى فنانا مشهورا، لكنه  لم يجد فى نجاحه الفنى تعويضا عن الحياة الثقافية الثرية التى افتقدها فى برن، فمال إلى العزلة، التى ربما كان لها أثرا على حالته الصحية، حتى أصيب بمرض لم يتمكن الأطباء -فى ذلك الوقت- من تحديده، وعانى من فقدان الوزن المتواصل وجفاف الجلد، ومرت عليه مرحلة كان لابد فيها من أن يكون ملازما لإحدى مصحات العلاج للنقاهة والتغيير، حتى وافته المنية فى 29 يونيو 1940.