السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر تتجلى فى أعمال شباب التشكيليين باعتصام وزارة الثقافة







 
 
 
عشرون يوما يقضيها عدد من المثقفين اعتصاما بوزارة الثقافة لحين تحقيق مطلب إقالة الوزير، كان للفنانين التشكيليين المعتصمين أثر واضح وفعال خاصة أن الجماعة التشكيلية هى مفجر هذا الاعتصام بعد أزمة افتتاح المعرض العام وإنهاء انتداب الدكتور صلاح المليجى رئيس قطاع الفنون التشكيلية السابق، فقرر عدد من التشكيليين المعتصمين وهم الفنانون وليد عبيد ومحمد نديم وصابر طه ومحمد حمدون عمل لوحات كبيرة المساحة تعبر عن الاعتصام وعن الحالة الثورية عبر رؤاهم المختلفة، التى اتفقوا فيها فى التعبير عن مصر الثورة، بينما يعرض الفنان محمد البغدادى معرضا رمزيا لرسوماته جنبا إلى جنب مع كاريكاتير حجازى.
 
 
قدم الفنان وليد عبيد لوحته «مصر الثقافة» يصور فيها مصر تقف أمام العالم أجمع وكأنه عرشها، ومكانها فى الكرة الأرضية هو انعكاسها عليه، حتى سيناء موجودة واضحة بمكانها.. تحت هذا التكوين نجد الأسلاك الشائكة التى تمثل الإرهاب والديكتاتورية وتحديد الإبداع والحريات، وابتكر عبيد أيقونة فرعونية جديدة مستوحاة من التاريخ المصرى القديم، حيث يجثو إله الموت أمام مصر رافعا يده اليسرى حاملا بها مفتاح الحياة ويده اليمنى على قلبه، مما يعنى أنه يقسم لمصر أنها لن تموت، فى الوقت الذى ترفع مصر رأسها عالية فى توحد مع السماء رافعة يديها الاثنتين اليسرى حاملة عنصرى الأمة «الهلال والصليب» والثانية تحمل الصقر المصري، نفذها عبيد فى مساحة 2.5×1.5 متر وكان اللون الأبيض الذى اشتهر به عبيد وتميز به عبر تاريخه الفنى الطويل هو المسيطر فى العمل.
يهتم عبيد بعمل اسكيز أولى للوحاته قبل تنفيذها فى مساحاته الكبيرة، وكشف عبيد عن أنه قد عرض الاسكيز على الفنانين المعتصمين مقترحا تنفيذه على مساحات أكبر بحيث يشارك فى تنفيذها الجميع لتمثل لوحة جماعية للتشكيليين، بينما فضل العدد الأكبر تنفيذ أعمال مختلفة بغرض مزيد من التنوع الإبداعي، عن مصير لوحته يقول عبيد: سأحتفظ بها لعرضها فى عدة أماكن مختلفة كرمز لاعتصامى ضد المشهد المسيطر حاليا على مصر.
أوضح عبيد مؤسس حزب التحرير أنه قد انتهى مؤخرا من جمع التوكيلات اللازمة والأوراق للإخطار بتدشينه انما باسم جديد هو «الشعب المصرى».
أعلن عبيد عن إطلاقه لمبادرة «البديل الثوري» التى سيطلقها اليوم فى مؤتمر صحفى التى يهدف من خلالها لطمأنة الجمهور النازل يوم 30 يونيو ممن لازالوا مترددين ظنا منهم بأنهم بذلك قد يكونوا مسيئون لمصر، إضافة إلى أن المبادرة تشتمل على سبعة نقاط التى تضم عبور مصر من أزمتها الحالية، تعيين مجلس رئاسى نصفه من الشباب، ألا تزيد الفترة الانتقالية على ستة أشهر لعمل دستور توافقى والإعداد لانتخاب رئيس ومجلس نواب، كذلك إيقاف نزيف إهدار المال العام بالكشف عن الدخل الحقيقى لمصر وتعديل الحد الأدنى والأقصى للأجور.
إلى جانب لوحة عبيد نجد لوحة الفنان محمد نديم، الذى نفذ لوحة جدارية مكونة من ثلاث لوحات، إنما بدأ نديم فى أولى أيام الاعتصام مع ظهور فتوى إلغاء الباليه بلوحته «الباليرينا» ومساحتها 140 × 180 وقد نفذها فى ساعتين فقط! وهو ما نلحظه من ضربات الفرشاة السريعة والصغيرة والمتلاحقة والخطوط السريعة وكأنها اسكتش على مساحة كبيرة، يصف نديم رؤيته وقتها قائلا: صدمت بشدة حين تم إلصاق الدنس والعهر لفن الباليه الراقي، فقررت أن أرسم هذه اللوحة بتعبد حقيقى لجماليات الفن وسماحته، وكذلك من وحى الحالة العامة للاعتصام وهى الحب والنقاء والجميع مجتمعين على هدف واحد وقضية واحدة.
لتأتى إليه فكرة تنفيذ لوحته الجدارية الكبيرة والتى بلغت مساحتها 420 × 255 متر، وبداها بدون اسكتشات سابقة بل اعتمد على شحنته الانفعالية والطاقة الإيجابية التى اكتسبها من الاعتصام، عن كواليس تجهيزه للعمل يقول نديم: كانت فكرتى هو تنفيذ لوحة ضخمة تغلق باب مكتب الوزير، لرفضى إطلاق لقب «وزير» على هذا الشخص، إنما بعد أن بدأت العمل وجدتنى أغير الفكرة لفكرة أخرى أكثر عمقا، فى ظل مشاكل تعيشها مصر وازمة سد اثيوبيا ومحاولات التجريف الثقافى التى يسعى لتنفيذها التيار الإسلامي، ونتيجة لملاحظتى للأشخاص الموجودين بتحركاتهم وملامحهم وتصرفاتهم، أبهرنى وجه محمد الفرعونى أحد شباب الفنانين المعتصمين بملامحه الشديدة المصرية وكذلك شيرين إحدى المعتصمات أيضا، إنما شخصية مصر رسمتها من خيالى الخاص، ومحمد وشيرين رسمتهما جاثيان فى وضع فرعونى أمام مصر التى تقف شامخة، يحمل محمد فى يده القلم والعلم وفسيلة وخير، بينما شيرين تحمل مفتاح الحياة ومصر حاملة لغصن الزيتون وتمد يدها اليمنى للعالم، وخلفيتها هى الهرم رمز الحضارة المصرية القديمة.
ولم يستقر نديم بعد هل سيترك اللوحة للوزارة لتكون بمثابة الشاهد على الحدث أم سيحتفظ بها ليعرضها بأكثر من مكان، لكنه يميل أكثر نحو الاحتفاظ بها خوفا من أن تهمل فيما بعد، عن كواليس الاعتصام يقول نديم: كنت سعيدا جدا حين وجدت شابا لطيفا هو «حسام تيتو» وهو من فريق المشاغبين بالاعتصام ولم يرسم مطلقا فى حياته، لكنه حين رأى الألوان أمامه تقدم إلى وطلب منى أن يرسم وبالفعل أعطيته كامل الحرية فى استخدام الخامات وظللت أراقبه من بعد، وجدته فى حالة غريبة جدا من الخشوع والصوفية أثناء الرسم!.. وليس الشاب المشاغب الذى نراه يوميا!.. أيضا «ملك» طفلة الخمس سنوات التى تأتى مع والدها البريميير هانى راقص الباليه الأول بفرقة باليه الأوبرا، «ملك» أذهلتنى بطاقتها الفنية وجراءاتها فى استخدام الفرشاة واللون ومزجها للألوان معا، كذلك استفادتها من لون الورقة ليدخل ضمن ألوانها، فهى مشروع فنانة حقيقية وسيكون لها مستقبل خاص فى الفن ومؤثر.
عن تعليقه عن الاعتصام والحالة التى يعيشها، أكد نديم أنه يعيش أنقى وأطهر أيام حياته، لافتا لاندهاشه الكبير من اتهامات الفساد وسلك سلوك غير وطنى لهؤلاء المثقفين الذين يمثل كل منهم عاشق لمصر إنما بطريقته الخاصة، والذين من بينهم بهاء طاهر ويوسف القعيد ومحمد عبلة.
بينما الفنان صابر طه صور مصر وهى تقف بجانبها مرتدية فستانا أنيقا جدا وشال أحمر، رافعة رأسها ومغلقة عينيها وكأنها تستعيد ذكرياتها، وأمامها كلمات أغان متناثرة تغنى بها مطربون كثر عبر تاريخ مصر يعبرون فيها عن وطنيتهم وحبهم لها، بينما الفنان محمد حمدون فقد نفذ فى لوحة متوسطة المساحة وبأسلوب فطرى امرأة تحمل طفلها بشرفتها بمنطقة شعبية بينما كرسى الحكم خارج المنزل وخلفه ظل لاثنين يقتتلان للفوز بهذا الكرسى وهذه السيدة وأبنائها، معبرا عن المشهد السياسى لمتقاتلين على السلطة لمصالح شخصية مما يعكس أنهما لا وجود حقيقى لهما، بينما مصر وأبناؤها محبطون ويشعران بالأسى لما يحدث.