الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

في معني النصر





محمد حمدى روزاليوسف اليومية : 05 - 10 - 2009


في حياة وزير الدفاع الإسرائيلي في حرب أكتوبر موشيه ديان صورة شخصية كان يعتز بها كثيراً، فبعد انتهاء حرب يونيو 1967 ذهب ديان إلي الشاطئ الشرقي لقناة السويس، ووقف أمام المصورين وهو يضع يديه في وسطه وقال: هل هناك حدود أكثر أمنا من هذه؟
علق ديان صورته خلف مكتبه في وزارة الدفاع الإسرائيلية في 9 شارع أسديروت بتل أبيب والذي حمل اسم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين بعد اغتياله، وكان يحلو لديان أن يدير كرسيه ويتأمل صورته علي الشاطئ الشرقي لقناة السويس بحالة من الانتشاء.
وحين خرج من مكتبه بعد التحقيق الإسرائيلي في أسباب هزيمة الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر أو يوم كيبور أو حرب الغفران، كان آخر ما أخذه ديان من مكتبه صورته بينما انهارت دموعه، بعد أن أنهي الجندي المصري ليس أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وإنما أسطورة ديان كأعظم عقلية عسكرية عالمية في النصف الثاني من القرن العشرين حسبما روجت الدعاية الإسرائيلية .
لم تكن دموع ديان وهو يغادر مكتبه الأولي، فحسب الكثير من الوثائق السرية الإسرائيلية والأمريكية التي كشفت عن فترة حرب أكتوبر، كان ديان قد وصل إلي حالة من اليأس الكامل مساء السادس من أكتوبر 1973، وانهارت دموعه وهو يجري محادثة مع رئيسة وزرائه جولدا مائير طلب خلالها التصديق علي سحب قواته من سيناء لأن الإسرائيليين غير قادرين علي مواجهة الطوفان المصري.
وبعد عامين وحين كتب ديان مذكراته في عام 1975 بعنوان "هذه حياتي" حاول أن يبدو في صورة القائد المتماسك، لكنه سجل الكثير من الاعترافات عن الهزيمة المذلة التي تعرض لها الجيش الإسرائيلي، معترفًا بكل صراحة ووضوح أنه منذ مساء اليوم الأول للحرب بدا واضحًا جدًا أنه لا يمكن إعادة الأوضاع علي الأرض لما كانت عليه قبل الثانية من ظهر السادس من أكتوبر.
وفي مذكراته قال ديان أيضا: الأهم بالنسبة للإسرائيليين والعالم الاعتراف بأننا لسنا أقوي من المصريين، وأن حالة التفوق العسكري الإسرائيلي قد زالت وانتهت إلي الأبد، وبالتالي فإن النظرية التي تؤكد هزيمة العرب (في ساعات) إذا ما حاربوا إسرائيل خاطئة.. والمعني الأهم هو انتهاء نظرية الأمن الإسرائيلي بالنسبة لسيناء.. وعلينا أن نعيد دراساتنا وأن نعمل علي التمركز في أماكن دفاعية جديدة، لأن التفوق العسكري المصري في سيناء لا يمكن مواجهته، وأنا لا أستطيع أن أقدم صورة وردية للموقف علي الجبهة المصرية لأن الموقف بعيد كل البعد عن الصور الوردية.
وللأجيال الحالية التي لم تعش حرب اكتوبر فإن النصر الذي عاصرناه نحن كان إعادة تحرير الأرض، وإلحاق أكبر خسارة ممكنة بالعدو، بحيث لا يكون قادرًا بعدها علي إعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه.. لكن القول إن النصر يعني الثبات علي الأرض كما حدث في لبنان وغزة ليس أكثر من أضغاث أحلام.