الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فحيح الجزيرة





محمد حمدى روزاليوسف اليومية : 06 - 10 - 2009


من يشاهد قناة الجزيرة القطرية طوال الأيام الثلاثة الماضية، يلحظ دون عناء أنها قد خصصت معظم فتراتها الإخبارية لهدف واحد هو تأليب الفلسطينيين علي بعضهم، والحصول علي تصريح رسمي من حركة حماس بمقاطعة الجلسة الأخيرة والمرتقبة في السادس والعشرين من الشهر الجاري لتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية بالقاهرة برعاية مصرية.
علي سيبل المثال وفي لقاء لم يستمر أكثر من ثلاث دقائق في حصاد الجزيرة أمس الأول سألت المذيعة فيروز زياني القيادي في حماس محمود الزهار ثلاث مرات سؤالا واحدا عن موقف حماس من اتفاق المصالحة بعد تأجيل اعتماد تقرير جولدستون حول حرب غزة في مجلس حقوق الإنسان.. مما اعطي انطباعا واحدا وهو أن الجزيرة تحاول دفع حماس دفعا لتأجيل المصالحة الوطنية.
وقد يري البعض ذلك في إطار المحاولة القطرية المستميتة لانتزاع أي دور لها علي الساحة السياسية العربية، لكن القراءة الحقيقية للأحداث تذهب إلي ما هو أكثر من ذلك بكثير، فالقضية لم تعد في دولة محدودة الدور والمكانة والإمكانيات تحاول انتزاع أي دور إلي دولة تسعي لتنفيذ مخططات وضعت لها بعناية بالغة.
ولعل هذا يعيدنا إلي انتهاء حرب الخليج الثانية في عام 1991 حينما قرر الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام في مدريد، بعد أن أدركت الإدارة الأمريكية لأول مرة أن الصراع العربي الإسرائيلي هو لب الصراع في الشرق الأوسط، وإذا لم تتم تسويته فإن مصالح أمريكا في المنطقة وضمان تدفق نفطها يظلان في مهب الريح.
وتدخلت أمريكا لأول مرة في انتخابات إسرئيلية لتطيح بحكومة الليكود بزعامة اسحاق شامير وجاءت بحكومة العمل برئاسة اسحاق رابين و وتولي شيمون بيريز حقيبة الخارجية.. وبينما رعي بيريز وأبو مازن مباحثات سرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في كوبنهاجن انتهت باتفاق أوسلو.. هندس بيريز نظرية جديدة للتعاون الشرق أوسطي تكون إسرائيل في قلبه ويتسع ليضم تركيا وإيران، لكن ظل هذا المشروع غير مرحب به في العالم العربي واحتاج تحركا مختلفا.
وفي عام 1994 كانت العاصمة البريطانية لندن تشهد تحركات لوضع أسس مشروع زرع إسرائيل في العالم العربي بمشاركة ضباط من المخابرات البريطانية، وديفيد كمحي مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، وأحد أهم رجال الموساد الإسرائيلي ومهندس ما عرف بعد ذلك بفضيحة إيران جيت التي بيعت فيها أسلحة أمريكية لإيران خلال حرب الخليج الأولي، وانصبت هذه الاجتماعات علي أن تنفيذ مشروع بيريز يحتاج إلي أدوات إعلامية لترويجه، تعمل علي زرع إسرائيل في العالم العربي وجعل حضورها أمرا عاديا ومشروعا.
كان المشروع يقضي بإنشاء فضائية إخبارية عربية، ومجلة أسبوعية تصدر من لندن وصحيفة يومية عربية تخاطب العرب من الخليج إلي المحيط، وحين انقلب أمير قطر علي والده تلقف وزير خارجيته هذا المشروع، وتلقف تليفزيون بي بي سي العربي الذي كان قد توقف بعد خلاف مع شركاء خليجيين أدي إلي إيقاف بث القناة البريطانية عبر قمر عرب سات.
ومنذ انطلاقتها نجحت الجزيرة في خلق أول تطبيع عربي إسرائيلي، فلم يكن مألوفا قبل الجزيرة وجود مراسلين صحفيين عرب في إسرائيل، أوظهور المسئولين الإسرائيليين علي شاشات عربية، وهو ما فعلته الجزيرة بامتياز، واستطاعت بنجاح غير مسبوق شرخ الحاجز النفسي بين العرب والإسرائيليين.. بحيث أصبح الإسرائيليون ضيوفا شبه يوميين في بيوتنا.
ولن ندخل في سجل العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدوحة وتل أبيب، لكن الغريب ان الجزيرة التي تسعي لنسف المصالحة الوطنية الفلسطينية تقع علي الأراضي القطرية التي يسعي مسئولوها بشتي الطرق لإقناع زعماء عرب بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل تحت دعوي أن ذلك من شأنه تخفيف الضغوط علي نيتانياهو وتشجيعه علي الدخول في مباحثات سلام مع الفلسطينيين.
وإذ كان نسف الحوار الوطني الفلسطيني مصلحة إسرائيلية في الأساس، لإبقاء الانقسام الراهن بين الضفة وغزة، مما يضعف موقف المفاوض الفلسطيني، ويقضي إلي الأبد علي فكرة إقامة دولة فلسطينية فمن حق كل مواطن عربي معرفة الفائدة التي ستعود علي الجزيرة من تنفيذ المخططات الإسرائيلية!
[email protected]