الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
الأسعار والحروب القذرة!
كتب

الأسعار والحروب القذرة!




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 12 - 08 - 2010


القانون والضمير معاً لحماية المستهلكين


(1)


المؤكد أن الحملة الشرسة ضد اللحوم المستوردة وراءها مافيا من التجار والمربين، لتشكيك المستهلكين في صلاحيتها، وبالتالي يستمر احتكارهم للأسواق، والبيع بأسعار فلكية.


هل يعقل أن اللحوم البرازيلية التي تأتي من وراء البحار وكذلك اللحوم الهندية، يصل سعرها إلي نصف سعر اللحوم المحلية القادمة من الشرقية أو بني سويف؟
اللحوم البرازيلية هي الأفضل في العالم، ومشهود لها بالجودة والمذاق، ورغم ذلك أعلنت ضدها الحرب، فهل هم لا يرحمون ولا يريدون رحمة ربنا تنزل علي الناس؟
(2)
ليس عيباً أن تستورد الدولة بنفسها بعض السلع، وأن تفتح المجال أمام القطاع الخاص، وأن تضرب الاحتكار بيد من حديد، والسلع الضرورية هي الأولي بالاهتمام والرعاية.
في مصر أشياء كثيرة غلط، فعندما ترتفع الأسعار يرجعون ذلك إلي الأسعار العالمية، وعندما تنخفض الأسعار في العالم تظل علي حالها في مصر، وكأن الأسعار العالمية تسير في اتجاه واحد.
المؤشرات العالمية تقول: إن الأسعار سوف تشهد ارتفاعاً كبيراً في الشهور والسنوات المقبلة، وبالتالي فمصر في حاجة إلي تفعيل وسائل الإنتاج المحلية لسد الفجوة والتصدي للغلاء العالمي.
(3)
اللحوم الهندية هي الأخري تعرضت لحملة شعواء، لدرجة أن برنامج «توك شو» شهيراً جاء بقطع اللحوم وفيها الديدان الحية، كدليل علي فسادها وعدم صلاحيتها.
المؤكد أن هذا الأمر مجرد مكيدة في إطار حروب التجار، فالديدان الحية لا تعيش في اللحوم إلا إذا فسدت بسبب التخزين، أي أنها بفعل فاعل وليس لسوء حالة اللحوم.
الهند تصدر اللحوم لكثير من دول العالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، ولكن اللحوم التي تأتي لمصر هي التي تثير المشاكل وتتعرض للتشكيك.
(4)
هل تذكرون أسماك «الباسا» التي كانت تملأ الأسواق المصرية منذ عدة شهور، ثم أعلنوا عليها الحرب واتهموها بأنها تتربي في مياه المجاري في فيتنام.
وخرج علينا خبراء من كل صنف ولون، تارة يقولون: إنها تسبب السرطان، وأخري بأنها تتلف الجهاز العصبي وثالثة بأنها تؤدي إلي فشل كلوي، فامتنع الناس عن أكلها.
النتيجة هي ارتفاع أسعار الأسماك بالشكل الذي نراه الآن فأصبحت كل الأصناف البروتينية «اللحوم -الأسماك - الدواجن» في قبضة من لا يرحم ولا يشعر بمعاناة الناس.
(5)
الدواجن هي الأخري ضربت أسعارها الأرقام القياسية، خصوصاً بعد انتشار أنفلونزا الطيور التي قضت علي كميات هائلة من الثروة الداجنة انعكست بدورها علي الأسعار.
ظهرت الدواجن المستوردة في الأسواق بأسعار وأحجام مختلفة أفضل حالاً بكثير من الدواجن المحلية، وبدأت الحرب عليها ولكن علي استحياء لأن الكميات المستوردة مازالت حتي الآن قليلة.
أثناء انتشار أنفلونزا الطيور سمعنا كلاماً كثيراً لمسئولين كبار عن إنشاء مزارع صحية للدواجن في المناطق الصحراوية لإنتاجها بالملايين، ولكن مثل هذا الكلام وغيره ذهب مع الريح.
(6)
أهم خطوة لضرب الحروب القذرة هي الإسراع بإنشاء الجهاز القومي لسلامة الغذاء، الذي يتعطل كثيراً في الأدراج مما يثير شكوكاً بأن وراء تعطيله نفس مافيا الاستغلال.
هذا الجهاز يمكن أن يلعب دوراً مهماً مثلما يحدث في الدول الأوروبية التي تستورد اللحوم البرازيلية وأسماك «الباسا» وغيرهما دون أن تثير مثل هذه المشاكل.
من الضروري أن يكون هذا القانون هو الأهم علي أجندة مجلس الشعب الجديد، حتي يمكن الاحتكام إلي جهة محايدة تطمئن الناس علي سلامة غذائهم وتنهي الحروب القذرة.
(7)
وسائل الإعلام - أيضاً - لها دور مهم، لأن بعضها للأسف الشديد يتم توظيفه في حروب التجار والمستوردين والمنتجين إما بحسن نية أو بسوء نية.
النقابة ومواثيق الشرف والأجهزة المختصة وغيرها من الجهات المعنية باستيراد ومراقبة سلامة الغذاء يجب أن تؤدي دورها بجرأة وشجاعة، بما يرضي الله.
نعم الأزمات المقبلة في مجال الغذاء ستكون كبيرة، ولكن علينا أن نخفف معاناة الناس لا أن نزيدها.. وأن يتسلح المجتمع بالقانون والضمير معاً.


E-Mail : [email protected]