الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
نزاهة الانتخابات ليست نزهة !
كتب

نزاهة الانتخابات ليست نزهة !




 


 كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 14 - 08 - 2010


- من مصلحة الحزب الوطني أولاً إجراء انتخابات نظيفة يشهد بها الجميع


- الأحزاب تستطيع أن تكون عيوناً ساهرة علي كل صندوق وكل صوت


- تجربة الوفد تؤكد أن المقاطعة تجفف قنوات الاتصال بين الأحزاب والجماهير


- النصوص مهما كانت عظيمة لابد من تفعيلها بإجراءات تتسم بالوضوح والشفافية


- أعضاء لجنة الإشراف علي الانتخابات من أفضل القضاة ولابد من الصلاحيات الكاملة


- نجاح القوائم النسبية مرهون بأحزاب قوية وضمانات لمنع الاختراق


نزاهة الانتخابات لن تتحقق في ظل أجواء التشكيك التي تثيرها بعض الأحزاب والقوي السياسية الآن، فمن مصلحة الدولة والحكومة والحزب الوطني، إجراء انتخابات نظيفة تعكس الإرادة الحقيقية للناخبين، وتحقق الارتياح والاطمئنان للمعارضة، لتبدأ مرحلة جديدة تفتح شهية المجتمع كله للمشاركة السياسية الفعالة.
نزاهة الانتخابات يجب أن تكون شعار الحزب الوطني قبل الأحزاب الأخري، وأن يضعها في برامجه وخططه وتحركاته، وأن يغلق أبواب المزايدة عليها والمتاجرة بشعاراتها، والحزب الواثق من نفسه ومن أعضائه هو الذي يقوي ويكسب كلما اشتدت المنافسة العادلة.
المنافسة هي التي تخلق الحماس وتفجر الطاقات وتحفز العقول والهمم، وتجعل الأحزاب في حالة استنفار لخوض المعارك والتحديات، وهي التي تستدعي أوراق القوة وروح الانتصار، وتجعل الحزب يقف صفا واحدا وراء مرشحيه، ليحققوا الأغلبية المريحة.
هذه بديهيات وقواعد عامة يجب أن تحكم المعركة الانتخابية القادمة، والتي تدخل مرحلة السخونة تدريجيا.. ولكن انتخابات هذا العام لها خصوصية تتميز بها عن أية انتخابات سابقة.
1 - كثرة المرشحين هي مشكلة الحزب الوطني
هذا التنافس الشرس داخل الحزب نفسه يرجع بالدرجة الأولي إلي التغيير الكبير في عضوية الحزب، وفي نوعيات الأعضاء الجدد ونظام الانتخابات الذي يطبق لأول مرة ابتداء من الوحدات القاعدية حتي المستويات القيادية:
فقد ساعدت حركة التطوير والتحديث التي شهدها الحزب في السنوات الخمس الأخيرة في جذب عضوية من نوع جديد، وأعداد كبيرة من «كريمة» المجتمع في المدن والقري والمراكز، مثل أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والعمال والفلاحين وغيرهم، وارتفع سقف طموح هذه الفئات للترقي والصعود داخل التنظيم الحزبي.
شهد الحزب انتخابات شفافة ونزيهة، جعلت الأعضاء الفائزين يدينون بالولاء في فوزهم إلي شعبيتهم واتصالهم بالجماهير، وليس للواسطة أو المحسوبية، واتسعت دائرة الطموح لتكرار نفس التجربة في انتخابات مجلس الشعب.
أصبحت الفروق بين الفائزين في المجمعات الانتخابية ضئيلة جدا، مما يحفز كثيرا من الأعضاء الذين لا يختارهم الحزب علي قوائمه، لأن يفكروا في خوض الانتخابات كمستقلين، مادامت فرص النجاح قائمة بالنسبة لهم.
المشكلة المكررة والمعادة التي سيواجهها الحزب الوطني في الانتخابات القادمة هي كثرة عدد المرشحين من أبناء الحزب الوطني الذين يخوضون الانتخابات كمستقلين، ما بين «الالتزام الحزبي» و«الطموح السياسي»، يجد الحزب الوطني نفسه في منطقة يصعب معها «الفصل» أو «التسامح».
2 - المشاركة هي الضمانة الأولي للنزاهة
كثرة عدد المرشحين الذين يتنافسون علي كل مقعد برلماني هي الضمانة الأهم لنزاهة الانتخابات.. لأن كل مرشح سوف يحشد أنصاره ومؤيديه ليراقبوا الصناديق والبطاقات، والعيون المفتوحة سوف تحول كثيرا دون تسويد البطاقات أو ملء الصناديق بأسماء وهمية.. وانتخابات مجلس الشعب بالذات يصعب تزويرها أو اللعب في نتائجها.
الشيء الذي يميز انتخابات مجلس الشعب - أيضا - أن الناخبين لا يصوتون في الغالب علي أساس حزبي، ولكن بمدي معرفتهم بالمرشح وخدماته التي يؤديها لأبناء الدائرة وتواجده بينهم، وتأتي برامج الأحزاب في المرتبة الثانية، وربما لا يكون لها أي أهمية في الدوائر التي تسيطر فيها العصبيات والعائلات، عائلة ضد عائلة، وقرية ضد قرية، وسوف تشهد انتخابات هذا العام تفتيتا لأصوات بعض العائلات والدوائر، نتيجة تنافس أكثر من مرشح من نفس العائلة.
في هذه الحالة لا ينظر الناخب إلي الهوية السياسية للمرشح، وطني أو وفدي أو ناصري أو مستقل، وتتغلب العوامل الشخصية علي البرامج السياسية، مما يجعل عملية التزوير صعبة، بل مستحيلة، ولكن الذي يثير الشكوك هو أن الخاسر حتي لو كان من الحزب الوطني لن يجد شماعة أفضل من ادعاء التزوير.
3 - المقاطعة مسمار في نعش الأحزاب
تجربة الوفد تقول ذلك، فبعد انتخابات سنة 84 التي حقق فيها 34 مقعدا، أدت المقاطعة إلي تجفيف قنوات الاتصال بين الحزب والجماهير، لأن انتخابات مجلس الشعب بالذات هي الدوري الساخن الذي يلعب فيه كل حزب بأفضل تشكيلة، ويقوم بتجهيز أوراقه القوية وعناصره المؤثرة.
الأحزاب تستطيع أن تكون عينا ساهرة علي نزاهة الانتخابات، فهي صاحبة المصلحة الحقيقية في الحصول علي أصوات الناخبين، وهي التي تمتلك المقار والصحف والتنظيم لمساندة مرشحيها والوقوف خلفهم، والدفاع عنهم إذا حدثت أية تجاوزات في دوائرهم. المقاطعة هي أقصر طريق إلي النسيان، وإذا كان أمام المعارضة مسرح وجماهير تتشوق لمشاهدة المعركة الانتخابية والمشاركة فيها، فلماذا لا تستثمر الفرصة وتستفيد من التغطية الإعلامية الهائلة في موسم انتخابات مجلس الشعب للتعريف بها وشرح برامجها وتقديم مرشحيها، بدلا من أن تغلق مقارها وتطفئ أنوارها، وتعلق شكاواها علي جدران المقاطعة؟
4 - القائمة النسبية أفضل من الفردي
من أهم عيوب القوائم أنها تحرم الغالبية العظمي من الأحزاب التي ليس لديها إمكانيات مادية وبشرية ضخمة من التواجد في البرلمان.. وهي في نفس الوقت لن تفرز حياة حزبية سليمة إلا إذا قويت الأحزاب وأصبح لها تواجد في الشارع السياسي يساعد علي فوزها ببعض المقاعد.
غير ذلك فمزايا القوائم النسبية كثيرة، وأهمها أنها ترسخ مبدأ الالتزام الحزبي، وتعيد السيطرة والقوة للأحزاب في مواجهة أعضائها، وتمنع ظاهرة الانشقاقات الحزبية والخروج علي الالتزام الحزبي، وتعيد صياغة الحياة الحزبية بمفاهيم وبرامج وسياسات محددة.
حتي يؤتي نظام القوائم النسبية ثماره، لابد من تحصينه بضوابط قانونية تمنع اختراق الأحزاب سواء بالمال أو عن طريق الجماعات الدينية أو التي تعمل خارج إطار الشرعية، وقد سبق للجماعة المحظورة محاولة شراء بعض الأحزاب، عندما كان نظام القوائم معمولا به في انتخابات التسعينيات.
لم يعد مناسبا الآن شغل الأذهان بالحديث عن القوائم النسبية، حيث لا يسمح الوقت حتي بصدور قانون بقرار جمهوري لتعديل النظام الفردي إلي القوائم، ولكن يمكن تهيئة الأجواء السياسية والحزبية والقانونية للعمل بهذا النظام في انتخابات 2015. أحيانا وأحياكم الله.
5 - هل توجد ضمانات كافية؟
نزاهة الانتخابات مسئولية كبري وفي رقبتنا جميعا، والبداية هي أن يتسلح المتنافسون بإرادة قوية ونوايا طيبة لبدء مرحلة جديدة عنوانها النزاهة والشفافية والإفصاح، وهي ليست شعارات أو مزايدات، ولكنها ضرورات يفرضها الواقع الذي يؤكد أن مصر تغيرت، وتخطو خطوات سريعة نحو نظام ديمقراطي يحقق طموحات الأحزاب والقوي السياسية.
لن يتحقق ذلك مع زيادة حملات التشكيك في انتخابات مجلس الشعب قبل أن تبدأ، وخلق أجواء من عدم الثقة، تصيب الناخبين باليأس والإحباط وتقنعهم بعدم المشاركة، وبالتالي فنحن ندور في نفس الدائرة المفرغة، لأن الانتخابات لن تكون نزيهة إلا بالمشاركة الجماهيرية الكبيرة، التي تجعل لكل صوت انتخابي دورا وقيمة.
السؤال هنا: هل الهدف هو الوصول إلي نزاهة الانتخابات؟.. أم النقد والتشكيك والهجوم، ونفس المفردات الأخري التي نسمعها منذ أن عرفت مصر النظام الانتخابي، وكأن عجلة الزمن لا تدور.. وهل من مصلحة المعارضة أن تحصل علي حقها المشروع في انتخابات تعكس الإرادة الحقيقية للناخبين، أم تكتفي بالصراخ والتهديد بالمقاطعة؟ وهل توجد الضمانات القانونية والدستورية الكافية لتحقيق ذلك؟
6 - النصوص وحدها لا تخلق انتخابات نزيهة
ليس مفيدا - أيضا - البكاء علي أطلال المادة «88» المعدلة دستوريا، والزعم بأنه لن تكون هناك انتخابات نزيهة في مصر إذا لم يجلس قاض علي كل صندوق، فالواقع يقول إن الدستور لن يتم تعديله وإن الانتخابات ستتم وفقا للنظام الحالي، وأهم من هذا وذاك هو تفعيل النصوص وخلق آليات لها، لأن النصوص مهما كانت عظيمة ورفيعة المستوي، فلن تخلق انتخابات نزيهة، إلا إذا ارتفعت التصرفات إلي مستوي النص.
وفقا للدستور يجب إعطاء الصلاحيات والسلطات الكاملة للجنة العليا المشرفة علي الانتخابات البرلمانية، وبالمناسبة فهي لجنة صورة طبق الأصل مما هو معمول به في الهند، حيث تستعين اللجنة بخمسة ملايين موظف للإشراف علي الانتخابات التي لا يشكو أحد من تزويرها بعكس ما يحدث في مصر.
اللجنة الهندية تدير جميع أوجه عمليات الانتخابات، وتحديث الجداول والإشراف علي تسمية المرشحين وتسجيل الأحزاب ومراقبة الحملات الانتخابية، وتشرف اللجنة علي جميع أجهزة الإدارة والحكومة أثناء الانتخابات، بما في ذلك قوات الشرطة وجميع أملاك الدولة، ولا يحصن الدستور قراراتها من الطعن أمام المحاكم.
ليس صحيحا بالمرة أن الأخذ بهذا النظام يلغي دور الإشراف القضائي علي العملية الانتخابية، ولا يمس - أيضا - دور القاضي في الفصل في المنازعات المتعلقة بالانتخابات، بل إن تعديل هذه المادة يسمح بمواجهة التزايد المطرد في أعداد الناخبين، وتمكين أعضاء الهيئات القضائية من الإشراف علي الانتخابات.
7 - إعادة الهيبة والاحترام للهيئة القضائية
لجنة الإشراف علي الانتخابات البرلمانية تضم في عضويتها شخصيات قضائية وعامة هي الأفضل في مواقعها، خصوصا القضاة الذين يتم اختيارهم بالأقدمية والكفاءة.. والمعروف أن اللجنة تتكون من 11 عضوا هم رئيسا محكمتي استئناف القاهرة والإسكندرية وأحد نواب كل من محكمة النقض ومجلس الدولة، والسبعة الآخرون هم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف ونواب رئيس محكمة النقض السابقين، وأربعة من الشخصيات العامة المشهود لهم بالحياد، وغير المنتمين للأحزاب السياسية.
تختص اللجنة بإعداد الجداول ومراجعتها وتنقيتها، وتقوم بتشكيل اللجان العامة ولجان الاقتراع والفرز، واقتراح قواعد تحديد الدوائر الانتخابية.. وتضع القواعد المنظمة للدعاية الانتخابية، وتتضمن حظر استخدام شعارات أو رموز أو أنشطة لها مرجعية دينية أو علي أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل.
تشرف اللجنة علي الانتخابات من الألف إلي الياء: الشكاوي، الالتزام بمواثيق الشرف، إعلان النتائج، وضع قواعد مشاركة المجتمع المدني في متابعة عمليات الاقتراع والفرز، ومن حق اللجنة أن تشطب المرشح الذي يخالف الدعاية مادام لا يلتزم بالأنشطة التي يجيزها القانون، أو القرارات التي تصدرها اللجنة العليا للانتخابات.
هذه التعديلات استهدفت إعادة الهيبة والوقار والاحترام للهيئة القضائية بعد التجاوزات الخطيرة التي وقعت في حقهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتحقق في نفس الوقت إشرافا قضائيا مناسبا لضمان نزاهة الانتخابات، إذا ما تم تفعيل هذه النصوص، وإعطاء اللجنة الصلاحيات والسلطات الكاملة للقيام بعملها.
8 - أعظم شيوخ القضاة في مصر
أعضاء اللجنة هم أفضل وأعظم شيوخ القضاة في مصر، بجانب أربعة من الشخصيات العامة من أصحاب الصفحات الناصعة، كما أن الطعن في الانتخابات واللجوء إلي القضاء هو حق دستوري مُحصن، ويحقق الفصل بين سلطات القضاة في إصدار الأحكام القضائية وبين القرارات الإدارية الصادرة بمناسبة إشرافهم علي الانتخابات.
لقد أدي انغماس القضاة في الحياة السياسية إلي وقوع صراعات كثيرة بين أعضاء الهيئة القضائية بعضهم البعض، وصلت إلي حد اتهامات متبادلة بالتزوير وغيرها من التسميات الشاذة مثل «قضاة الاستقلال» و«قضاة الحكومة»، وترك القضاة منصات العدالة إلي الشارع والمظاهرات، والاحتجاجات والاعتصامات، وغيرها من السلوكيات التي لم تحدث من قبل في تاريخ مصر.
نزاهة الانتخابات يمكن أن تتحقق دون هدم السلطة القضائية وتقويض أركانها، ودون تشويه سمعة القضاة التي تؤدي في النهاية إلي التشكيك في نزاهتهم، سواء في الأحكام القضائية أو في الانتخابات نفسها، وكان لابد من إعادة الأمور إلي نصابها الصحيح.
نزاهة الانتخابات ليست نزهة، ولا تتحقق بالشعارات البراقة والخطب الحماسية، ولا تأتي - أيضا - بالإصرار علي نفس الأخطاء التي تشوه الانتخابات وتنال من صورة مصر في الداخل والخارج.
نزاهة الانتخابات هدف سامٍ ونبيل، ولن تتحقق ديمقراطية ولا تقدم ولا ازدهار، إلا من هنا، من الصندوق الانتخابي الذي يعكس الإرادة الحقيقية للناخبين.. هكذا فعلت كل الدول التي سبقتنا.


كرم جبر