الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

هناء عبيد: «الربيع العربي» خراباً ودماراً همش القضية الفلسطينية





 
الكاتبة هناء عبيد ... مبدعة فلسطينية مزجت بين عشقها للهندسة وموهبتها الأدبية في كتابة القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والمقال ... شغفها بالتعرف علي العالم الآخر، كان سببا لاغترابها بأمريكا وتحديدا شيكاغو التي تحتضن كل جاليات العالم، وتتيح لها الاحتكاك بمعظم ثقافة وعادات وتقاليد الشعوب ... عاشت الاغتراب بوجهيه المظلم والمضيء، تحدثت إلينا عن الاغتراب ومشاعر الحنين للوطن والكتابة ورأيها في الربيع العربي... في هذا الحوار:
 
 
■ لماذا كانت الهجرة إلي أمريكا؟
 
 
 
- ربما أعزي ذلك إلي طموحي غير المحدود، إذ كلما وصلت إلي محطة أجدني أريد الانتقال إلي محطة أخري، فبعد أن أنهيت دراستي الجامعية وحصلت علي درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية، كان يراودي حلم بإنشاء مكتب هندسي خاص بي، وبفضل الله تعالي ثم إصراري واجتهادي قمت بتحقيق هذا الحلم، لأجد أحلامي تتجدد وتحثني علي السعي لنيل درجة الماجستير في الهندسة، وهنا كانت البداية في التفكير الحقيقي في الهجرة إلي الولايات المتحدة الأمريكية بقصد إكمال دراساتي العليا هناك، ولأحقق حلما كان يراودني منذ صغري، فقد كنت شغوفة جدا بالتعرف علي العالم الآخر الذي كان يتمثل لي في أمريكا، التي لم أكن أعرف عنها شيئا سوي ما كنت أشاهده من خلال شاشة التليفزيون، أو من خلال قصص المهاجرين التي كانوا يروونها عند زيارتهم للوطن والتي كنت أستمع إليها بكل إصغاء، وأيضا من خلال المسلسلات الأمريكية التي كان لها النصيب الأكبر عندي في المشاهدة. وربما كان تفكيري أمرا عاديا في ذلك الوقت فقد كان الجميع يحلم بالهجرة إلي أمريكا «أرض الأحلام» كما يحلو للبعض أن يطلق عليها، فكان لي ما أردت. ولا أنكر أنه بالرغم من أن رحلتي كانت بقصد الدراسة، إلا أنني كنت أكثر شغفا بالتعرف علي هذا العالم عن قرب، ربما ليس إعجابا به بقدر ما هو فضول للتعرف علي مكنون هذه البقاع الموجودة علي الجانب الآخر من الأرض، وزيارة مدنها التي طالما كان يشدني معمارها العصري الذي كان يتراءي لي وكأنه لوحة فنية متقنة الصنع، إضافة أيضا إلي فضولي بالتعرف علي شعوبها المختلفة الثقافة عن كثب.
 
 
 
■ ماذا أعطاك المنفي وماذا أخذ منك؟
 
 
 
- كما نقول دوما، للقمر وجهان، وجه مظلم وآخر مضيء، وهكذا كانت رحلتي إلي أمريكا، لقد كانت اقامتي في دولة من اكبر وأقوي دول العالم أثرها الكبير في صقل شخصيتي بلا أدني شك، وذلك من خلال الاستزادة بثقافة متفردة، حيث المعلومات والخبرات عن شعوب العالم بأسرها، خصوصا وأنني أقمت في مدينة شيكاغو التي تتميز عن باقي مدن أمريكا باحتضانها كل جاليات العالم، وبالتالي تعرفت علي معظم ثقافة وعادات وتقاليد الشعوب، بل تعرفت أيضا علي مزاجاتهم المختلفة، إضافة إلي تحقيق الكثير من هواياتي، والتي منها هواية التمتع بمشاهدة الطبيعة الخلابة، التي تتميز بها شيكاغو، كما أتيحت لي الفرصة للتعرف علي جوانب الثقافة المختلفة في شيكاغو، فهي مدينة تكثر فيها الجامعات والمتاحف الثقافية والمسارح بشتي أنواعها. وإن اختصرت الكلام فسأقول بأنني أشعر وكأنني عشت من خلال تواجدي في أمريكا في كل بقاع الأرض، وهذه ربما من أثمن الفرص التي أتيحت لي خاصة أن لي فضول بالتعرف علي شعوب وبقاع الأرض كافة.
 
 
 
أما ماذا أخذ مني المنفي فقد أخذ الكثير، فقد افتقدت اللمة الحلوة، افتقدت بركة تقبيل يدي الوالدة كل صباح، والاستمتاع بوجهها الصبوح، سرقت مني أياما من الشعور بدفء وحنان الوالد رحمه الله الذي فارقني إلي الأبد وأنا بعيدة عنه، وبالتالي حرمت من قضاء الأوقات الجميلة معه والاستمتاع بضحكته المميزة وروحه المرحة التي كانت تشرق أيامي. فاتتني المناسبات الجميلة التي تلم شمل العائلة، افتقدت نسمات بلادي العربية الأصيلة. لكن كما قلنا لا بد لخياراتنا أن يكون فيها الجانب الإيجابي والآخر السلبي.
 
 
 
■ تكتبين القصة القصيرة وقصيدة النثر والمقالة .. أين تجدين نفسك أكثر؟
 
 
 
- لكل لون مذاقه الخاص، وقد لا أميز نوعا عن الآخر في أفضليته، لكن الظروف أحيانا هي التي تجعلني أفضل لونا عن الآخر، فأجده الأقرب إلي نفسي دون شعور. فمثلا عندما تنتابني حالة من الاستفزاز أو النفور بسبب حدث معين، أجد أن المقالة هي الأقرب إلي اختياري، حيث السهولة في تجسيد الحدث وسرعة صب الغضب وتحرير النفس من انحباسها، لكن التجارب الإنسانية التي تصادفني أو حين عودة الذاكرة إلي أمكنة وأزمنة أعشقها، فإنني أجدني أخوض في غمار مشاعر وأحاسيس إنسانية أسردها من خلال قصة تتنقل بين أماكن ربما كانت قد أثرت الخيال بسحرها أو لمساتها في يوم ما، وأتجول عبر أزمنة حفرت أو ستحفر لها مكانا مميزا في الذاكرة. فلكل ظرف ولكل حدث هناك ما يناسبه من ألوان الأدب الذي يفرض نفسه علي دون شعور.
 
 
 
■ بين الوطن والغربة مسافة من الحنين واللغة والدموع .. كيف تلمسين تلك التفاصيل؟
 
 
 
- قد لا أبالغ عندما أقول إن هذه التفاصيل ألمسها في كل صغيرة وكبيرة تحيط بي، فعندما أري شجرة تحضر إلي مخيلتي شجرة الزيتون وجذورها المتعمقة في الأرض وفي وجداننا، ولا يمر طير يحلق حرا في السماء إلا ويتبادر إلي ذهني طيف حمامة السلام المذبوحة، في روتين أيامي وبينما أشاهد نشرة الأخبار تكون كل مشاعري حاضرة وأذني كلها إصغاء، فقد يتبدل الحال وأستمع إلي خبر سعيد يقلص المسافة بيني وبين الوطن والأهل، حتي عند تناولي لأي طعام يأخذني الحنين إلي رائحة الزعتر، و طعم زيت بلادنا الأصيل، وللرقصات الشعبية دورها في امتثال الدبكة الفلسطينية أمام ناظري. حتي خزانة الملابس كم كان لها دور في زيارة طيف جدتي لي بثوبها المطرز الذي كثيرا ما كنت أشاغبها لأتمكن من ارتدائه. كل التفاصيل صغيرها وكبيرها بلا استثناء يأخذني إلي أصالة وتراث الوطن. الوطن اختلط في دمائي كما الجينات التي نتوارثها عن أجدادنا وآبائنا، شئنا أم أبينا سيظل الوطن ملازما لنا كما نبضات القلب طالما بقينا علي قيد الحياة..
 
 
 
■ ما تأثير الهندسة علي نصوصك؟
 
 
 
- قد يكون للهندسة تأثير غير مباشر علي محتوي نصوصي، لكن ربما ليس كمادة درستها إنما كمهنة مارستها، حيث فرضت علي بيئة معينة وجعلتني أتعامل مع خليط محدد من الناس، كما تعرضت من خلالها الي ظروف قد لا أصادفها الا في هذا المجال. وكل تجربة يكون لها أثرها علي شخصيتنا دون أن نشعر أحيانا، وينعكس ذلك بالطبع علي كتابتنا التي هي أصلا مرآة تعكس شخصيتنا. أما لو سألتني عن تأثير الهندسة كمادة دراسية وخامة فأظنني لن أجد علاقة تربطها بالأدب، خاصة الفرع المدني منها والذي أجده يمتاز بالجمود حيث المواد الصلبة والخرسانه المسلحة التي لا يمكن الربط بينها وبين أي مشاعر.
 
 
 
■ تحملين القضية الفلسطينية في المنفي .. فهل الكتابة لديك بحث عن الهوية؟
 
 
 
- هويتي هي جينات تختلط في دمائي، ونسيم عليل ينعش روحي، فكيف لي إذن أن أبحث عن هويتي. مهما كبرت المسافات التي تبعدنا عن وطننا فإن ذلك لن يزيدنا إلا التصاقا بالأرض والجذور، ربما الكتابة تظهر ملامح هويتي، وتبين مدي التحامي بها. فالهوية جدتي وثوبها المطرز، أرض الزيتون المباركة، معول جدي، قدسنا الشريف، الصلاة في أقصانا، لغتي العربية ولهجتي الفلسطينية المميزة. كيف لهذه الهوية أن تضيع وهي محفوظة في وجداننا ومرتسمة في مقلنا . لن تضيع الهوية أبدا، لهذا لن تكون الكتابة أو غيرها وسيلة في يوم ما للبحث عنها.
 
 
 
■ كيف تقيمين المشهد الثقافي الفلسطيني؟ ومدي تواصلك معه؟
 
 
 
- الموضوع مهم وطويل ومتشعب لكن سأختصره من وجهة نظري بعيدا عن منظور السياسة، لأن البعض يعتبر أن المشهد الثقافي الفلسطيني أصبح واجهة سياسية رسمية تتحدث بلسان بعض الاتجاهات، لهذا فأنا سآخد الموضوع من وجهة نظري المتواضعة حيث أراه مشهدا التف بالوطن والغربة والمنفي وعشق الأرض والمقاومة ليصبح خير متحدث بلسان الفلسطيني في أرض الشتات، وسفيرا لنقل القضية الفلسطينة إلي حدود أوسع، وممثل حقيقي لمعاناة الشعب الفلسطيني. وقد لمعت أسماء فلسطينية تركت وستترك بصمة متفردة، وأخذت حيزا مميزا في عالم الأدب والثقافة. من هذه الأسماء الشاعر محمود درويش الذي لامست كلماته وجدان كل عربي . ناجي العلي التي سطرت ريشته تاريخا حافلا من النضال الفلسطيني وسجلت معاناة الشعب الفلسطيني في أرض الشتات بل كانت سوطا لاذعا لبعض القيادات الفلسطينية. وأسماء كثيرة أذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر، غسان كنفاني، سميح القاسم، ابراهيم طوقان . فدوي طوقان، كلها نجوم وشموس أضاءت السماء بإبداعاتها. وما زالت الأرض تجود بعطائها . فأسماء الأديبات والأدباء الفلسطينيين اللامعة تضيء كل الصفحات الأدبية والثقافية.
 
 
 
ولا أجد أن المسافات الشاسعة قد حالت بيني وبين التواصل مع الثقافة الفلسطينية. الاتصال روحيا قبل كل شيء، كما أن وسائل الاتصال الالكتروني كان لها الدور الكبير في بناء جسور التواصل مع زمرة الأدباء والفنانين والمثقفين الفلسطينيين الذين أعتبرهم فخرا لي ولفلسطين بل فخرا للأمة العربية جمعاء.
 
 
 
■ كيف ينظر الأمريكان إلي ثورات الربيع العربي؟
 
 
 
- كما دائما عندما نتكلم عن الأمريكان لا بد أن نحدد أي الفئات التي نتحدث عنها. فالمجتمع الأمريكي خليط لا حصر له من الثقافات والأفكار والمبادئ المختلفة، لا أستطيع أن اعمم الكلام فكل شريحة تختلف عن غيرها.  هناك مثلا طبقة المثقفين المتابعين للأحداث في وطننا العربي، والذين تختلف وجهات نظرهم في موضوع الربيع العربي. فمنهم مثلا من يؤيد هذه الثورات، ومنهم من يري بأنها مخططات لتفتيت الأمة العربية، ومنهم من يساندها تشجيعا للديمقراطية وتحرير الشعوب من نير الظلم وإفشاء العدالة.
 
 
 
أما عامة الشعب المتواضع الثقافة فلربما لا يعلم شيئا عن هذه الثورات الا بما يسمعه من وسائل الإعلام وبالتالي فإن رأيه يتوجه حسب وسيلة الإعلام التي يشاهدها.
 
 
 
■ كيف تتأملين الربيع العربي بعيون المبدعة وتأثيره علي القضية الفلسطينية؟
 
 
 
- أتمني أن تكون وجهة نظري خاطئة، فأنا أتمني كل الخير لبلادنا الإسلامية والعربية، وأن يتنفس الشعب المغلوب علي أمره الصعداء، ويعيش في سلام وأمن في بلاده التي من الواجب أن تكون حضنه الأمين، وألا تضيع دماء الشهداء هدرا لأنني وبكل أسف، لا أري ربيعا عربيا بل خرابا ودمارا ودماء تملأ الشوارع، وفتنة تنتشر هنا وهناك بين أبناء الشعب الواحد. وما أراه أن ما يحدث حاليا علي أرض بلادنا كان له أثره السلبي علي القضية الفلسطينية، حيث شدت الأنظار الي هذه الثورات لتصبح القضية الفلسطينية قضية مهمشة علي الجانب، ولم تعد القضية الأساس الأم كما كانت في السابق. لكن لعل الأيام المقبلة تفاجئنا بثمار طيبة تأكل منها .كل شعوب أمتنا الإسلامية والعربية علي السواء إن شاء الله.