الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
وجيعة الرغيف المدعوم!
كتب

وجيعة الرغيف المدعوم!




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 22 - 08 - 2010


لماذا أصبح طعمه سيئاً ورائحته معدومة؟


(1)


أدعوك كي تتأمل رغيف الخبز المدعوم، أبوخمسة قروش، حاله يصعب علي الكافر، طعمه فيه حاجة غريبة، لو أكلته حاف «يموع» النفس، وبغموس يفسد الطعام.


لو وضعت فيه قرصين طعمية ساخنين، يضيع مذاقهما الجميل ويقضي علي حلاوة مذاق الفول والبامية والملوخية، الشيء الوحيد الذي يصلح معه هو الملوحة الحادقة القادمة من الصعيد.
بالضبط زي ما يكون رغيف لتعليم الناس الإقلاع عن تناول الخبز، علي غرار سجاير المنع من التدخين، وحبوب «سد النفس» اللازمة للتخسيس.
(2)
زمان، كان هذا الرغيف يخرج من الفرن بيتدلع، وشه مورد زي بنت 16، وظهره مفرود ومستوي، والآن وشه أصفر أو محروق وظهره معجِّن.
زمان كنت تشم رائحة الرغيف علي بعد أمتار، مدعوم مدعوم ولكن زي الوردة إذا ذبلت ففيها الرائحة الحلوة.. الآن الرغيف مثل الورد بدون رائحة حتي إذا لم يذبل.
الغلط فين؟ في الدقيق أم القمح، أم الأفران أم طريقة الخبز؟ هل يضيفون كمية أكبر علي العجينة من المياه والملح لزيادة الوزن؟
(3)
الرغيف أبوربع جنيه وأخوه أبوخمسين قرش لاتحدث معهما هذه البهدلة، يمكن أن تشتريه وتقسمه أربع قطع، تأكل ما تحتاجه وتحتفظ بالباقي.
الرغيف المدعوم مثل عود الكبريت الذي يولع مرة واحدة، وإذا وضعته في الثلاجة يخرج كئيباً حزيناً، لا يصلح للتسخين ولا الكي.
الأفران هي التي أهانت الرغيف المدعوم، رغم أنه الدجاجة التي تبيض لها ذهباً، ومن مصلحتها أن تسوء أحواله وتتدهور قيمته ففي ذلك مكسب لها.
(4)
بيع الدقيق في السوق السوداء يدر ربحاً خيالياً علي أصحاب الأفران أكثرمن خبزه، فرق الشوال 50 جنيهاً علي الأقل × 50 شوالاً يساوي 2500 جنيه في اليوم الواحد.
تحويل الدقيق إلي خبز عملية تجيب الصداع، تموين ورقابة وصحة وقضية أمن دولة، صحيح أنها تنتهي بالتصالح، ولكن «الباب اللي يجيلك منه الريح».
سوء الصنعة هو السبب الرئيسي لزيادة الاستهلاك، واستنزاف المليارات والشحططة للحصول علي القمح من روسيا لأمريكا لأوكرانيا لفرنسا وغيرها.
(5)
نحن أكبر شعب في العالم يستهلك الخبز، ونحن أكبر شعب في العالم يسيء استخدام الخبز، ففي كل الدول يتعاملون معه بتقدير واحترام.. إلا نحن.
الكميات التي ترمي في الزبالة أكبر مما يتم تناوله لأن الجنيه الذي لا يشتري سيجارتين يساوي قفص عيش فيه 20 رغيفاً.
لماذا نحافظ عليه، مادام سيئاً ورخيصاً، وتذهب كميات كبيرة منه إلي علف الحيوانات والدواجن، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نوفر في الخبز ونشتري الأعلاف؟
(6)
إذن علاج أزمة القمح يبدأ من هنا، من الأفران والمستودعات والمخازن، وإحكام الرقابة علي عملية إنتاج الرغيف، لنوفر 35% علي الأقل من الإهدار اليومي المتعمد.
هذا ليس معناه تحريك السعر، وأن كنت مع رفعه إلي عشرة قروش للرغيف وتحسين مواصفاته وتعويض المستحقين بنفس قيمة الوفر الذي يحدث.
الأفران هي سبب المأساة في ظل غيبة الضمير وسيادة الجشع واستحلال الحرام، ولا حل لهذه المشكلة إلا بإعطاء تراخيص لإنشاء أفران مصرية حديثة بضوابط مشددة.
(7)
حرام ما يحدث بالنسبة لرغيف الخبز المدعوم لأن المتضرر الأول من ذلك هو الدولة التي تقتطع من ميزانيتها المليارات، ثم المواطن الذي يشتريه مضطراً.
صاحب الفرن كالمنشار المتعدد، فهو يكسب أكبر إذا باع الدقيق في السوق السوداء، ويكسب أكثر وأكثر إذا تلف الخبز وباعه بالكيلو كأعلاف.
كلمة «ترشيد الاستهلاك» أصبحت في مصر من المحظورات.. حرام علينا ما نفعله بأنفسنا وبمواردنا المحدودة، يمكن أن نصبح أفضل بكثير.


E-Mail : [email protected]