الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الفن أمام المحكمة
كتب

الفن أمام المحكمة




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 23 - 08 - 2010


المسلسلات أصبحت صاخبة مثل «التوك شو»


(1)


أحفاد «شيخ العرب همام» غاضبون وقدموا بلاغاً للنائب العام لوقف إذاعة المسلسل الذي يحمل نفس الاسم، ويرون أنه يسئ لسمعة جدهم الكبير ويطلبون وقفه فوراً، ومازال البلاغ منظوراً أمام النيابة.


امتدت نفس العدوي لمسلسلات «الجماعة» و«بالشمع الأحمر» وأيضا «زهرة وأزواجها الخمسة»، حيث تحتج ممرضات مصر علي الإساءة لسمعتهن، وقررن تنظيم وقفة احتجاجية أمام النقابة لإعلان الغضب والاعتراض علي المسلسل.
الصعايدة - أيضاً - من حقهم أن يغضبوا، بعد أن صورتهم بعض المسلسلات «موعد مع الوحوش» و«مملكة الجبل» قتلة ومجرمين وتجار مخدرات، ويحرقون خصومهم أحياء أو يطلقون عليهم الكلاب المتوحشة.
(2)
امتد الغضب إلي البرامج الحوارية، التي جعلت الشهر الكريم مسرحاً للنميمة والقذف والسب وخدش الحياء والعبارات الفاضحة، ويفكر مرتضي منصور في غلق قناة «القاهرة والناس» مثلما فعل مع شوبير.
صحيح أن القضايا مختلفة ما بين الخيال والرؤية الدرامية كما في المسلسلات، وبين الآراء الجارحة والأسئلة المحرجة في البرامج الحوارية.. ولكن النتيجة واحدة وهي كثرة الغاضبين من برامج رمضان.
الجديد هو اللجوء إلي النيابات والمحاكم والوقفات الاحتجاجية وتراجع مساحات التسامح المجتمعي الذي يعلي قيمة الحوار والوعي ويثري الثقافة والفن، واللجوء إلي سلاح مرهق للطرفين.
(3)
أصعب شيء هو الوقوف أمام المحاكم والنيابات، لمحاكمة الفن والفنانين، بنفس النصوص التي تطبق علي المجرمين أو المتهمين في قضايا يعاقب عليها القانون الجنائي، سواء بالحبس أو الغرامة.
«أنت متهم بالإساءة إلي سيرة الشيخ»، «أنت متهم بتشويه سمعة فلان»، «أنت متهم»، «أنت متهم»، وغيرها من الاتهامات التي تصعب الإجابة عنها وتشيع مناخاً من التوتر وعدم الارتياح.
لم يسبق في أي فترة سابقة، أن كانت هذه القضايا بمثل هذا الكم الكبير، ولا يوجد عمل فني واحد إلا ويطارده بلاغ أو قضية، وهي مسألة تقتل الفن وتُحبط الفنانين.
(4)
أين الخطأ؟ أولاً: لأن الأعمال الفنية الآن تتم بطريقة برامج «التوك شو»، وتتناول قضايا وأسماء بعينها، ولا تغلف هموم المجتمع ومشاكله برداء الفن الأصيل الذي يحميها ويحفظها علي مر الزمن.
ثانياً: لأن الكتابة تلجأ إلي الاستسهال والسرد، بدلاً من التعمق والفكر، ولا أريد المقارنة بين ما نشاهده وروايات نجيب محفوظ عن «الحارة والفتوات» مثلاً، حتي لا نؤرق كاتبنا الكبير في تربته.
ثالثاً: «الشطشطة» والبهارات، مثلما نري في المسلسلات التي تحاول جذب المشاهدين، بحشد أقصي درجات العنف والعري، فهما العنصران الجاذبان، للمشاهدين والإعلانات.
(5)
نحن إذن أمام مرحلة جديدة عنوانها «الفن في المحكمة»، ونجومها المحامون، سواء الجادون أو الذين يسعون إلي الشهرة، وينقسم المجتمع ما بين مؤيد ومعارض لمثل هذه القضايا.
المؤيدون يرون أن مهمة الفن هي رصد الواقع وتقديمه للناس دون تشويه أو إساءة لأشخاص أو فئات، كأن يصف فئة ما بالنصب أو أي أوصاف أخري يعاقب عليها القانون.
المعارضون يرددون نفس المبررات التي تتمسك بحق المواطن في المعرفة، وحق الفنان في الإبداع، وأن الفن لا يزدهر إلا في مناخ الحرية وإعمال العقل وإخماد الفن والتوتر.
(6)
اللجوء إلي القضاء حق مشروع للجميع، وحرية التفكير أيضًا حق مشروع، ولكن يجب أن نفرق بين شيئين: الأول هو توثيق الأحداث التاريخية والثاني هو الدراما الفنية.
في التوثيق يجب تحري أقصي درجات الدقة التاريخية، وألا ينحاز المؤلف ضد شخص أو جماعة أو فئة، وأن يكون أميناً وعادلاً في رصد الأحداث وتوثيقها.
في الأعمال الدرامية، من حق المؤلف أن يطلق العنان لفكره وخياله حتي يصل إلي قمة عناصر الجذب والتشويق التي تجعل العمل ممتعاً وجاذباً.
(7)
أحكام القضاء المصري في هذا الشأن تنحاز دائماً لحرية الفكر والإبداع، وتُُعلي قيمة وحق الإنسان في المعرفة، وهي في النهاية الحكم الذي يلجأ إليه الجميع لنيل حقوقهم.
لا خوف من أحكام القضاء، لأنها تضع الأمور في نصابها الصحيح، ولكن عملية التقاضي نفسها مرهقة ومتعبة ونفقاتها باهظة وتأخذ وقتاً طويلاً.
هل يكون بديل التقاضي هو الحق في الرد والتصويت كما يحدث في الصحف، ولكن كيف يكون ذلك، وهل تخصص حلقات للرد والتعقيب في نهاية المسلسل أو البرنامج الحواري؟


E-Mail: [email protected]