السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الكهرباء والتصريحات المظلمة!
كتب

الكهرباء والتصريحات المظلمة!




 


  كرم جبر روزاليوسف اليومية : 25 - 08 - 2010


الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب


(1)


الدكتور محمد عوض رئيس الشركة القابضة للكهرباء هو الذي أشعلها نارًا بين وزارتي البترول والكهرباء، لأن تصريحاته جاءت متضاربة ومتناقضة، وبأسلوب البحث عن شماعة يعلق عليها الأزمة.

الشماعة السهلة التي لجأ إليها لمواجهة مشكلة انقطاع الكهرباء هي اتهام وزارة البترول بأنها لا تزوده بكميات كافية من الغاز بسبب التصدير، علاوة علي سوء حال المازوت الذي يعطل المحطات.
بعد ذلك قال كلامًا مختلفًا تمامًا، يكشف أن المسألة لم تكن عجز الغاز أو سوء المازوت، ولكن في عدم الاستعداد لمواجهة أزمات الصيف، وكأن الرجل أخذ علي غرة بزيادة درجات الحرارة في صيف تصوره باردًا.
(2)
مشكلة وزير الكهرباء أنه انساق وراءه، وأخذ يردد نفس المبررات، دون أن يراجعه أو أن يقول له اصمت، لأن الأزمة تتعلق بالحكومة كلها وليس برئيس شركة أراد أن يتنصل من المسئولية.
تبادل الاتهامات علي هذا النحو زاد المشكلة تعقيدًا، وبدأت حملات المبالغة والمزايدة التي تصور الموقف وكأن مصر كلها تعيش في ظلام أو أن المصانع متوقفة والحياة متوقفة، وبدأ التشكيك في البنية الأساسية كلها.
زاد الطين بلة أيضًا أن كبار المسئولين بوزارة الكهرباء ذاقوا حلاوة التصريحات الصحفية، فاعتبروها معركة في وسائل الإعلام وليس في المحطات والبحث عن خطط سريعة لمواجهة الأزمة، وكل يوم عشرون تصريحًا.
(3)
لا أريد الدخول في متاهة التحليلات الفنية الخاصة بنقص الغاز وفساد المازوت، ولكن السؤال هنا: هل كانت وزارة البترول تقدم غازًا بكميات أكبر ومازوت أكثر صلاحية، ثم بدلت سياستها إلي الأسوأ؟
السؤال الآخر: لماذا ظهرت مشكلة انقطاع التيار هذا الصيف بالذات، مع أن الحرارة خلاله لم تزد كثيرًا عن الصيف الماضي؟ وهل الحرارة وحدها تصلح أن تكون سببًا لذلك؟
السؤال الثالث: أليس عند شركة الكهرباء إدارة للتنبؤ تقرأ النشرات الجوية لمدة ستة أشهر مثلاً، وتضع الخطط والاحتمالات اللازمة لمواجهة أي موقف، أم أنها تقرؤها مثلنا كل صباح؟
(4)
أين كان رئيس شركة الكهرباء الذي يحرص الآن علي عقد المؤتمرات الصحفية التي يوزع فيها الاتهامات في كل اتجاه.. لماذا لم يظهر قبل بداية الصيف ليشرح للناس المشكلة المتوقعة والإجراءات المعدة لمواجهتها؟
زيادة الأحمال ليست زلزالاً يقع فجأة فلا يمكن تداركه، حتي الزلازل يتنبئون بها الآن.. والمعروف أن الصيف منذ العام الماضي وقبله والأعوام المقبلة سيكون نارًا فأين خطط التنبؤ؟
المشكلة الأكثر خطورة هي أن التصريحات الوردية حول الشبكة الموحدة أعطت انطباعًا للناس بأن إنتاجنا يفيض كثيرًا عن الاستهلاك، لذلك كانت الصدمة كبيرة عندما انكشف ذلك التضليل الإعلامي مع موجات الحر.
(5)
تصريحات رئيس شركة الكهرباء حول الغاز والمازوت ثبت عدم صحتها، فوزير الكهرباء نفسه تحدث فيما بعد عن خطط عاجلة لإضافة خامات جديدة للشبكة الحالية، بما يعني أن الأزمة نتجت عن قصور المحطات أولاً.
رئيس الشركة القابضة نفسه يعتمد علي المبالغة والتهويل، ففي مؤتمره الصحفي أمس الأول قال إن عماله يعملون في ظروف قاسية، وينزلون لإصلاح غلايات في درجة حرارة 200 .. طب ازاي أنها تصهر الحديد وليس البشر.
ويقول أيضًا إنه «لن يبيع كيلو كهرباء واحدًا للمشروعات الجديدة»، وإنه «لن تتم زيادة الطاقة المباعة للمصانع كثيفة الاستهلاك».. ومثل هذه التصريحات تثير أجواء من البلبلة والتشكيك، علي غرار نقص الغاز وفساد المازوت.
(6)
في ظل هذه الأجواء المظلمة، يظهر لوبي الشماتة ويعمل بقوة وخرجت بعض المانشيتات الصاخبة: «أزمة قطع التيار بدأت مع تصدير الغاز لإسرائيل».. حتي تأخذ الأزمة أبعاداً نضالية وحنجورية.
كان بإمكان وزير الكهرباء إذا كانت لديه شكوي من الغاز أو المازوت أن يتحدث مع زميله وزير البترول أو أن يطرح الأزمة علي مجلس الوزراء أو أن يطلب اجتماعاً عاجلاً للمجلس الأعلي للطاقة.
لم يحدث ذلك وتصوري أن رئيس شركة الكهرباء أقنع الوزير بأن الإنتاج يكفي ألف موجة حر، وبالتالي لم ينتبه وزير الكهرباء جيداً لأبعاد المشكلة وخطورتها وأنه كان يمكن علاجها مبكراً.
(7)
الملخص هو:
- 1 أن أزمة انقطاع التيار الطارئة كشفت قصوراً عارضاً وليس أزمة خانقة، لأن مصر لديها شبكة كهرباء هائلة ومحطات ضخمة وتستطيع مواجهة أي مشكلة وبنيتها الأساسية بخير.
- 2 أن المسئولية التضامنية للحكومة كانت تحتم علاج الأزمة بروح الفريق، وليس بالتنصل من المسئولية ومحاولة إلقائها علي كاهل طرف آخر مثلما فعل رئيس شركة الكهرباء.
- 3 أن كثيرًا من المشاكل تنجم عن اختيار الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب.. وبالمناسبة أكثر وزير يلدغ من هذا الجحر مرة ومرتين وعشرًا هو وزير الثقافة فاروق حسني.


E-Mail : [email protected]