الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
مفاوضات «خلع الضرس»!
كتب

مفاوضات «خلع الضرس»!




 


كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 28 - 08 - 2010



-حضور الرئيس رسالة قوية للشعب الفلسطيني: لست وحدك


-السلام لا يحتمل التأخير أو التأجيل وينقذ المنطقة من مخاطر الإرهاب


- العرب دعاة سلام ويقدمون للعالم المبادرة تلو المبادرة


- الدبابات والطائرات لا تحقق السلام ولا تفرض الخضوع علي الشعب الفلسطيني


- مصر لا تقبل أنصاف الحلول ولا تذعن لمحاولات إسرائيل التنصل من مسئولياتها


- ليبرمان يتربص بالمفاوضات مثل خالد مشعل ويسعيان إلي إفشالها


- نتانياهو يتظاهر بقبول تسوية لا يريدها ويريد تحميل الفلسطينيين المسئولية

- الأمن القومي المصري يتأثر إيجابا وسلبا بما يجري علي الحدود مع غزة


لا يستطيع أحد أن يزعم أن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل ستكون سهلة أو مضمونة النتائج، والمؤكد أنها ستكون أشبه بخلع الضرس، وستواجه ترسانة من العقبات والعراقيل التي تزرعها إسرائيل، ورغم ذلك فقد كان حضور مصر لعملية إطلاق المفاوضات جوهريًا وضروريًا لعدة أسباب:
أولاً: تقديم الدعم والمساندة والخبرات التفاوضية للوفد الفلسطيني برئاسة أبومازن، فليس مقبولاً ولا معقولاً أن يُترك وحده في مواجهة ألاعيب ومناورات نتانياهو، دون مظلة عربية قوية تحميه من الضغوط التي قد يتعرض لها متمثلة في مصر والأردن.
ثانياً: مصر يدها في النار وليس في المياه الباردة كغيرها من الدول الشقيقة، هي التي تتحمل تبعات ما يجري في غزة، سواء ما ترتكبه إسرائيل من جرائم، أو علي صعيد الانشقاق «الفلسطيني - الفلسطيني»، الذي يزيد المشكلة تدهوراً وتعقيداً، وبالتالي من مصلحتها أن تدفع في اتجاه تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم. والمفاوض الفلسطيني في أمس الحاجة لدولة قوية تقف بجواره، وهذا ما تفعله مصر.
ثالثاً: لا تمثل القضية الفلسطينية بالنسبة لمصر التزاماً تاريخياً فقط، ولكنها ضرورة من ضرورات الأمن القومي المصري، الذي يتأثر سلباً وإيجاباً بحالة الهدوء أو التوتر علي الحدود الشرقية.
--
رسائل الرئيس إلي المؤتمر
لقد كان قبول الرئيس مبارك لدعوة أوباما بالمشاركة في عملية إطلاق المفاوضات المباشرة، قراراً مصرياً محسوباً بدقة متناهية، فمصر لا تستطيع الاعتذار، وهي الدولة الإقليمية المؤثرة التي تمسك في يدها بخيوط كثيرة، سواء مع الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي، واعترف المجتمع الدولي بأنها كانت الدولة الوحيدة القادرة علي وقف الغزو الإسرائيلي لغزة، ونجحت جهودها في تثبيت وقف إطلاق النار حتي الآن. حضور الرئيس مبارك للمؤتمر، والكلمة التي سيلقيها، ستضع النقاط فوق الحروف خصوصاً فيما يتعلق بضرورة الإسراع بإيجاد حلول عادلة للقضية الفلسطينية التي ترعاها مصر منذ ستين عاماً بمسئولية وأمانة، وكذلك بتوجيه رسائل محددة وواضحة لمختلف الأطراف، للسعي نحو السلام الجاد الذي يخلص المنطقة من أجواء التوتر والقلق، ويفتح أبواب الأمل أمام شعوبها للعيش في محبة وسلام، في هذه الفترة العصيبة المليئة بالمخاطر والتحديات.
إن مصر لا تقبل أنصاف الحلول، أو الإذعان لما تروج له إسرائيل للتنصل من مسئوليتها تجاه السلام، وأن اللجوء إلي غطرسة القوة لا يخدم إسرائيل ولن يفرض الخضوع علي الشعب الفلسطيني، والسلام لن يتحقق أبداً بالصواريخ والطائرات والدبابات، وإنما بإيمان دول وشعوب المنطقة بحقها جميعا في العيش بسلام.
--
السلام لا يحتمل التأجيل
سلام الشرق الأوسط لا يحتمل التأجيل أو الانتظار، وهذا أيضاً من أهم الأسباب التي جعلت الرئيس مبارك يقبل دعوة أوباما ويشارك في عملية إطلاق المفاوضات، بعد أن تعثرت مفاوضات السلام لسنوات طويلة، تحمل خلالها الشعب الفلسطيني كثيرا من القهر والمعاناة، دون أن تلوح في الأفق أية مبادرات جادة للوصول بالتسوية إلي محطتها الأخيرة.
المؤكد أن الرئيس سيعيد إلي مسامع المجتمع الدولي أن العرب طلاب سلام، وأنهم يقدمون المبادرة تلو المبادرة، ويعترفون بحق جميع دول وشعوب المنطقة في العيش في سلام، وإن تأخر السلام يطلق قوي الإرهاب الكامنة، ويزيد مشاعر الكراهية لدي الشعوب العربية تجاه إسرائيل.
الرئيس سوف ينقل رسالة العرب إلي المؤتمر، رسالة التسوية التي تضمنتها مبادرة السلام العربية منذ ثماني سنوات، وآن الأوان أن يتعامل معها المجتمع الدولي بمنتهي الشفافية والجدية، لأنها تمثل نقطة انطلاق أساسية مقبولة لدي الدول والشعوب العربية، وتقدم في الوقت نفسه كل التطمينات اللازمة لإسرائيل، وصولاً إلي السلام العادل والدائم الذي يحفظ حقوق مختلف الأطراف.
العرب دعاة سلام، وقد رحبت جامعة الدول العربية بالإعلان الأمريكي عن استئناف المفاوضات المباشرة، وأكدت أن الموقف العربي كان ولايزال يستند إلي مبادرة السلام العربية، علي أن يكون لاستئناف عملية التفاوض المقومات اللازمة لنجاحها من خلال الاتفاق علي مرجعيتها، والمطالبة بوقف الممارسات الإسرائيلية غير المشروعة في الأراضي المحتلة.
--
ألغام نتانياهو: الحدود والدولة اليهودية
المشكلة الحقيقية التي سوف يزرعها نتانياهو في طريق المفاوضات المباشرة لن تكون القدس ولا اللاجئين، فهذه مسائل مؤجلة ويمكن التوصل لحلول بشأنها.. الأزمة المستعصية هي «الحدود»، وطلب نتانياهو أن يبقي الجيش الإسرائيلي في منطقة غور الأردن لمدة 90 سنة، وبالطبع فلن يقبل فلسطيني واحد بمثل هذا الاقتراح الذي يضع أراضيه تحت الحماية، حتي لو خضعت هذه المنطقة لسيادة قوات الأمم المتحدة.
العقدة الثانية هي الدولة اليهودية التي يصر عليها نتانياهو، وبدأت الإدارة الأمريكية تؤيده في هذا المطلب، وهي تتعارض تماما مع حقوق العرب التاريخية خاصة الذين يعيشون في إسرائيل، والسؤال هنا: هل توافق إسرائيل علي تقديم تعهدات ضمن الاتفاق لحماية حقوق العرب المقيمين علي أراضيها؟
أما مشكلة المستوطنات، فإسرائيل تعلن أنها لن تستجيب لأية ضغوط أمريكية جديدة لتجميد أعمال البناء، وهو ما أكد عليه أكثر من مسئول إسرائيلي بأن أعمال الاستيطان والبناء في الكتل الاستيطانية الكبري يجب أن تستمر.. واستبعاد أن يتم التوصل إلي اتفاق سلام في غضون عام، لأن الفجوات بين مواقف الجانبين كبيرة جدا.
--
خالد مشعل وليبرمان ضد السلام
إنها مفاوضات «خلع الضرس» لوجود تيارات معادية للسلام من الفلسطينيين والإسرائيليين تدخل المفاوضات دون اقتناع، بل تسعي إلي إفشالها، والهجوم علي المتفاوضين والتنديد بعدم جدوي المفاوضات قبل أن تبدأ، ولا فرق في هذا الشأن بين خالد مشعل من جانب، ووزير خارجية إسرائيل ليبرمان من جانب آخر.
مشعل يشن هجوما ضاريا في كل مناسبة علي السلطة الفلسطينية لأنها وافقت علي المفاوضات غير المباشرة، ويمضي إلي أكثر من ذلك ويعتبر أبومازن غير مؤتمن علي القضية الفلسطينية، لأنه «مكشوف الظهر وتائه الرؤية» - علي حد تعبيره - ولا يمتلك أوراق القوة، وبالتالي فهي مفاوضات بلا غطاء فلسطيني ولا بقناعة عربية.. وهكذا يدق مشعل مسمارا في نعش المفاوضات المباشرة قبل أن تبدأ.
أما ليبرمان فيؤكد أن المفاوضات لن تحقق أية نتائج، وأن إسرائيل لن تقبل ضغوطا أمريكية بتجميد المستوطنات، واتهم الفلسطينيين بأنهم يفرضون شروطا تستهدف منع إجراء مفاوضات جادة.. وهكذا يتربص ليبرمان بالمفاوضات مثل خالد مشعل، وكلاهما له هدف واحد هو الوصول بها إلي نقطة الصفر.
--
مأزق أبومازن ولماذا يشارك؟
لأن الفلسطينيين في أوج ضعفهم الآن، وليس في يد أبومازن أوراق يلعب بها، بعد أن نزعت عنه حماس ورقة الإجماع الفلسطيني، فأصبح غير قادر علي تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه، لأنه حاكم لنصف الدولة التي يرأسها بعد أن خرجت غزة عن سيطرته تماما.
المؤكد أن أبومازن لو سأل نفسه: لماذا لا يذهب مادام لن يتنازل عن أي شيء؟.. إنه يخشي أن يُتهم بأنه يرفض المفاوضات بهدف التنصل من التزامات السلام، فيفقد الورقة الأخيرة التي في يده وهي تأييد الغرب وأمريكا.
الفلسطينيون ليس في أيديهم الكثير، حتي قوي المجتمع الدولي التي كانت تؤيدهم بدأت تنفض من حولهم، أوروبا الشرقية وروسيا تسيران الآن علي درب الغرب والارتماء في أحضان أمريكا، ولا وجود لتكتلات دولية أخري تمنحهم الدعم والمساندة مثلما كانت تفعل دول عدم الانحياز.
أبومازن يعلم جيدا أنه يحصل علي 2 مليار دولار كمعونات لإدارة الدولة، يدفع منها الغرب 5,1 مليار والدول العربية نصف مليار فقط وغير منتظمة، لذلك هو يخشي حجب هذه المعونات مما يجلب عليه مشاكل واستحقاقات لا قبل له بها، وبالتالي فهو مضطر للحضور حتي لا يدفع ثمنا لا يقدر عليه.
--
تضييق الخناق علي نتانياهو
في مفاوضات «خلع الضرس»، مصر يجب أن تكون حاضرة وبقوة، حتي يسمع العالم كله علي لسان رئيسها أنها تدعوه بحسم وحزم إلي ضرورة وقف الاستيطان إلي أجل غير مسمي، وأن تتعهد إسرائيل أمام المجتمع الدولي بالتزامها بالتسوية السلمية، التي تقود إلي إعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، علي أساس حدود سنة 67 وأن تحصل الدولة الفلسطينية علي أراضٍ تعوضها عن الأراضي التي تحتلها إسرائيل.
مصر لا تتخلي عن التزاماتها، ولا تترك الفرصة لمن يشككون في ذلك ويزعمون بانتهاء دورها، ويؤيد المجتمع الدولي سعيها الحثيث ليعم الهدوء والاستقرار منطقة الشرق الأوسط التي تعاني مجموعة من المشكلات الخطيرة، وهي العنصر الاستراتيجي القادر علي تحقيق ذلك.
لابد - أيضا - من تضييق الخناق علي نتانياهو الذي يتظاهر بقبول سلام لا يريده ويمثل حضوره مناورة مكشوفة لتعليق أسباب الفشل في رقبة الفلسطينيين، والادعاء أمام المجتمع الدولي بأنه لايجد من يتفاوض معه، وحضور مصر يدحض هذا الافتراء، ويقول مصراً للشعب الفلسطيني وأبومازن بصوت عال: نحن معك لست وحدك.
لقد انطلقت عملية التفاوض خلال العقدين الأخيرين أكثر من مرة ولم يكتب لها النجاح، ولم تصل إلي تحقيق الأهداف المنشودة بسبب الممارسات العدوانية للحكومات الإسرائيلية المتتابعة.
--
وحدة الصف الفلسطيني
إنها مفاوضات «خلع الضرس»، ومصر هي الدولة العربية الوحيدة القادرة علي أن تنقل خبراتها التفاوضية للجانب الفلسطيني، وأهم درس مستفاد هو أن مصر دخلت المفاوضات صفا واحدا شعبا وحكومة وقيادة، ويحدوها الأمل أن تتوحد الفصائل الفلسطينية، وأن تتحقق المصالحة، فبدونها لن يتحقق سلام عادل، ينهي آلام شعب يعاني منذ سنة 1948، ويتطلع لإنهاء الاحتلال وإعلان قيام دولته المستقلة.
كي يتحقق ذلك، يجب أن تستند المفاوضات إلي مرجعيات واضحة ومحددة سلفا، وأن تجري المفاوضات وفق إطار زمني متفق عليه، فهي ليست هدفا في حد ذاته، ولكن للوصول إلي اتفاق سلام، بجانب توافر الأجواء المواتية لنجاح المفاوضات عبر إجراءات بناء الثقة، بوقف الاستيطان وإنهاء أعمال العنف ورفع الحصار وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
--
آمال وطموحات كبيرة، وشكوك ومخاوف أكبر، وعشرون عاما مضت علي أوسلو، تتقدم فيها القضية خطوة للأمام وثلاث خطوات للخلف.. وأسباب الفشل تطل برأسها بقوة تساوي عوامل النجاح.
لم يكن مقبولا أو معقولا أن تتخلف مصر عن الحضور.. وكان ضروريا أن يتصدر زعيمها المشهد ليضع المجتمع الدولي أمام مسئوليات وتحديات خطيرة لا يمكن تجاهلها أو تأجيلها.


كرم جبر