السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

30 يونيه أعادت الروح لمصر







سيظل 30 يونية يومًا مفصليًا في تاريخ الحياة السياسية والثقافية المصرية لأنه بمثابة عودة الروح للحياة المصرية بعد موات استمر قرابة عام في ظل حكم التيار الإسلام السياسي ممثلًا في جماعة الإخوان المسلمين الذين كادوا أن يقذفوا بمصر إلي حافة الهاوية.
روزاليوسف استطلعت رأي عدد من المثقفين المصريين والعرب حول هذا اليوم..
الدكتور محمد عبد المطلب
يوم 30 يونية أعاد الحياة للشعب المصري حيث لاحظت خلال عام مضي من حكم الإخوان المسلمين انتشار مظاهر البلطجة والفوضي والخروج عن القانون والآداب حتي انني تشككت في التاريخ الحضاري للشعب المصري ثم فوجئت ببركان 30 يونية الذي أعاد إيماني بعظمة هذا الشعب، وذكرني ما حدث بمقولة لأحد شباب ثورة 25 يناير عندما سأله المذيع: لو جاء نظام شبيه بنظام مبارك.. ماذا تصنعون؟
فقال: ميدان التحرير موجود.. وبالفعل عدل ميدان التحرير مسار ثورة يناير وخلص مصر من حكم ديكتاتوري أشد ضراوة من حكم حسني مبارك وما سبقه وقد تجلت مظاهر الانهيار والتردي في الصحافة والإعلام والثقافة حيث حدث تشويه واضح لهذه المجالات ورجعت بنا إلي عصور التخلف والجهل  وسيطرة العقول المتحجرة وحدث تشوه للوجه الحضاري المصري وتسرب اليأس لنفوسنا وقضي علي كل أمل فينا ولكن نجح شباب حركة «تمرد» في تحريك الشعب المصري بكل طوائفه لاسترداد مصر المخطوفة، وقد شهدت يوم الثلاثاء الماضي مظاهرة حاشدة في طريقها إلي قصر الاتحادية شارك فيها أطفال في عمر عشر سنوات ونساء وشيوخ في سن السبعين يحملون أعلام مصر ويهتفون بكلمة ارحل فبكيت وقلت هذا شعب لن يهزم أبدًا.
واتمني من القوات المسلحة والشرطة العمل علي تهدئة الأوضاع وأقولها بملء الفم إن الإخوان المسلمين لا يعرفون السلم والحوار العقلي لكنهم يعرفون العنف.
ومن أجمل ما قرأت في الصحافة المصرية إعلان لأحد رجال الأعمال يقول فيه: « حمدًا لله علي السلامة يا مصر»..
الروائي قاسم مسعد عليوة
يعجز القلم لو حاول وصف مشاهد يوم الأحد 30 يونية 2013 حتي لو تصدي لهذه المهمة من يظن في نفسه أنه أفصح من «سحبان وائل» العربي الباهلي..
مشاهد لو أشرنا إليها من قبل مجرد إشارة بألفاظ منطوقة أو كلمات مكتوبة أو رسوم مخطوطة لوصفنا بالخرافيين لكن الشعب المصري العبقري المعجز  فعلها.. وجعل من الخرافة حقيقة مرئية ومسموعة ومسجلة فرضت نفسها علي كوكب الأرض كله، لا غرو حقيقة شعب معلم وقائد صاحب أول وأعرق حضارة إنسانية شعب حقق ما لم يحققه شعب آخر بخروجه يوم 30 يونية في أعظم حشد بشري سياسي شهدته الإنسانية طوال تاريخها المديد.
لقد أوقفنا علي مشارف الجمهورية المصرية الثالثة بعد أقصر وأفشل واحدة منها وأقصد بالطبع جمهورية الإخوان التي أقصت المستنيرين وقتلت الأبرياء «بورسعيد مثلاً»  وشوهت وجه الحضارة المصرية.
وكثيرًا ما طلبت ومعي كثيرون السماح لهم بإنشاء حزبهم السياسي كي ينكشفوا لكن فضل الله العلي القدير كان أكبر حينما أنعم عليهم بكراسي الحكم وأظهر للعالم كله أكثر مما كنا نتوقعه من سوءاتهم والآن سوف تستقيم الأمور وسوف تستقر بعد الأحداث الدامية والمؤسفة من قبل فلولهم وأتباعهم ولكن الشعب سينتصر في النهاية لنعيد بناء مصر .. مصر الحرية.. والديمقراطية والوطنية والتعددية. والقانون والمساواة والمواطنة والثقافة هي أداتنا الرئيسية..
تذكروا أن المثقفين كانوا في مقدمة من قاموا ليس فقط بتفجير ثورة يناير وانما بتفجير أيضًا ثورة 30 يونيو وأذكرهم باعتصامهما لأول في التاريخ المصري بوزارة الثقافة وطرد الوزير الإخواني.. وبيان الجمعية العمومية لاتحاد الكتاب بسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، وكذلك موقف المجلس الأعلي للثقافة المناهض للتدخل الإخواني  في الشئون الثقافية وبيانات الهيئة العامة لقصور الثقافة المنتصرة لحرية التعبير وأخيرًا تصدي المثقفون الثوريون كجماعات وأفراد للفعاليات المناهضة للاستبداد الإخواني.
وأول خطوة في البناء الثقافي هي الاتفاق علي الدستور الجديد واجراء الانتخابات النيابية والرئاسية والاتجاه إلي ترسيخ ثقافة الاستنارة والتقدم عبر مؤسسات حرة مستقلة.
الشاعر والروائي أشرف أبو اليزيد:
كان عامًا أشبه علي عموم المصريين بالكابوس أعادتهم فيه طغمة الحكم إلي ذكريات مرة حين كانت البلاد تحت ربقة الاحتلال بعد أن نصب الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي العياط من نفسه ديكتاتورًا لا ترد له كلمة ولا يرجع عن قرار ولا يسأل عما يفعل ولا يستجيب لمن يسأل.
لكن الشعب قال كلمته بإعلان رفضه وسارعت الملايين لرفض ذلك الاحتلال الإخواني لمقاعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مثلما أعلنت رفضها لدستور معيب مذل يعود بالبلاد لزمن المماليك، في وقت كانت مصر فيه سباقة لصناعة دساتير الحرية، تواقة إلي التحرر، ساعية إلي امتلاك أدوات التنوير.
الملمح المهم هو خروج المثقفين من أبراجهم العاجية وبدأوا اعتصامًا مفتوحًا أعتبره الخطوة الأهم في تاريخهم النضالي لأنه أعطي مثالًا علي التحامهم بقضايا الوطن كما اجتذب إليه أطيافًا ساهمت في حشد الملايين.
أما الأهم فهو حركة تمرد التي حولت تقنية جمع الأصوات الإلكترونية إلي حراك شعبي فكانت المظاهرات الأضخم في تاريخ البشرية بشهادة العالم وهي شرعية قالت كلمتها وأمام شرعية اغتصبها الدكتاتور وافتي شيوخ جماعته باستحلالها وكانت جماعة الإخوان المسلمين مثل فلاشة ذاكرة لم تتسع لعظمة وجمال وتاريخ مصر فاحترقت.
الروائي عبد الستار حتيتة
الأمر لا يتعلق بما هو قادم فأعتقد أن الإنسان قبل أن يمضي إلي الأمام عليه أن يلقي نظرة إلي الخلف، ففي السنوات الماضية يجري البناء في مصر علي قواعد غير سليمة في أغلب الأحوال وهذا يفرز مستقبلًا يتسم بالاعوجاج. نظرة إلي الخلف قليلًا.. هنا ستسأل نفسك أين اختفي مسرح السامر الذي كان يجمع في الموسم ألوفاً من الممثلين ببقعة واحدة بالقاهرة كل عام.
وكان المخرجون يستكشفون المواهب الجديدة من العروض القادمة من قصور الثقافة بالأقاليم ليتحول من يستحق منهم إلي نجم جديد يملأ الحياة إبداعًا وفنًا.. هذه التجربة علي سبيل المثال وهي من الماضي وأعتقد أنها كانت مبنية علي تجارب سبقنا إليها فنانون كبار رحلوا عن عالمنا مثل الفنان أمين الهنيدي الذي كان يتجول لعدة أشهر علي مسارح قصور الثقافة ونواديها في المدن والقري بحثًا عن فنانين يصلحون لمسارح العاصمة الكبيرة.. وينبغي أولًا تأمل تجربة الفنانين أيام الهنيدي ومن بعدها تأمل تجربة مسرح السامر ليس لاستعادتها فقط لكن لتطوير مثل هذه التجارب فيما يتعلق بالمسرح واستكشاف الشعراء وكتاب القصة والرواية والفن التشكيلي..
قبل سنوات هيأت لي الظروف جولة في بعض مقار قصور الثقافة في محافظات مطروح وقنا وبني سويف والفيوم وسيناء حيث توجد مبان وأقسام خاصة بالمسرح والفنون الشعبية ونواد للأدب وغرف للرسم وغيرها وعلي هذا لا توجد مشكلة في المباني والهياكل الإدارية والوظيفية.. فالمعضلة تكمن في الروح المفقودة ويحتاج الأمر في المرحلة الجديدة لبعث الروح ثانية في هذا الجسد الممتد  في أرجاء مصر، وهذا بالإمكان القيام به من خلال سياسة موجهة بشكل واسع للتطوير والتحديث وخلق المنافسات الموسمية بين مبدعينا في شتي المجالات.
فمثل هذه الأفكار مستمدة بالأساس من الماضي عندما كان هذا موجودًا لكنها تآكلت منذ أواخر التسعينيات وبعد ثورة 25 يناير المجيدة وصعود التيار الديني المتشدد المعادي للإبداع والتفكير وانتهي الأمل معه في أي نهضة ثقافية لكن في أعقاب ثورة 30 يونية أعتقد أن المستقبل ينفتح جديدًا لصناعة غد أفضل.
الكاتب والمترجم بدر الدين عرودكي
ما كان بوسع الشعب المصري الذي خرج في الخامس والعشرين من يناير 2011 ثائرًا علي الفساد والتوريث كي يستعيد حريته وكرامته أن يسكت علي سرقة ثورته أو حرفها عن الطريق الذي بذل التضحيات الكبار من أجلها لقد حبس كل من انحني إعجابًا بشعب مصر في العالم بهذه الثورة أنفاسه عند إعلان يوم 30 يونية موعدًا لخروج ملايينه من جديد كي يستعيد مفاتيح هذه الثورة التي أطلقها.
كان توقيع 22 مليون مصري علي وثيقة تطالب بانتخابات مبكرة ودستور يستجيب لمطالب هذه الثورة ويليق بمصر شعبًا وتاريخًا ثم خروج هذه الملايين في أرجاء مصر كلها حدثًا غير مسبوق في التاريخ سواء كان تاريخ المنطقة أو العالم كله.
كان من المنتظر ألا يمر هذا الحدث دون أن تتدخل كافة القوي ذات المصالح علي الأرض المصرية وأن يحاول كل منها تحويله عن وجهته الأولي ذلك أمر طبيعي ومنتصر ومتكرر.
وهذه المحاولات بفعل طبيعة الحدث الاستثنائية خصوصاً لن تنجح إلا إذا أمكن تكميم الأفواه، أفواه وحناجر هذه الملايين التي خرجت واعية كل الوعي بما تريد تحقيقه وحين يؤسس يوم 30 يونية 2013 واعتبارًا منه شرعية جديدة، شرعية الشارع يعيد هذا الحدث إلي الأذهان والبداهة الديمقراطية الأولي ويذكر بها: سلطة الشعب منه البدء وإليه المرجع ولن يمتلك هذه الشرعية التي يستعيد بها سلطة من الآن فصاعدًا سوي هذه الملايين التي ستخرج في الشارع كلما ارتد ممثلوها عما انتخبوا من أجله وستكون هي الشرعية الوحيدة السابقة علي صندوق الاتتخاب وإرساء معالم ديمقراطية  جديدة..ولابد لكل رئيس قادم أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار، ومن يقول إن ذلك ينافي  أو ينقض مفاهيم الديمقراطية التي يراد تثبيتها في عالمنا العربي يتناسي ان هذه الديمقراطية بدأت من هنا علي وجه التحديد من شرعية الشارع سيكون الشارع من الآن فصاعدًا هو الأساس، هذا ما قاله 30 يونية 2013 في أرجاء مصر كلها مؤسسًا لحدث يوم الفصل.
انتهي عهد الصمت وانتهي زمن الصبر وانتهي زمن الخنوع لعبقري زمانه. ولا فائدة من المكابرة.
الشاعر الكويتي محمد جابر النبهان
منذ اللحظة التي خرج فيها الشعب المصري ضد ديكتاتورية الحاكم الواحد والحزب الواحد ونظام التوريث وصرخ صرخته التي هزت أركان النظام البائد لم يعد مقبولًا أن تتسلم السلطة عقلية الفكر الواحد وكان لابد لهكذا «تمرد» أن يعيد مسار الثورة ويعيد صياغة نظام ديمقراطي حقيقي لم تتعود عليه الدول العربية من قبل في كل تاريخها.
وهذا التمرد برأيي هو ورقة ضمان التعددية والحرية والديمقراطية وحين قامت الثورة في إيران ضد نظام الشاه مثلًا كان من اشعلها هم العمال والمثقفون بالإضافة إلي الدينيين ولكن الدينيين التفوا علي الثورة واستحوذوا وصبغوا الشعب بشريط أسود: الشادور ومعممين وحريات ناقصة إن لم تكن معدومة في ظل حكم المرشد الأعلي والمرجع الأعلي ومجموعة العمائم مما كانت الطريقة ونتائج المرحلة سأكون متفائلًا وأقول: إن حركة تمرد حافظت علي ثورة يناير لتصنع تاريخًا جديدًا لأجيال تأتي وتصنع تاريخها بعيداًعن كل هذه العقد.. تصنع إنسانًا ومواطنين علي درجة واحدة وفي دولة مدنية حقيقية في تنوعها الفكري والثقافي وانفتاحها علي العالم الآخر. مصر وثورتها هم رهان المصريين اليوم والعالم العربي بأجمعه، فقد فعلت ما لم تفعله أي ثورة في التاريخ لكن الأمل والأمنيات والأحلام تحتاج إلي عمل شاق وطويل ويحفر في الذاكرة والتاريخ والمستقبل.
الناقد يسري عبد الله
تبدو الموجة الثانية للثورة المصرية 30 يونيو 2013 بنتًا للخيال الجديد الذي صنعته حركة تمرد بشبابها البواسل وجذريتها المدركة تعقيدات المشهد السياسي المصري الراهن وتنويعاته والأهم قدرة تمرد بطليعتها الثورية الشابة علي أن تطرح خطابًا وطنياً جامعًا يقف في خندق المصالح العليا للأمة المصرية ويرفض بإباء شديد الهيمنة الأمريكية والتابعية للغرب وكأن مصر حقًا تولد من جديد مفعمة بالأمل والحرية والكرامة الوطنية