الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

.. ورحل شيخ المخرجين «حسن عبدالسلام» : كتب مذكراته بنفسه وأبرز ما جاء بها عدد مرات نجاته من الموت







 
 
فى الوقت الذى تشتعل فيه الأحداث السياسية بالبلاد ومع حلول شهر رمضان الكريم كان لا يمكن أن نغفل رحيل شيخ المخرجين حسن عبدالسلام الذى وافته المنية يوم الثلاثاء الماضى عن عمر يناهز الـ86 عاما، وكان يقول دائما فى حوارته لـ«روزاليوسف»، أنه يجلس فى انتظار قدر ربه الذى كان يراه قريبا، لكن رغم ذلك كانت لديه طاقة دائمة للخروج والعمل حتى ولو كان قعيدا على كرسى متحرك، وكان آخر أعماله المسرحية عرض «نساء السعادة» الذى قدمه فى عهد الدكتور أشرف زكى بالبيت الفنى للمسرح حيث قال زكى عن العرض وعن علاقته بعبدالسلام:
حسن عبدالسلام يعتبر والدنا جميعا وكنت دائما أناديه «يا بابا» لأنه مدرسة كبيرة تعلمنا منه الكثير وشرفت بأننى شاركته كمساعد مخرج فى أحد احتفالات أكتوبر بالتسعينيات، وعندما توليت رئاسة البيت الفنى للمسرح قررت أن أعيده لخشبة المسرح من جديد وذهبت له وقلت أننا فى أشد الحاجة لعودتك وبالفعل جاء وقدم عرض «نساء السعادة».
ويقول: هذا الرجل كان حالة فريدة لأنه كان يتمتع بدفء شديد وبه شموخ وعظمة الأستاذ ولا أعتقد أنه كان على خصومة مع أحد لأنه راقى للغاية فى تعاملاته فى زمن ندر فيه هذا النوع من الرجال لذلك أفكر بعد عودة الدراسة بالمعهد الفترة القادمة أن أقترح على رئيس الأكاديمية الدكتور سامح مهران وعميد المعهد أن نؤسس جائزة باسمه ونقيم احتفالا له بشكل لائق وأتمنى أن تهتم الجهات المسئولة الفترة المقبلة بإعادة أعماله لأننا فى حاجة لعمل ريبروتوار لأعماله الخالدة.
رحل المخرج الكبير وكان قد انتهى من كتابة الحلقات الأخيرة من مذكراته التى عكف منذ سنوات طويلة على كتابتها بنفسه وانفردت مجلة المسرح التابعة للهيئة العامة للكتاب بنشر أجزاء منها تحت عنوان «حدوتة عاشق المسرح»، والتى كانت حلقاتها الأولى تتحدث عن علاقة حسن عبدالسلام بالموت وكيف كان ينجو مرات عديدة من موت محقق وروى شيخ المخرجين بقلمه قصته مع الموت قائلا:
«فى سن العاشرة غرقت حتى الموت فى بقعة منعزلة عن الناس وقت الظهيرة، وكنت أعلم نفسى السباحة، وفى لحظة قذفت نفسى فى الماء، وشربت ماء البحر كله وصرخت فى كل محاولة لإنقاذ نفسى وصحوت على الماء يخرج من فمى وأنفى ويدان قويتان تضغطان على صدرى، وتقذف بالماء من داخلى ولما انتظم نفسى سمعت الرجل يقول «دى معجزة ربنا كتبلك إنك تعيش»، وفى سن الثانية عشرة أصبت بحمى التيفويد ولم يكن العلاج متوافرا فى هذه الفترة وبعد مضى شهر وأنا معزول عن الناس سمعت الطبيب يقول لوالدتى: «دى معجزة ربنا كاتب له إنه يعيش»، وفى الثامنة عشرة كنت أركب القطار من محطة المطرية وفى أثناء وقوفى على الرصيف مر القطار من أمامى بسرعة فائقة وأفقت على أصوات تتعالى.. الله أكبر.. الله أكبر.. مش ممكن.. مش معقول، ده احنا افتكرنا أنه اتفرم، ده سليم وربنا كتب له إنه يعيش.
 ويواصل شيخ المخرجين : وفى سن الواحد والعشرين تطوعت فى حرب فلسطين وكان موقعى فى «كنيسة مارى إلياس» فى مدينة «بيت لحم» على جبل صغير فى موقع يسمى «جواد ثلاثة» وانضرب الموقع ومات من مات، وأصيب الكثيرون وأصبت بمجرد خدش صغير فى ركبتي، وقال ضابط الموقع «يا ابنى دى معجزة ربنا كاتب لك تعيش»، وفى عام 1949 سافرت إلى السودان لأنشئ أول فرقة مسرحية فى مدينة «واد مدنى» على النيل الأزرق، وهناك كانت المشاكل كثيرة وأهمها أن أحد العاملين فى الفرقة اشتد عداؤه لى حتى أنه أراد أن يقتلنى وبالفعل حاول ذلك لكن فى هذه الليلة بالذات لا أعرف لماذا قررت أن أنام فى الحديقة وسمعت أصواتا متداخلة فقد أمسك به الجميع وهو يضرب بالحربة سريرى فى الظلام ويصرخ زميلى فى الحجرة وهم يمسكون به وقد اعترف وقيل لى أيضا «ربنا كتب لك عمر جديد»، وكذلك وأنا فى الخامسة والستين أصبت بالمرض الخبيث وأجريت لى عمليتان جراحيتان لإستئصال الورم ثم خضعت لعلاج كيميائى ثم علاج ذرى وقال الطبيب أننى إذا انقطعت عن تناول العلاج لن أكمل السنة وأموت، تركته يومها مسرعا وتوجهت إلى شركة الطيران وحجزت تذكرة للسعودية بقصد العمرة وطفت بالكعبة ثم ذهبت إلى «بئر زمزم» واغتسلت من رأسى حتى قدمى وغسلت جراح العملية وأنا أبكى إلى الله وأدعوه، وعدت إلى مصر وامتنعت عن العلاج وبعد عام أصر أحد أصدقائى أن أعيد عمل التحاليل والفحوصات وكانت المفاجأة الإلهية أننى لم أجد أى أثر للمرض فى جسدى وقال صديقى «دى معجرة ربنا كتب لك عمر جديد»!
هكذا تعرض عبدالسلام للموت مرات ومرات لكن كان ينجو فى كل مرة بمعجزة إلهية كما يقول واليوم رحل هادئا مطمئنا على فراشه إلى الرفيق الأعلى وهو يبلغ من العمر السادسة والثمانين، ولد شيخ المخرجين فى 27 مارس عام 1927 وعمل بمجال الإخراج المسرحى وعين مفتشا بالمسرح المدرسى ومخرجا ومشرفا بالفرقة النموذجية لمصلحة الفنون ثم مدير مسرح الثقافة الجماهيرية ثم مديرا للمسرح الحديث ومدير عام المسرح الغنائى وأخيرا رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، وقدم عدد غير قليل من الأعمال المسرحية الخالدة على رأسها «سيدتى الجميلة» بطولة شويكار وفؤاد المهندس، و«المتزوجون» بطولة سمير غانم وشيرين وجورج سيدهم، «أخويا هايص وأنا لايص»، و«موسيقى الحى الشرقي»، «فارس وبنى خيبان»، «جوليو وروميت»، و«أهلا يا دكتور»، «أيوب المصرى»، و«طبيخ الملائكة».