السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

البساطى .. عاش مخلصا لأفكاره ومات دون «صخب»




 
تمر علينا هذه الأيام ذكرى مرور عام على وفاة الروائى الكبير محمد البساطى الذى توفى فى 14 يوليو 2012 متأثرًا بسرطان الكبد عن عمر يناهز 75 عاما، وكان البساطى أحد رواد جيل الأدباء والروائيين فى ستينيات القرن الماضى والذى شكل مع أبناء جيله، بهاء طاهر وإبراهيم أصلان وجمال الغيطانى ويوسف القعيد، وغيرهم حلقة مهمة من حلقات تطور فن الرواية فى مصر والعالم العربي.
 
ولد البساطى عام 1937 فى بلدة الجمالية المطلة على بحيرة المنزلة بمحافظة الدقهلية، أنهى دراسته الثانوية وانتقل إلى القاهرة ليكمل دراسته الجامعية، وحصل على بكالوريوس التجارة عام 1960، ولعل نشأته فى حضن الريف وعوالمه جعلت معظم أعماله فى جو الريف من خلال التفاصيل الدقيقة لحيوات أبطاله المهمشين فى الحياة الذين لا يهمهم سطوة السلطة أو تغيرات العالم من حولهم، وعُرف البساطى بمواقفه المناهضة لنظام الحكم فى مصر منذ توقيع الرئيس المصرى الراحل أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل العام 1978. وكان ناشطاً جداً فى مواجهة التطبيع مع إسرائيل، وكان أحد نشطاء حركة «كفاية» التى كانت معارضة لحكم الرئيس السابق حسنى مبارك.
 
وكانت أول أنشطته الأدبية والتى لفتت الأنظار إليه مبكرا عندما نشر أول قصة له عام 1962م بعد أن حصل على الجائزة الأولى فى القصة من نادى القصة بمصر، وقد عمل البساطى مديراً عاماً بالجهاز المركزى للمحاسبات، وانتدب خلال فترة عمله كمفتش مالى بمصلحة السجون، ومن تلك الفترة استقى واستوحى روايته الأخيرة «أسوار» التى تتناول عالم السجن مظهرا معاناة طبقة أخرى من المجتمع، تلك التى تعيش خلف أسوار السجون، ونرى كيف يٌسقط البساطى ما يجرى فى السجن على المجتمع كله، والجدير بالذكر أنه تناول «السجون» أيضا فى مجموعته القصصية «محابيس»، كما عمل رئيساً لتحرير سلسلة «أصوات» الأدبية التى تصدر فى القاهرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
 
تتسم أعمال البساطى بالتكثيف الشديد فى الكلمات والمعاني، يبرز فى أبطاله جوهر النفس البشرية، وخاصة عالم المهمشين الذين اهتم بالكتابة عنهم، يحولهم إلى أبطال داخل أعماله، وهو بهذا يعد من الحكائين المهرة من أبناء جيله، وهو مع ذلك لا تخلو كتاباته من وعى فلسفى باللحظة، من خلال اشتغاله على المحاكاة للواقع المصرى والربط بين المتخيل والواقعي، فهو يكتب عن بشر منلحم ودم وتفاصيل عاش بعضها، وبعضها بنت خيال متمرد وثاب، فلقد كان البساطى كاتباً واقعياً بامتياز، تحركه الرغبة دائماً فى الانحياز إلى الإنسان وقضية الوجود.
 
والبساطى أحد أبرز الساردين الذين اهتموا بعملية الوصف، تجلى ذلك عبر استخدامه لتيمات متنوعة من الحكى الشعبي، ترك محمد البساطى نحو عشرين رواية ومجموعة قصصية من بينها «التاجر والنقاش» و«المقهى الزجاجي» و«الأيام الصعبة» و«بيوت وراء الأشجار» و«صخب البحيرة» و«أصوات الليل» «ويأتى القطار» و«ليال أخرى» و«جوع»، ومن مجموعاته القصصية «الكبار والصغار» و«حديث من الطابق الثالث» و«أحلام رجال قصار العمر» و«هذا ما كان» و«منحنى النهر» و«ضوء ضعيف لا يكشف شيئا» و«ساعة مغرب»، وترجمت أعماله إلى لغات عدة ليحتل عن جدارة مرتبة تجعله فى مصاف الكتاب الكبار.
 
روايته «جوع» تذكرنا بهؤلاء المنسيين الذين يصارعون من أجل البقاء، تتكلم عن عائله مكونه من زوج وزوجته وولدين ومعاناتهم مع الفقر والجوع ، والبحث عن لقمه العيش بأى ثمن كانت هذه الرواية إحدى روايات القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2009، ويعتبر كثير من النقاد رواية «صخب البحيرة» أهم أعمال البساطى الروائية، والتى تم اختيارها كواحدة من أهم مائة رواية فى تاريخ السرد المصري، وقد اختار مكان أحداثها مدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية، وهى المدينة التى ولد ونشأ بها البساطى، وقد حصل بها على جائزة أحسن رواية لعام 1994م بمعرض القاهرة الدولى للكتاب. ولعل الزمن يعيد إليه قدرا من قدره بحصوله على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب قبيل وفاته بأيام قليلة، فقد رفض طوال حياته الجوائز التى تمنحها الدولة المصرية خصوصاً فى ظل نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ولم يقبل سوى الجائزة التقديرية التى حصل عليها بعد ثورة «25 يناير» وهو على شفير الموت، كما رفض العلاج على نفقة الدولة على رغم محاولات وزراء الثقافة المتعاقبين إقناعه بذلك، قائلاً: «أنا لم أقبل جوائز الدولة حتى أقبل أن أعالج على حسابها، ولن يكون موقفى الذى اتخذته طوال حياتى فى مواجهة الظلم والقمع قد تنازلت عنه، فلم يتغير شيء حتى الآن»، وقد أصدرت «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مؤخرا ضمن سلسلة «الأعمال الكاملة» أعمال الكاتب المصرى الراحل محمد البساطى وأصدرتها فى ستة مجلدات.