السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فتيلينة: «الفرنسية» سبب تفوق المغرب نقديا و«الاحتلال» وراء تأخره إبداعيا




الكاتب المغربى محمد فتيلينة صاحب إنتاج إبداعى متعدد ومتنوع، يكتب الرواية والشعر والقصة إلى جانب تخصص دراسته الأكاديمة فى النقد الأدبي، واحد من الكتاب الذين يكتبون بالعربية والفرنسية ويرى فى ذلك تنوع فى مساحة القراءة لا تمس الهوية ولا تؤثر عليها، مؤمن بضرورة أن يكون المبدع واع بمحيطه وفلسفته الحياتية والتجريب عنده يعنى التمرد على العادة والمتداول ... عن إنتاجه الأدبى وحال الرواية فى الجزائر والمغرب العربى ورأيه فى ثورات الربيع العربى دار هذا الحوار.
 
 
■ تكتب الرواية والشعر والقصة والنقد .. كيف توفق بين هذه الأجناس الأدبية؟
 
- محبتى للأدب بدأت باكرا مع الشعر فهو ديوان العرب، وجاءت هذه المحبة وهذا العشق بفضل الجو الأسرى الذى عشت فيه إذ كانت مكتبة الأسرة على رغم قلّتهاغنية بكتب التراث، والتى كان الشعر فيها أهم رافد. مع تطور القراءة والبحث اكتشفت الرواية وحلاوتها مع إحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم وبصفة خاصة واستثنائية مع نجيب محفوظ. وقرأت بالطبع للعديد من الروائيين الجزائريين كان من أبرزهم لا شك الطاهر وطار وواسينى الأعرج إضافة للعديد من الأسماء التى ملأت السمع والبصر حاليا. كما مكننى إلمامى باللغة الفرنسية فى إعادة اكتشاف الأدب الجزائرى المكتوب بالفرنسية والذى يُعتبر تجربة غنية وفاعلة يدل على ذلك مدى ما تحظى به من دراسة ونقد ومتابعة من الفرنسيين أنفسهم أو الناطقين بلغتهم الثرية.
 
أما مسألة التوفيق بين هذه الأجناس، فهى –فى رأيي- ليست بالأمر الصعب على اعتبار أن كل هذه الأنواع أو الأجناس تصب كلها فى بوتقة الأدب وأدبيته، خصوصا أن الأدباء المحدثين أصبحوا يشجعون ويدعون إلى المزج بين تلك الأجناس فى سبيل إنتاج عمل أدبى جيّد ومختلف، على اعتبار أن الأدب (كالإنسان) كائن متغير ومتطور وفعّال.
 
■ هل تؤمن بتقنيات النص المفتوح؟
 
- يبدو لى أن هذا السؤال حداثى نوعا ما!، وكإجابة مبدئية أعتبر نفسى من أنصار سوسيولوجية النص باعتباره (من جهة بنية مستقلة ومن جانب آخر بنية تواصلية)، وبالرغم من ذلك فإننى أنظر إلى النص من وجهة كلاسيكية: فهو مزيج بين الأفكار واللغة -عبر مستوياتها العديدة- والإيديولوجية التى تساهم بشكل أو آخر فى نسج خلفية الكاتب. ولكن عندما نتحدث عن النص المفتوح فهذا يحيلنا إلى البعد التواصلى بين الكاتب والمتلقى من جهة، وبين الكاتب ونصه من جهة أخرى، فتارة يكون النص مستقلا تماما عن ذات الكاتب وتارة أخرى يكون جزءا كبيرا منه، وتكمن مقدرة المبدع فى قدرته على استعمال المهارات الفنية فى الكتابة التى أرى أن أهم عواملها الوضوح والإيجاز والسلاسة والبساطة، وهنا تبرز الدراسات النقدية التى تساعد فى بلورة رؤية نقدية للعمل الأدبى يقرّب المتلقى من النص المُنتج.
 
■ ما علاقتك بالتجريب؟
 
- إذا كان المقصود بالتجريب هو التمرد على العادة والمتداول، فأنا من أنصار هذا التوجه على شرط أن تكون فيه روح الإبداع والتميز والتجديد، وعلى المبدع الروائى أن يتّسم بجانب كبير من الوعى لما هو محيط به، وبفلسفته للحياة ونظرته للعالم.
 
■ تنطلق فى كتاباتك من خلفية ثقافية واجتماعية .. إلى أى مدى تنطلق من الواقع ثم تحمله بالحلم والرموز؟
 
- هذا صحيح تماما، فمن خلال روايتى «بحيرة الملائكة» مثلا، حاولت عبرها أن أبعث لقارئ ذكى وواع رسائل عن الموروث الذى أحمله وعن القيم الإنسانية التى ترسبت عبر تاريخنا وكست ذواتنا بمجموعة من القيّم كان الدّين الإسلامى أهم مكوناتها. كما أننى اشتغل على الرمز من بعده الفني، أى أننى استحضرت من ثقافات أخرى ما يتواءم مع البعد الإنسانى لتراثنا العربى الإسلامي، لأخرج فى الأخير بمزيج فنى متعدد «الأصوات» الثقافية.
 
ورد اسم البحيرة مرتين فى عناوين رواياتك: بحيرة الملائكة، وعلى حافة البحيرة ... حدثنا عن هذه الروايتان هما نص واحد بعنوانين مغايرين، فقد طبعت الأولى بالجزائر والأخرى فى القاهرة، وقد حملت النسخة الأولى العديد من الأسماء والأماكن وحتى بعض الجمل والتعابير باللغة الفرنسة، إذ كنت أحاول من خلال ذلك الممازجة بين الفرنسية والعربية.
 
أما النسخة القاهرية فقد نصحنى الأصدقاء –وهم فى أغلبهم مصريون- بكتابة كل الأسماء والأماكن فيها باللغة العربية، لأن القارئ المشرقى –فى العموم- ليست لديه خلفية لغوية فرنسية. أما بروز كلمة البحيرة فى كلا العنوانين فهى دلالة على مكانة الماء فى الوجود، وعلى أنه رمز للحياة (سواء الإنسانية أو غيرها)، ومن هذا المنطلق أحببت أن أجعل البحيرة وسيلة لأرحل بواسطتها عبر الزمن وعبر الذات الإنسانية، لأنالشخصيات الموجودة فى الرواية تختلف معتقداتها الدينية ولكنها تشترك فى الأبعاد الإنسانية التى اشتغل على ترسيخ القيّمة منها. وأرجو أننى قد أفلحت فى ذلك.
 
■ تكتب بالعربية والفرنسية .. ألا يشكل ذلك ازدواجا فى الهوية؟
 
- كانت مسألة الهوية محورا لنقاشات عديدة فى الجزائر، سواء على المستوى الاجتماعى أو الأدبى عبر النخب وعبر عموم الناس. وقد كان للاستعمار الفرنسى دور فى تأجيج نيران فتنتها عبر تشجيع ما يعرف بالأدب الاثني. ولكننى كجزائرى أرى أن مسألة الهوية والخوض فيها تبقى دائما فى إطار الصراع السياسى بين تيار وآخر. فعلى المستوى العام ليست هناك إشكالية للهوية داخل شعب متعدد الروافد الاجتماعية ومتأصل الارتباط بالدين. وفى هذا الإطار لا أجد رابطا قويا بين الهوية واللغة، ربما اللغة إحدى أهم مكونات الهوية ولكنها ليست هى الهوية. فلا يعنى أن يكتب المرء باللغة الفرنسية أننا نعتبره بذلك فرنسيا أو مدافعا عن الهوية الفرنسية، وأكبر دليل على ذلك أن مالك ابن نبى وهو من أكبر مفكرى الجزائر، لم يكتب إلا بالفرنسية وبالرغم من ذلك اعتبرته السلطات الفرنسية معاديا لها ولثقافتها...بل وللحداثة والتقدم. لذلك أعتبر أن الكتابة بالفرنسية نوع من الانفتاح على الآخر والارتقاء بالثقافة المحلية والوصول بها إلى أكبر عدد من المتلقين عبر التفاعل اللغوى والثقافي. كما أن الفرنسية بالنسبة لى –كباقى الجزائريين- من أكبر غنائم حربنا التحريرية.
 
■ كيف تحدد موقعك كروائى فى خضم التجربة الروائية الجزائرية التى هى ثرية ولها رموزها؟
 
- لا أستطيع أن أحدد بالضبط موقعى من الخارطة الإبداعية فى الساحة الروائية الجزائرية التى تزجر بالعديد من الأسماء، والتى كما ذكرت آنفا وجدت لنفسها حضورا أدبيا متميزا. غير أننى أحاول رفقة الكثير من أبناء جيلى من الكتّاب، رسم توجه أدبى من خلال الرواية، من أهم معالمه الحفاظ على الهوية الثقافية والتى من مكوناتها لغتنا الجميلة وكذا تطعيمها بثقافات أخرى تساهم بشكل أو بآخر فى الرقى بفن الرواية، كما أن الغاية من الكتابة تبدأ وتنتهى عند المتلقي، الذى أصبح قارئا ذكيا وباحثا عن الجديد من نواحيه الفنية والإبداعية.
 
كما أننى لست من أنصار الرموز الأدبية، إذ لا بد لنا من الارتقاء بمفهوم النخبة وتجاوزه إلى القيمة الفنية لأى إبداع بما فيه الإبداع الروائى الذى أصبح أكثر كونية مما سبق.
 
■ كيف تنظر إلى مقولة المغرب بلد النقد، والإبداع فى المشرق؟
 
- هذه مقولة مشهورة عندنا أيضا. وأرى أنها صادقة إلى حد كبير، والواقع أننى أرى هذه المسألة من جانبين. أولهما جانب تاريخى والآخر جانب لغوي. أما الجانب التاريخى فيتمثل فى ميل المغاربة إلى الرؤية التحليلية والفلسفية وبالتالى النقدية، ويبدو مثال ابن خلدون وابن رشد وحتى ابن حزم أكثرحضورا. أما تأخر الإبداع، الروائى تحديدا، فمن أسبابه –برأيي- فترة الاستعمار الطويلة، تلك التى عانى منها المغرب وبصفة خاصة الجزائر، أكثر من معاناة شقيقه المشرقي، فكان من الطبيعى أن يتأخر نظرا لذلك الإنتاج الفكرى العربى من جانبيه الأدبى والعلمي. أما الجانب اللغوى فأوجزه بهيمنة اللغة الفرنسية، وهى لغة نقدية بامتياز، فالمدارس النقدية الأشهر كان روّادها فرنسيون أو ناطقون بالفرنسية (وهنا لا بد لى من الإشارة إلى تأثر الناقد المصرى الكبير غنيمى هلال بهذه المدرسة)، وبسبب المد الثقافى الفرنسى بالمغرب كان سهلا على النّقاد والأدباء نقل تلك البحوث والتأثر بها وإضافة شيء من الموروث الأندلسى عليها.
 
 = كيف تتأمل ثورات الربيع العربى بعيون المبدع وتأثيرها على حركة الإبداع فى المستقبل؟
 
- علّمنا التاريخ أنه بعد كل ثورة يبرز إنتاج فكرى جديد وتتفتق ثورات ثقافية جديدة، ولأن المنطقة العربية أكثر المناطق على وجه الأرض حِراكا وتغيرا بل وزخما، فإنها لن تشذ عن القاعدة برأيي. بل هى منطقة شابة ومليئة بالحياة ولها رصيد إنسانى كبير يؤهلها لأن تنهض بأسرع مما نتوقع. ولا ننفى أن هناك تحديات كبيرة، على المثقف أن يسهم فى رفعها ولابد له من تلافى أخطاء الأمس المتمثلة فى تكميم الأفواه ومنع الحريات. وبرأيى فالمثقف هو «التيرموماتر» الذى به تقاس درجات التطور والتقدم.
 
لولا هذا الربيع لما استطعت أن أصل إلى عديد من الأصدقاء –فى المشرق بالأخص- عبر الكتابة والنقاش والتواصل، هذا الربيع العربى الذى اسمع العالم بلسان عربى فصيح، قادرٌ على أن يجعل من أمتنا التى فشى فيه التخلف لقرون فى مقدمة الأمم تطورا وعلما وإبداعا.