الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
دعونا نتفاءل
كتب

دعونا نتفاءل




 


  

كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 18 - 09 - 2010



توجيهات رئاسية بتوفير جميع الضمانات لنزاهة العملية الانتخابية
الوطني مطمئن لأغلبيته، والتمثيل العادل حق للأحزاب
الإعلام عيون ساهرة، والمجتمع المدني في اختبار أخير
دعونا نتفاءل ونستبشر خيراً في إجراء انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة، تكون وساماً علي صدر الوطن، وتدشين مرحلة جديدة، تزيل من النفوس هواجس وأوجاع موروثات التزييف، وتعكس بصدق وواقعية إرادة الناخبين في اختيار مرشحهم.
نزاهة الانتخابات ليست حلماً ولا سراباً، ولا تتحقق بالوعود البراقة والتمنيات الطيبة، ولكن بإجراءات شفافة وصارمة، تحقق في النفوس مفهوم العدالة والمساواة، وتقضي أولاً بأول علي مختلف الشكاوي والمظالم التي تعكر صفو العملية الانتخابية، وتخلق حولها أجواء من الشك والتشكيك.
نزاهة الانتخابات لاتتحقق أيضاً بالتخويف والترهيب والتلويح دائماً بفزاعة التزوير، لكن بأن تثق الأحزاب في نفسها، وفي توافر النية الجدية للدولة في إجراء انتخابات بمواصفات قياسية، لتفعيل المواد الدستورية التي تنص علي أن الأحزاب جزء أساسي من نظام الحكم، وتفسح الطريق أمام مشاركتها بشكل أوسع وبتمثيل أكبر.
أسباب التفاؤل أكثر بكثير من أجواء التشاؤم، وألخصها من استقراء المشهد الانتخابي فيما يلي:
أولاً: التوجيهات الرئاسية المشددة بتوفير الضمانات الضرورية:
وتجسد ذلك في تعليمات الرئيس خلال اجتماعاته الأخيرة لكل أجهزة الدولة بأن تلتزم الحياد الكامل، وأن تتخذ من الإجراءات والضمانات ما يكفل إجراء انتخابات نزيهة، تأتي ببرلمان قوي يقود عملية التشريع في المرحلة الصعبة المقبلة، وتحقيق مشاركة أكبر وأكثر فعالية للأحزاب في البرلمان المقبل .
سوف تتبلور هذه التوجيهات الرئاسية في قرارات وإجراءات محددة تقضي علي مخاوف الأحزاب وشكواها من بعض الإجراءات التي تعرقل نزاهة العملية الانتخابية، وكشف النقاب عن بعضها رئيس مجلس الشوري وأمين عام الحزب الوطني صفوت الشريف عقب اجتماع الأمانة العامة للحزب يوم الأربعاء الماضي.
ثانيًا: اطمئنان الحزب الوطني علي موقفه الانتخابي
فالحزب يستعد للانتخابات منذ فترة طويلة .. ويتخذ إجراءات داخلية لتفعيل مفهوم الانضباط الحزبي وعدم الخروج علي مبدأ الالتزام، بجانب إجراء انتخابات داخلية شملت جميع قياداته وكوادره، وساهمت إلي حد كبير في تحديد شعبية كثير من المرشحين في دوائرهم.
تجربة المجمع الانتخابي علي المحك الآن، ولعلها تكون سلاحاً فعالاً في اختيار أفضل المرشحين وأكثرهم شعبية وتواجداً بين أبناء دائرته، علاوة علي استبعاد من تحوم حولهم الشبهات، وتعظيم ضوابط حسن السمعة، والأهم من كل ذلك أن يقتنع المرشحون بأن من تم اختيارهم هم الأفضل.
ثالثاً: الأغلبية المريحة ليست الحصول علي 99 %
ففي المجتمعات والدول المتقدمة، يعتبر الحزب الذي يحصل علي أغلبية برلمانية 55% قد حقق نجاحاً ساحقاً، وبالتالي فليس ضرورياً أن يحصل الحزب الوطني علي 90%- يكفيه - مثلا - 70% أو أكثر أو أقل بقليل، لتفوز مصر ببرلمان يمثل كل الأحزاب والتيارات السياسية، ويساهم في تقوية الأحزاب واستعادة عافيتها من جديد.
الحزب الوطني مؤهل لذلك ويسند ظهره عضوية حقيقية وليست ورقية تتجاوز الثلاثة ملايين، بجانب برنامج طموح تم تنفيذ غالبية بنوده، علاوة علي تواجده القوي في كل القري والمدن والمراكز والأقسام، بشكل لا يتحقق للأحزاب الأخري، وهذه هي أوراق القوة التي يمتلكها ويعتمد عليها في المعركة الانتخابية.
رابعاً: الإعلام عيون ساهرة لاتعرف الانحياز
لم يعد الإعلام في مصر هو إعلام الحزب الوطني ولا يعرف الانحياز لأحد، وحتي في انتخابات 2005 لم تكن للصحف والفضائيات هذه السطوة والقوة والهيمنة التي نراها الآن.. وهذه الأقلام والكاميرات هي خير ضمانة لنزاهة الانتخابات، فلن تخفي تزويراً ولن تجمل أخطاء، وانتهي عصر الإعلام الموجه الذي يعمل بالأوامر والتعليمات.
حتي إعلام الدولة المتمثل في صحافتها والتليفزيون أصبح أكثر حياداً وموضوعية، والصحف القومية تفرد من الآن صفحات كاملة لأحزاب المعارضة لتشرح برامجها وتقدم مرشحيها، وأصبحت معركة الإعلام القومي في الانتخابات المقبلة هي أن يكسب ثقة الجمهور، ويثبت أنه الأقدر علي الالتزام بالموضوعية والحياد.
في الانتخابات المقبلة لن تخلو دائرة انتخابية من كاميرا وصحفي ومراسل، وفي المساء سوف يري المشاهد كل شيء بالصوت والصورة.
خامساً: منظمات المجتمع المدني سلاح ذو حدين
فإذا التزمت الحياد والموضوعية، ولم تعمل بأهواء وتوجهات الجهات المانحة التي تضمر شراً لمصر وللمصريين فسوف تكسب مصر منظمات مجتمع مدني وطنية، تضخ دماء جديدة في عروق الوطن، وتفتح الطريق أمام تجربة رائدة يمكن تكرارها في أحداث أخري.
أما إذا تلونت التقارير بنفس ألوان أوراق «بنكنوت» الجهات المانحة، ونزل النشطاء إلي الدوائر للبحث عن التجاوزات والأخطاء، وتكبيرها وتضخيمها والرقص علي نفس النغمات القديمة، فسوف يخسر المجتمع المدني نفسه، قبل أن يخسر قضية وطنية مهمة.
سادساً: اكتشاف حقيقة الجماعة المحظورة
فالجماهير يمكن خداعها بعض الوقت وليس طول الوقت، ولعلهم اكتشفوا بأنفسهم أن الجماعة المحظورة لا تعمل إلا من أجل أهدافها وأغراضها السياسية، وأن نوابها الثمانية والثمانين لم يفعلوا شيئاً في البرلمان الأخير سوي الصخب والضجيج ورفع الأحذية وتبادل الشتائم والسُباب، والجري وراء القضايا الهامشية التي لا تنفع الناس.
المأزق الحقيقي للمحظورة هو تجفيف منابع الإنفاق المالي الرهيب الذي حدث في الانتخابات الأخيرة فجعلها تمول الدعاية الانتخابية لمرشحيها بالملايين، والتجفيف يرجع بالدرجة الأولي إلي مصادرة أرصدة أعضاء التنظيم الدولي للإخوان في البنوك الأوروبية والخليجية، ولم يعد لديهم إلا بعض الموارد المحلية التي لا تقارن بما كان يأتي من الخارج.
سابعاً: وقف محاولات الالتفاف حول الدستور والشرعية
إذا كان الدستور يحظر المزج بين الدين والسياسة، ويمنع قيام الأحزاب علي أساس ديني، فيجب احترامه وتطبيق نصوصه، والتصدي لمحاولات الالتفاف عليه، ولن تستقيم الحياة السياسية في مصر إلا إذا التزم الجميع بالمظلة الدستورية التي تحمي المجتمع.
وإذا كان قانون الانتخابات يحظر الشعارات الدينية، واستخدام دور العبادة والمساجد والكنائس والمدارس في الدعاية الانتخابية، فهذه النصوص ستظل حبراً علي ورق إذا لم تر النور.
ثامناً: دعاة الفوضي والتهييج لامكان لهم
مصر فيها أحزاب شرعية هي جزء من نظام الدولة وتعمل تحت مظلة الدستور والقانون ، وهذه الأحزاب لها كل الحقوق وعليها كل الواجبات، ومن حقهم أن يكون لهم تمثيل عادل وحقيقي في البرلمان، وأن تزال من طريقهم كل العقبات والموانع التي تعوق مسيرتهم، وأن يقفوا علي قدم المساواة مع الحزب الوطني الحاكم في كل مراحل العملية الانتخابية.
مصر فيها أيضاً حركات احتجاج سياسي عشوائية، استفادت من أجواء الحرية والديمقراطية في التعبير عن نفسها، ولكنها تبذل جهدها لضرب الدستور الذي يمنحها الحماية، والخروج علي القانون الذي أعطاها هذه المساحة من العمل والحركة.
جماعات الفوضي العشوائية «تركز» أنيابها وأظافرها الآن في الانقضاض علي الحزب الوطني، ولكنها مثل «النار التي تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله»، لأنها تعتمد الفوضي منهجاً ثابتاً، وتتربص بأي شيء لتنقض عليه، بعيداً عن المصالح الوطنية التي تستوجب وجود سقف للاختلاف والاتفاق السلمي تحت مظلة الدستور والقانون.
تاسعاً: مساحة الاتفاق كبيرة بين الوطني والأحزاب
فالحزب الوطني يتفق تماماً مع الأحزاب في ضرورة تحقيق الضمانات الكاملة لحيدة ونزاهة الانتخابات.. ويطلب من الحكومة أن تتخذ الخطوات الكفيلة بتفعيل النصوص القانونية المنظمة للعملية الانتخابية، وأهمها أن تمارس لجنة الانتخابات صلاحياتها كاملة وباستقلالية تامة وأن تتوافر لها الموارد المالية التي تساعدها علي تحقيق ذلك.
أجهزة الأمن أيضاً سوف تظل بعيدة تماماً عن اللجان، وسوف يقتصر دورها علي تنفيذ القانون وتأمين الناخبين وحمايتهم وسلامتهم والتصدي للبلطجة والفوضي، وهو مطلب للحزب الوطني كما هو مطلب للمعارضة.
دعونا نتفاءل، فالمتفائلون هم الذين يسيرون إلي المستقبل بخطي ثابتة.. أما المحبطون واليائسون والمحرضون، فهم يصعدون بثبات.. إلي الهاوية.
العطاء المتواصل
لم تفعل شيئاً في حياتها سوي خدمة الناس
بالفعل، تستحق السيدة الفاضلة سوزان مبارك أعلي مستويات التكريم، فقد جعلها الله سبحانه وتعالي نهراً للخير الذي يفيض في ربوع الوطن، بتواصل ودون انقطاع.
جعلها الله سبحانه وتعالي سبباً لتحقيق السعادة والأمل لآلاف الأسر المصرية في كثير من المشروعات الخيرية التي احتضنتها بالاهتمام والرعاية، ولولاها ما أنجز شيء منها.
لم تفعل شيئاً في حياتها سوي خدمة الناس، خصوصاً الفقراء ومحدودي الدخل، أحست بمعاناتهم وتحمست لهم وانحازت إلي جانبهم، وفعلت من أجلهم ما قدرها الله عليه. كان غريباً أن يصدر بيان منافٍ للذوق العام يشجب قيام جامعة القاهرة بمنح السيدة سوزان مبارك الدكتوراة الفخرية، في العُرس الجميل الذي شهدته الجامعة مساء أول أمس.
منافٍ للذوق لأنه اعتمد علي خلطة سياسية فاسدة لتشويه تكريم اجتماعي نبيل، وحمّل المناسبة أكبر من مضمونها ومحتواها، ولم يكن له هدف أو قصد سوي الشوشرة والصخب والضجيج.
منافٍ للذوق العام، لأن جامعة القاهرة العريقة بمكانها ومكانتها، لم تخرج عن القوانين والأعراف والضوابط، حين قررت منح سيدة عظيمة بحجم سوزان مبارك الدكتوراة الفخرية.
الدول المتحضرة والشعوب الأصيلة هي التي تقول لأبنائها الذين يقدمون لها خدمات جليلة «شكراً»، وترفعهم فوق الأعناق، وتكلل أعناقهم بالزهور، وصدورهم بالأوسمة والنياشين. جامعة القاهرة لم تفعل أكثر من ذلك، وهي تمنح درجة فخرية لمواطنة مصرية أصيلة، فعلت من أجل بلدها الكثير، ورفعت راية العمل الاجتماعي، وجعلت له معني وقيمة.
لكننا تعودنا في السنوات الأخيرة أن نفسد المعاني الكبيرة بالتصرفات الصغيرة، ولو طلبت من الأعداد القليلة الذين وقعوا علي البيان أن يجتمعوا من أجل الخير.. ما فعلوا ذلك. ثلاثون عاماً من الجهد المتواصل، خاضت فيها السيدة الفاضلة مواجهات هادئة من أجل المرأة المصرية وإعلاء شأنها وتعزيز مكانتها، وأن تتبوأ مكانها الذي تستحقه في المجتمع.
بجهودها، ظهر إلي النور لأول مرة المجلس القومي للمرأة، ورغم المناخ المجتمعي المناهض لحقوق النساء، إلا أن المجلس نجح في وضع لبنات تنظيم نسائي قوي، يتبني قضايا المرأة ويدافع عنها.
وبجهودها، حصلت المرأة المصرية المتزوجة من أجنبي علي الجنسية المصرية لأبنائها، وانتهت غربة آلاف المصريين الذين كانوا يعيشون في وطنهم غرباء، منزوعي الهوية والجنسية. ماذا فعلت السيدة الفاضلة من أجل إعادة بناء آلاف المدارس في مصر، وإقناع الأثرياء والقادرين أن يتحملوا عن طيب خاطر مسئوليتهم الاجتماعية، وإتاحة الفرصة أمام ملايين التلاميذ ليجدوا فصلاً ومقعداً.
آمنت - أيضاً - بأن الأمم القوية لا تبنيها إلا العقول القوية، المحصنة بالثقافة والوعي، فأطلقت أكبر مشروع تنويري في مصر تحت شعار «القراءة للجميع»، وأصبح الكتاب في متناول الجميع.
قامت بتفعيل الهلال الأحمر، وأصبح له دور في إعانة المنكوبين والمناطق التي تتعرض لكوارث، وفي العريش وأسوان وغيرهما أنشأ مساكن وبيوتا كريمة، تزيل آثار غدر الطبيعة وتمردها. السيدة الفاضلة التي كرمتها جامعة القاهرة في عُرس جميل مساء أول أمس، تحركت بوعيها وعزيمتها لتكريس مفهوم السلام الاجتماعي، ووضعت نصب عينيها المناطق الفقيرة والمهمشة.
لا أنسي، حين كانت تسلم مساكن الدويقة منذ سنوات، وهي تطلب من محافظ القاهرة ووزير الإسكان أن تتحمل الدولة تكلفة تأثيث الشقق للأسر الفقيرة التي لا تقدر علي ذلك.
لا أنسي مشهد الفرح والسرور في عيون الأهالي وهم يتسلمون مساكن نظيفة وصحية، وهم يشدون علي يدها ويقولون لها «شكراً».. جزاك الله خيراً عن الخير الذي جئت به. ياليت الجامعات المصرية الأخري تحذو حذو جامعة القاهرة، وتختار رموز المجتمع ونجومه ورواد العمل الاجتماعي، وتقوم بتكريمهم لنشر ثقافة الاعتراف بالجميل، وفق ضوابط ومعايير عادلة. حيثيات تكريم السيدة الفاضلة سوزان مبارك هي إسهامها في إثراء مفهوم العمل الاجتماعي التطوعي، وبخاصة في مجالات تمكين المرأة واستقرار الأسرة وحماية حقوق الطفل ونشر وتأكيد قيم وثقافة السلام.
تلك المعاني والإنجازات الكبيرة لها علي أرض مصر علامات وشواهد كثيرة، هي التي دفعت بهذا الحشد الكبير من صفوة المجتمع المصري، ليشاركوا في عُرس جامعة القاهرة.


كرم جبر