الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

50 ألف حاج مصرى لإسرائيل خلال العام الحالى






 روزاليوسف اليومية : 21 - 12 - 2011


نشهد حاليا وحتى نهاية ديسمبر ما يسمى ذروة «موسم الحج إلى إسرائيل» الذى يدر على الخزانة الإسرائيلية سنويا 4.5 مليار دولار أمريكى من 2 مليون حاج من الديانات الثلاث ربعهم من مصر ودول عربية وإفريقية وطبقا للأرقام الإسرائيلية الرسمية أدر الحجاج المصريون وحدهم على خزانة الدولة العبرية عام 2011 مبلغ نصف مليار دولار أمريكى خلال خطة سياحة ترانزيت سرية نقلت مسلمين ومسيحيين من مصر لإسرائيل عبر دولة ثالثة نفذتها شركات مصرية خاصة فى إطار خطة إسرائيل لتحويل السياحة عن مصر مستغلة الأحداث الجارية فى القاهرة.
مدخولات السياحة الدينية اليهودية على الخزانة الإسرائيلية سنويا تبلغ 2.5 مليار دولار أمريكى ويبدأ موسم الحج اليهودى بعيد المظال فى 15 أكتوبر ويليه عيد الفصح فى 15 إبريل ثم عيد الأسابيع فى 1 يونيو من كل عام ويستمر الحج فى كل عيد 7 أيام يحج فيها يهود العالم إلى القدس.
أما السياحة المسيحية فتحقق لإسرائيل 1.5 مليار دولار أمريكى، بينما يأتى الحج الإسلامى فى المرتبة الأخيرة ويحج المسلمون عامة للمسجد الأقصى طوال العام بمدخولات لإسرائيل تتجاوز مليار دولار مما يحقق لإسرائيل بشكل عام 4.5 مليار دولار أمريكى من الحج الدينى وتكشف الأرقام الإسرائيلية أن منها نصف مليار دولار أمريكى من سياحة الحج المصرية لإسرائيل.
وبالمقارنة نجد أن موسم الحج إلى الأراضى السعودية خلال عيد الأضحى حقق هذا العام لخزانة السعودية 4.26 مليار دولار أمريكى بينما حقق موسم العمرات 5.3 مليار دولار أمريكى بمجمل مبلغ 9.56 مليار دولار أمريكى.
وحجاج إسرائيل من معتنقى الديانات الثلاث (الإسلام – المسيحية – اليهودية) بلغ عددهم هذا العام 2 مليون حاج توافدوا عليها من حوالى 200 دولة بالعالم بينما توافد على المملكة العربية السعودية للحج هذا العام 4 ملايين حاج مسلم قدموا من 183 دولة بالعالم.
أرقام مثيرة تفجر معانى صريحة حول جوهر وخلفية الصراع السياسى العسكرى الإسرائيلى مع العرب ومشكلة القدس المحتلة فالصراع كما نرى ليس دينيا فقط بل صراع على القدس منجم المال للخزانة الإسرائيلية.
الخطير أن الأرقام نفسها كشفت عن قيام 50 ألف حاج مصرى من بين المسلمين والمسيحيين بالحج لإسرائيل سرا خلال عام 2011 وأن دخولهم إسرائيل كان من خلال البوابة القبرصية والتركية وعدد من الدول الأوروبية كان بينها بريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
وذلك مع وجود أمر دينى من البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية منذ أوائل التسعينيات منع فيه سفر أقباط مصر إلى القدس بتأشيرة إسرائيلية حتى إنه قال: «لن أدخل القدس إلا بتأشيرة فلسطينية ولن أسمح لأى أحد من الأقباط أولادى من السفر إلى هناك».
والمعلومات كشفت أن إسرائيل علمت فى يناير 2011 بأن الأمور فى مصر تتهاوى بالنسبة للنظام السابق وأشارت دراساتها الاستراتيجية فى هذا الشأن إلى أن السياحة فى المنطقة سيتبدل وجهها لمدة من عامين إلى ثلاثة أعوام حيث الفرصة سانحة كى تجذب إسرائيل بساط السياحة من مصر لتحوله إليها.
وفى 1 ديسمبر 2011 أعلنت إسرائيل أنها وفرت من ميزانيتها خلال العام مبلغ 350 مليون شيكل إسرائيلى أى ما يعادل 590 مليون جنيه مصرى لأجل سحب السياحة من مصر خلال الفترة من 2012 إلى 2014 وهى الفترة التى طبقا لتقديراتهم فى تل أبيب ستعانى فيها السياحة المصرية حتى تستقر الأوضاع سياحيا فى مصر وتظهر توجهات الإسلاميين الجدد فى القاهرة تجاه السياحة.
وعلى هامش الإعلان الإسرائيلى تناثرت المعلومات حول كيفية جذبهم للسياحة الدينية المسيحية والإسلامية المصرية خلال 2011 بالذات والوسائل التى نجحوا فيها فى تحقيق ذلك ليتبين أنهم فى فبراير 2011 وعقب سقوط النظام المصرى قاموا بثلاث خطوات مهمة جذبت لهم السياحة الدينية المصرية للقدس.
أولى وسائلهم كانت فى تكثيف الإعلانات الدينية الموجهة للعرب بثت فى تليفزيونات أوروبا وأمريكا طيلة شهور الصيف وكانت الوسيلة الثانية فى شكل تعليمات سرية من الخارجية الإسرائيلية لوكلاء السفر بالعالم بإمكانية الحصول على تأشيرة الحج بداية من فبراير 2011 بالنسبة للعرب والمسيحيين المصريين خاصة خارج جواز السفر بنظام الترانزيت، أما الوسيلة الأهم فكانت اللعب على المشاعر الدينية للشعب المصرى الذى يتعرض لأزمة نفسية بسبب ما يجرى فى بلاده مما يدفع الشعب للبحث عن الجذور الدينية ومن أولها الإسراع إلى الحج للأماكن الدينية المقدسة وهو ما تم فعلا.
وترتيبا على الخطة بلغ ربع حجاج إسرائيل خلال عام 2011 طبقا للأرقام من المصريين والعرب والأفارقة من بين المسلمين والمسيحيين وقامت السفارات الإسرائيلية بتطبيق القرار الإسرائيلى بمنح التأشيرات خارج جوازات السفر بينما لم تصدر سفارة إسرائيل بالقاهرة ذلك النوع من التأشيرات لأنها كانت رسميا سفارة مشلولة دبلوماسيا طيلة العام.
التأشيرة خارج جواز السفر على وثيقة خاصة تجعل المواطن المصرى المسافر إلى تركيا أو قبرص أو أى دولة ثالثة أخرى يدخل مطارات تلك البلاد بشكل عادى طبيعى بنظام الترانزيت وعقب وصوله يحصل على وثيقة سفر إسرائيلية خاصة تستخدم لمرة واحدة تسمى التأشيرة خارج الجواز مما يمكنه من السفر لإسرائيل ليحج ثم يعود لنفس الدولة دون أن يتأثر جواز سفره أو يظهر بداخله أى تسجيل لأختام إسرائيلية ويبدو فى النهاية أنه سافر وعاد من تركيا أو قبرص بشكل عادى فى حين أنه حج إلى إسرائيل.
أمنيا انتهت قصة التأشيرة الإسرائيلية خارج جواز السفر بالنسبة للمصريين منذ أعوام ولم تعد تمنح إلا من أجهزة المخابرات الإسرائيلية لجواسيس إسرائيل من الدول العربية، عندما تتطلب الحاجة حضور الجاسوس بشخصه إلى تل أبيب لتقديم شهادة أو تحقيق أو ما يستدعى منهم نقله إليهم، أما أن يعاد تفعيل ذلك النوع من التأشيرات للحجاج المصريين للقدس فذلك فى إطار خطة ممنهجة لضرب السياحة المصرية.
وفى الحقيقة ألغت إسرائيل نظام التأشيرة خارج الجواز بقرار رسمى بداية من عام 1995 بعد أن حصل عليه العديد من المصريين بمن فيهم كتاب ومثقفون كبار ومشهورون أيام الخطة الإسرائيلية – المصرية للمناداة بالتطبيع مع إسرائيل التى شجعها النظام المصرى البائد ونفذها الكثيرون بالفعل.
أما الإلغاء فقد كان بسبب رفض تل أبيب فى هذا الوقت لفكرة التحايل من أجل جذب المصريين ولكى تعيد إسرائيل تفعيل التأشيرة خارج الجواز كان لابد من وجود سبب قوى تحقق خصيصا لغرض سرقة السياحة الدينية ثانية من مصر.
وطبقا لمعلومات غرف السياحة الإسرائيلية فخطة سرقة السياحة الدينية من مصر خلال عام 2011 نفذتها شركات مصرية خاصة «لم نتمكن من الكشف عن أسمائها لعدم الإشارة لبياناتها صراحة فى قواعد البيانات الإسرائيلية» حيث أنهت تلك الشركات جميع الإجراءات بشكل طبيعى لأفواج سياحية عادية شكلا، بينما تولت من الباطن شركات تركية وقبرصية وأجنبية باقى عملية نقل الحجاج المصريين لإسرائيل بطريقة الترانزيت ونفس الطريقة كانت فى طريقة عودة هؤلاء وبشكل لا يمكن رصده أو إقتفاء أثره.
وفى إسرائيل كان الأمر وكأنه زيارة لمجموعات كبيرة من الجواسيس مرة واحدة بعد أن خصصت وزارة السياحة والشرطة الإسرائيلية حراسات خاصة لتلك الوفود التى ضربت على زياراتها سرية كبيرة وفى خلال أيام بينما مصر كلها منشغلة فى أحداث التحرير وشوارعها كانت السياحة الدينية المصرية تسير على قدم وساق للقدس وسط ترحبيب وزارة الخارجية والسياحة وبالتأكيد المالية الإسرائيلية.
ولم تكتف إسرائيل بقصة السياحة الدينية خلال عام 2011 حيث إنها لنفس الأسباب السياسية نجحت فى تحويل %65 من حجم السياحة السنوية لسيناء والغردقة والأقصر وأسوان إلى إيلات وحيفا ونتانيا وتل أبيب والقدس وربما جزء من ثورة البدو فى سيناء هذا العام كان لفقد المئات للقمة العيش التى سرقتها إسرائيل.
إسرائيل لم تفكر فقط فى سرقة السياحة المصرية الدينية بل ذهبت أبعد فى داخل القارة الإفريقية وفى عدد صحيفة معاريف الصادر بتاريخ 6 نوفمبر 2011 كشفت جانبا آخر من خطة سرقة السياحة فى إفريقيا حيث جندت وزارة السياحة الإسرائيلية شركة الطيران التركية «اطلس جيت» لنقل 15 ألف حاج نيجيرى مسيحى مباشرة من العاصمة النيجيرية «أبوجا» لمطار بن جوريون والعودة خلال فترة الأعياد التى بدأت حاليا.
أما مجلة السياحة الإسرائيلية فى عددها من نفس اليوم 6 نوفمبر 2011 فكشفت أن نصف عدد الحجاج المسيحيين فى القدس من الأفارقة وأن حوالى ربع السياحة الإسلامية مصرية وأشارت المجلة المتخصصة فى السياحة إلى أن إسرائيل لا تستطيع تسيير رحلات جوية فى معظم الدول الإفريقية لأسباب أمنية بحتة وأنها اعتادت استئجار طائرات دول أخرى فى إطار نظام اسمه «الإيجار الرطب» للطائرات وهو ما قامت به خلال عام 2011 .. إذا الخطة بسيطة فالتأشيرة خارج الجواز والسفر لدول قريبة بنظام الترانزيت بطريقة غير مباشرة لإسرائيل حتى الطائرات ليست إسرائيلية، أما الأرباح فهى نظيفة ومباشرة للخزانة الإسرائيلية على جثة السياحة المصرية.
ولا يمكن التجنى على وزارة السياحة المصرية أو أى جهة أخرى حتى على الثوار فى الميدان فالهدف أسمى على المدى البعيد لكن الخسائر فادحة على المدى القصير بالنسبة للسياحة فى مصر وربما يجب على الثوار والإسلاميين الجدد مراعاة حقوق الأسر التى تعيش على السياحة فى مصر وهم بالآلاف.
الحج اليهودى دائما للقدس وجبل صهيون كما حدد فى التوراة اليهودية ثلاث مرات للرجال فقط مع أن النساء بدأت تحج مؤخرا مع الرجال المرة الأولى للحج اليهودى أثناء عيد المظال بداية من 15 إلى 22 أكتوبر وفيه يحج اليهود احتفالا بذكرى خيمة السعف التى آوت بنى إسرائيل أثناء خروجهم من مصر فى صحراء سيناء، أما الحج الثانى فأثناء عيد الفصح بداية من 15 إلى 22 إبريل وسببه احتفال اليهود بعيد خروجهم من مصر الفرعونية، أما الحج الثالث والأخير فى اليهودية فهو خلال عيد الأسابيع الذى يبدأ من 1 يونيو إلى 8 يونيو ويحج فيه اليهود احتفالا بذكرى نزول التوراة على سيدنا موسى فى سيناء.
أما الحج فى المسيحية فهو لكنيسة القبر المقدس فى «كنيسة القيامة» التى تقع داخل أسوار المدينة القديمة بالقدس وهى كنيسة بنيت فوق «الجلجلة» أو مكان الصخرة التى يعتقد أن المسيح عليه السلام صلب عليها وتحتوى الكنيسة على المكان الذى دفن فيه السيد المسيح واسمه القبر المقدس أما التسمية كنيسة القيامة فبسبب قيامة المسيح من الأموات فى اليوم الثالث لموته طبقا للمعتقدات المسيحية.
وهناك أماكن أخرى عديدة يحج إليها المسيحيون منها كنيسة الآلام التى بنيت على الحديقة التى صلى فيها السيد المسيح صلاته الأخيرة فى الليلة التى تلت يوم صلبه وتقع فى سفح جبل الزيتون بالقدس.
أما المسلمون فيحجون إلى المسجد الأقصى أول قبلة فى الإسلام وهو مذكور فى الآية الأولى لسورة الإسراء بالقرآن والذى أشار النبى علية الصلاة والسلام إلى أن الرحال تشد إلى ثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوى والمسجد الأقصى.
مدخولات الحج إلى إسرائيل تقضى على مسميات البطالة ومشاكل أخرى كثيرة وتعزز من مساندة وتمويل حجاج السياسة الأوروبية والأمريكية للقدس كمدينة تحتلها دولة إسرائيل بينما تفجر فى مصر مشاكل صعبة من أهمها وأخطرها مشكلة تحولها لمسألة أمن قومى وقوت يومى بالنسبة لسكان شبه جزيرة سيناء ويجب إيجاد حلول سريعة لها وإلا تفجرت.
إن عام 2011 على وشك الرحيل بما له وعليه فى التاريخ المصرى الحديث ومن واقع الأرقام خصصت الميزانية الإسرائيلية لعام 2012 مبلغ 500 مليون دولار أمريكى لجذب ما تبقى من نصيب مصر المعروف فى السياحة وربما يجب علينا الاستعداد لمواجهة ما سيحدث لو تحقق لهم ذلك ولم تفق مصر من كبوتها السياسية.