الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مصر تحت حكم بونابرت».. يكشف جوانب خفية فى الحملة الفرنسية




الدراسات التى تتناول فترة الاحتلال الفرنسى لمصر ما زالت تثير اهتمام المؤرخين والكتاب، كما أن نابليون بونابرت لا يزال يحظى باهتمام خاص، وفى إطار التأليف عن الحملة الفرنسية على مصر، وفى عرض للعديد من الجوانب الخفية فى تلك الحملة، يصدر المركز القومى للترجمة كتابا بعنوان «مصر تحت حكم بونابرت»، وهو النسخة العربية من كتاب «مصر تحت حكم بونابرت: غزو الشرق الاوسط»، تأليف خوان كول، وترجمة مصطفى رياض، ومراجعة وتقديم أحمد زكريا الشلق.
 
يروى الكتاب فى 577 صفحة، المواجهة السياسية والعسكرية والثقافية التى وقعت بين الفرنسيين والمصريين فى السنوات الاخيرة من القرن الثامن عشر، وتعتمد فى المقام الاول على قراءة موسعة لمذكرات وخطابات خلفها وراءهم شهود عيان على ذلك العصر.
 
أهم ما يميز هذا الكتاب، هو اعتماد المؤلف على مصدر له طابع خاص لدى المؤرخين وهو مذكرات وأوراق ومراسلات ظباط الحملة الفرنسية وجنودها من صناع الوقائع والمشاركين فيها او شهود العيان، وهذا المصدر مهم وملهم وله طابع انساني، وباعتباره مصدرا غير رسمى فان درجه مصداقيته عادة ما تكون اعلى من المذكرات والقرارات الرسمية، خاصة أن الحملة لم تكن مجرد حملة عسكرية، وانما كانت لها جوانبها الحضارية والاجتماعية المتعلقة باختلاط الفرنسيين بالمصريين فى اواخر القرن الثامن عشر، ومن أبرزالجوانب التى ابرزها الكتاب، أنه سجل جوانب كبيرة من العمليات العسكرية الفرنسية التى ابرزت وحشية جيش الشرق الاستعمارى الذى حاول الفرنسيون اخفاءها تحت قناع الحداثة والتحديث، حيث كان الظباط الفرنسيون يكتبون ويسجلون فى مذكراتهم وخطاباتهم لذويهم، ما أحدثوه من تدمير وإحراق لقرى بكاملها، فضلا عن عمليات السلب والنهب التى مارسها دعاة الحرية من الفرنسيين.
 
صور المؤلف خوان كول فى هذا الكتاب كيف قاوم العثمانيون مع المصريين والماليك،هذا الغزو عندما دارات معركة اشتهرت بمعركة الاهرام، فذكر أن العثمانيين قاوموا ولم يهربوا أو يستسلموا الا بعد قتال عنيف،فقد صور شهادات فرنسية مهمة عن إحراق الفرنسيين للرحمانية انتقاما من الاهالى الذين فروا منها، وكيف اشعلوا الحرائق فى كثير من القرى فى طريق زحفهم الى القاهرة، ومن الامثلة التى اوردها الكتاب وتدل على الوحشية ،عندما أحرق البدو أحد أمناء المخازن وخادمة الفرنسيين،استشاط بونابرت غضبا وأمر باضرام النار فى القرية باكملها، وقتل اهلها جميعا رميا بالرصاص او بضرب اعناقهم بالسيوف، وهى عقوبة جماعية لا تستند الى منطق،وممارسة فجة للارهاب.
 
ونلاحظ على امتداد الكتاب، كيف تميز المؤلف بنظرة نقدية، لا تستسلم لما ورد بالتقارير والمنشورات الرسمية، فهو يرى أن الفرنسيين الذين جاءوا الى مصر لتخليصها من ظلم  المماليك واستبدادهم، لم يختلفوا عنهم كثيرا فى السطوة والجشع، وأنه ربما كان وجه الاختلاف يتمثل فى انهم كانوا اكثر حرصا على ما يلزمهم من موارد، وأنهم افضل تسليحا ايضًا.
 
وقد حظيت سياسة بونابرت الاسلامية باهتمام خاص من جانب المؤلف فخصص لها الجزء السابع،حيث أوضح باسهاب كيف انه استخدم الدين لاغراض سياسية، حيث حاول مثلا اقناع ائمة المساجد بالدعاء له فى صلاة الجمعة كما كانوا يدعون للسلطان العثماني.
 
وهناك قضية هامة ايضًا يثيرها الكتاب، وهى ان بونابرت احرق مستندات دولته ذات الصلة بجمهورية مصر الفرنسية بعد ان ادرك مدى الفوضى التى احدثها فى وادى النيل، والفشل الذريع الذى منيت به حملته، والاعلام والدعاية الكاذبة التى احاطت بحملته، وقتل الآلاف بدون رحمة واحراق القرى وتدميرها، ويتعجب المؤلف بانه على الرغم من كل هذا فان هناك البعض من انصار القومية المصرية فى مصر يصفوا هذه الحملة بانها كانت دفعة قوية نحو الحداثة.