الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الحرية لـ«التوك شو»
كتب

الحرية لـ«التوك شو»




 


 

كرم جبر روزاليوسف اليومية : 14 - 10 - 2010


من ينقذ الإعلام من سطوة المال؟


( 1 )


- مخطئ من يتصور أن إغلاق فضائيات الجنس والفتنة والشعوذة والسحر والدجل يمس حرية الإعلام من قريب أو بعيد، كان من المفترض أن تغلق منذ عدة سنوات ولا يسمح لها أصلاً بأن تلوث الشرف الإعلامي.


- قلت عن هذه القنوات منذ سنوات بأنها «فضائيات حرق مصر» وتُرك لها الحبل حتي شنقت نفسها به، بعد أن تصورت أنها أصبحت قوة باطشة، لا يستطيع أحد الاقتراب منها أو المساس بها.
- هذه الفضائيات تكتسب قوتها من العمل في الأراضي المصرية والظهور من خلال «نايل سات»، ووقف بثها من مصر هو حكم حتمي بإعدامها، ولن تستطيع فضائية واحدة أن تعيش خارج مصر.
( 2 )
- مخطئ من يتصور أن حرية الإعلام هي حرية حرق البلد، وإثارة الفتن الدينية بين المسلمين والأقباط، وأن ينتشر المتطرفون من الجانبين ليملئوا الدنيا حروباً تشعل الكراهية والبغضاء.
- وكأن يوم القيامة قد اقترب، وتمسك هذه الفضائيات النفير لحشر البشر من أجل الحساب والعقاب ونصّب الأدعياء الجدد من أنفسهم ملائكة الحساب والرهبة واستثمروا ذلك لحسابهم الخاص.
- فتاوي ما أنزل الله بها من سلطان ملأت الأجواء مثل السحابة السوداء، فسدت رئة المجتمع التي يستنشق بها الوعي والتنوير ووضعت علي العقول سترة من الانغلاق والعزلة والتخلف.
( 3 )
- مخطئ من يتصور أن حرية الإعلام هي أن تطلق الكاميرات كالوحوش المفترسة، تبحث عن أي أخطاء فتنبش أظافرها وأنيابها فيها، ثم تحمل الجثة وتعرضها علي المشاهدين ليلاً، ليناموا في أحضان الكوابيس.
- نعم تحولت حياة المصريين إلي كوابيس ثقيلة يشاهدونها ليلاً، وتؤرقهم نهاراً وتقتل في نفوسهم الأمل والتفاؤل وتحوله إلي كائنات معجونة بالتمرد والاكتئاب والغضب.
- مصر هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يحدث فيها ذلك، وتدفقت علي ساحتها الإعلامية الأموال الضالة من كل فج عميق، أدخولها بسلام آمنين، لتقويض أركان الهدوء والاستقرار والسلام، الذي يميز شعبها.
( 4 )
- مخطئ من يتصور أن التنظيم الذي يعيد الأمور إلي نصابها الصحيح هو اغتيال للحرية والديمقراطية وإطفاء للأنوار وعودة لزوار الفجر وغير ذلك من الأوصاف التي تبكي علي حائط الحرق.
- الإعلام الجاد هو المستفيد الأول من ذلك، والجدية ليس لها سوي معني واحد هو احترام القانون والالتزام بمواثيق الشرف الإعلامية التي تحولت إلي مجرد أوراق، لا تصلح حتي لتنظيف زجاج المنازل.
- الإعلام الجريء هو الذي يتسلح بالحقائق والمعلومات ولا يجري وراء التحريض والإثارة ومصر فيها فضائيات وبرامج «توك شو» جادة، سطرت شهادة ميلادها بالجرأة والموضوعية وهي ثمرة التطور الديمقراطي الذي تشهده البلاد.
( 5 )
- مخطئ من يتصور أن مولد الديمقراطية قد انتهي فهي ليست منحة ولا هبة ولا هدية، ولكنها حقوق مكتسبة للمصريين جميعاً، وليس من حق أحد أن يسلبها منهم أو أن يعرقل مسيرتها.
- من حق المجتمع - أيضاً - أن يحمي حريته وأن يصون نفسه، وألا يترك مصيره في مهب الريح، وانظروا حولكم في الشرق والغرب، هل توجد دولة أخري يتم اختيارها كساحة للفوضي الإعلامية؟
- لا تنخدعوا بالكلام المعسول والشعارات البراقة حول الحرية الكاذبة التي كادت أن تشعل الحرب بين المسلمين والأقباط علي أنغام تراشق إعلامي بين «بيشوي» و«العوا» تحت شعار «الحرية».
( 6 )
- مخطئ من يتصور أن الفوضي قد توقفت عند هذا الحد، فالنار مازالت متقدة وبشدة تحت الرماد، ووقودها أموال ساخنة يضخها رجال الأعمال في الساحة الإعلامية دون ضوابط أو إجراءات شفافة.
- سوف يأتي يوم تصبح فيه لكل رجل أعمال فضائية تحارب معاركه وتقاتل منافسيه وتخوض الحروب والمعارك نيابة عنه، وسوف يتحول الإعلاميون إلي مرتزقة يتم شراؤهم واستئجارهم.
- الحروب لن تتوقف إلا إذا تحولت الدكاكين الإعلامية «فضائياً وصحفياً»، إلي مؤسسات قوية وشركات محترمة بعيداً عن السطوة الفردية والإدارة المزاجية لأصحاب القنوات «بفلوسهم».
( 7 )
- مخطئ من يتصور أن التجربة يمكن أن تعيش طويلاً، إذا كانت سطوة المال هي صاحبة السيادة، فالاستثمار في الإعلام ليس تسقيعاً للأراضي، ولا استيراداً للصلصة والمايونيز والأعلاف إنها أخطر صناعة في التاريخ.
- صناعة تقوم بتشكيل العقول والأفكار وتصنع الرأي العام وهي في نفس الوقت سلاح لا يجب إشاعة استخدامه لكل من يملك ثمنه خصوصاً في مجتمعات لم تترسخ فيها بعد ثقافة الحوار والاحترام.
- إنها المعادلة الصعبة التي ظلت مختلة ولم تحقق التوازن الآمن بين حرية الإعلام وحرية المجتمع بين الكلمة والسكين، بين الالتزام والفوضي.. تلك هي القضية.


E-Mail : [email protected]