الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
من يحرس الجامعة؟ (2)
كتب

من يحرس الجامعة؟ (2)




 


 

كرم جبر روزاليوسف اليومية : 26 - 10 - 2010



لقد كانت جامعاتنا في ذمة الجماعات الإسلامية
(1)
- أتذكر ذلك التاريخ جيدًا أبريل 1986، حين طلب مني الكاتب الكبير المرحوم فتحي غانم أن أذهب إلي أسيوط، وأن أبحث عن إجابة لسؤال محدد: فيم يفكر طلاب الجماعة الإسلامية؟
- كانت أسيوط وقتها دولة داخل الدولة، وتأتي أخبارها إلي القاهرة كل يوم لتثير القلق في النفوس، فالحوادث الإرهابية المروعة لا تنقطع يومًا واحدًا، وعمليات القتل تسجل معدلات قياسية.
- أول من ذهبت إليه كان الدكتور محمد حبيب نائب المرشد السابق، وكان نائبًا بالبرلمان، وجلست معه في نادي أعضاء هيئة التدريس بمنطقة الوليدية، ودار بيننا حوار طويل.
(2)
- نصحني الدكتور حبيب بأن أذهب بنفسي لمقابلة طلاب الجماعة الإسلامية المعتصمين في مسجد شارع «جولتا» القريب جدا من الجامعة، وبالفعل ذهبت، وكان الشارع كله عبارة عن ثكنة عسكرية.
- الوقت هو صلاة العشاء، والشارع كله مظلم حتي لا يتجمهر الطلبة بعد الصلاة، وقوات الأمن بأسلحتهم أكثر من السكان الأصليين، ودخلت المسجد لأداء الصلاة، ولم يكن فيه سوي خمسة طلاب بالجلباب الأبيض.
- بعد الصلاة أخرجت لهم تحقيق الشخصية، وبعد أن تشاوروا مع بعضهم وافقوا علي الحديث معي بشرط أن يكون مسجلاً ولا يتم تحريف أي كلمة.. ووعدتهم بذلك.
(3)
- كتبت عدة تحقيقات في «روزاليوسف» تحت عنوان «أسيوط في ذمة الجماعة الإسلامية»، لأن الذي حدث في ذلك الوقت هو أن أعضاء الجماعة قاموا بطرد الحرس الجامعي، وتولوا بأنفسهم هذه المهمة.
- السبب هو مشاجرة بين أحد المخبرين وطالب اسمه «شعبان» انتهت بأن أطلق المخبر رصاصة استقرت في رأس شعبان، فراح في غيبوبة، علي إثرها احتل طلبة الجماعة الجامعة وعطلوا الدراسة وطردوا الأمن.
- أمر الرئيس مبارك بنقل الطالب بطائرة خاصة إلي مستشفي المعادي للقوات المسلحة لاستكمال علاجه، وهدأت الأمور بعض الشيء، ولكن كانت كل الشواهد تنذر بالخطر.
(4)
- لم يجد محافظ أسيوط في ذلك الوقت اللواء سامي خضير مفرا من أن يتفاوض مع الطلبة، ليوافقوا علي إعادة الدراسة، وعودة الحرس الجامعي إلي الجامعة، وأملي طلاب الجماعة الإسلامية شروطهم.
- كان الموقف خطيرًا ومهينًا، والجامعة بل أسيوط كلها تحت إمرة أمراء الجماعة الإسلامية، يفرضون قانونهم الخاص، والمحافظ يتفاوض مع الطلبة، ليوافقوا علي إعادة الدراسة!
- المشهد الذي كان مألوفًا في صلاة الجمعة هو عربات الأمن الرهيبة التي كانت تحيط بمسجد جمال عبدالناصر في قلب أسيوط، ثم المظاهرة العارمة بالعصي والجنازير، والمصلون يفرون مذعورين.
(5)
- شارع شركة «جولتا» الذي كان المكان المفضل لنفوذ الجماعة الإسلامية، هو «سنتر» المدينة، وفيه تقع معظم المحال التجارية، وهو الطريق الرئيسي الذي تدخل منه السيارات المقبلة والمغادرة.
- هذا الشارع كان مظلما طوال الليل للتضييق علي أعضاء الجماعة، وتستمر حالة عدم التجوال لساعات طويلة بالنهار، خوفًا من القيام بأعمال إرهابية ضد ممتلكات الأقباط المنتشرة في الشارع.
- في أكثر من مرة كانت تحدث مطاردات بالرصاص بين الشرطة والطلبة المسلحين، بالقرب من المدارس والأماكن المزدحمة، فتحدث حالة من الفزع الحقيقي، وتتحول المنطقة إلي ساحة للقتال.
(6)
- أعود لسؤال الأستاذ فتحي غانم: فيم كان يفكر هؤلاء وماذا يريدون؟ الإجابات التي حصلت عليها منهم مطاطة: يريدون تغيير المنكر، وإقامة المجتمع الإسلامي وعزل رئيس الجامعة ومدير الأمن وأمن الدولة.
- يريدون أسيوط مجتمعًا إسلاميًا، ترتدي النساء الحجاب، ويمنع الاختلاط في الجامعة والشوارع، وأن يكون للطلبة الحق في اتخاذ القرارات التي تتعلق بهم.
- قالوا كلامًا كثيرًا، ولكنه كان يشير إلي شيء خطير واحد، هو أن أسيوط بالفعل «في ذمة الجماعة الإسلامية».
(7)
- أغضب العنوان «أسيوط في ذمة الجماعة الإسلامية» الذي تصدر غلاف «روزاليوسف» محافظ أسيوط واعتبره هجومًا عليه، ولكن حدث بعد ذلك ما توقعته.
- تحولت الجامعة إلي ثكنة للجماعة الإسلامية ومكان لتهريب الأسلحة والمتفجرات التي استخدمت في الأعمال الإرهابية التي لم تنقطع يومًا واحدًا، وأصيبت الحياة بالشلل التام.
- أصبحت الجامعة وكرًا لتخريج الطلاب المتطرفين، الذين انتشروا بعد تخرجهم في المصالح الحكومية والمدارس وغيرها، وفرضوا طقوس التطرف علي أي مكان وجدوا فيه.
(8)
- امتدت العدوي من جامعة أسيوط إلي جامعة المنيا، وأصبح الصعيد كله واقعًا في براثن الجماعات الإرهابية التي كانت الجامعة هي الصوبة التي يتربي فيها التطرف والإرهاب.
- كانت المهمة صعبة وشاقة وعسيرة لحماية أمن الجامعة وطلابها وأساتذتها وباحثيها.. حمايتهم من الخوف والرعب والإرهاب والتطرف والانغلاق والعودة إلي عهود الظلام.
- لكننا ننسي وذاكرتنا ضعيفة، ونتصور أن الجامعات لها أمن ذاتي يستطيع أن يحرسها.
(9)
- هذه هي الجوانب الخفية التي غابت عن حكم المحكمة الإدارية العليا، الذي يقضي بإلغاء الحرس الجامعي، ويترك الجامعات في العراء دون غطاء حقيقي يحميها ويصون ممتلكاتها.
- الجامعات ملك للمجتمع، ومسئولية الدولة هي حمايتها وتهيئة الأجواء لها لتقوم بمهامها في تأهيل الشباب وإعدادهم للمستقبل.
- لن يتحقق ذلك إلا إذا انصرفت لمهمتها الرئيسية: التفرغ للعلم وليس البحث عن أطقم لحماية الأمن.

 

 


E-Mail : [email protected]