الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حاتم الصكر: الأجناس الأدبية لا تتصارع وهذا سبب رفضى لمقولة «زمن الرواية»




حاتم الصكر ناقد وشاعر وأكاديمى عراقى، من المهتمين بالكتابة فى عدة مجالات منها أدب الطفل، وإن كان الجانب النقدى يحتل المرتبة الأولى عنده، تتركز جهوده النقدية على المتن الشعرى، تنتمى شاعريته إلى مدرسة الستينيات، وله عدة مؤلفات منها: «المرئى والمكتوب»، و«مرايا نرسيس»، و«كتابة الذات»، «البئر والعسل».
أنت شاعر وناقد، لكن يغلب عليك صفة الناقد.. ألا يحزنك تهميشك كشاعر؟
توقفت تجربتى الشعرية ضمن مدار الستينيات: جيلى الذى أحمل من مزاياه التربية الشعرية، معنى أن أغلبنا بدأ شاعراً، القصيدة اقرب الأدوات - ولا أقول الأسلحة - للتعبير عن الذات والقضايا التى تمسها، لكن الكثيرين وأنا منهم تتكشف قدراتهم بعد حين، نشرت ثلاثة دواوين شعرية ورقية منذ السبعينيات، وديوان آخر نشرته إلكترونيا فى موقعى على النت، لكننى رضيت بتوقفى، لأن صلتى بالشعر توثقت وزادت عبر قراءته وتحليله والانشغال بأساليبه وأشكاله وحداثته، تلك الأسئلة الحارقة وجهتنى صوب قراءة الشعر بحميمية أغنتنى عن مواصلة تجربتى فى كتابته، لا يحزننى توقف تجربتى -لا تهميشها- فقد دخلت قصائدى فى أكثر من موضوع نقد ودراسة أكاديمية لعل أفضلها ما قدمه الناقد الراحل الدكتور محسن إطيمش فى كتابيه دير الملاك وتحولات الشجرة، وكثيرا ما كررت قولى إنى لم ابتعد عن الشعر بسبب توقف كتابته، بل واصلت الحياة بهديه، غير بعيد عن عوالمه وتحولات القصيدة وحداثتها، وربما كان ذلك كافيا لوصف وتحديد علاقتى بكتابة الشعر.
 اهتمامك بنقد الشعر وإهمال الأجناس الادبية الأخرى.. هل هو انحياز للشعر؟
نعم، يمكن أن تفسر الأمر بهذا الشكل، مازلت أؤمن أن الشعر لا ينفد أو يستنفد، قد تتأخر أولويته حين يكون إيقاع الحياة ملحميا، ليس بالشعر طاقة لمتابعة تفاصيله؛ فتقوم الرواية فى اللحظات المحتبسة والعنيفة أو المؤلمة -كما يجرى مثلا فى عالمنا اليوم- بتمثل ذلك وإعادة تمثيله سرديا، الشعر يقف على مبعدة من الحدث لأمرين: كى لا تلتهمه وتصادره تلك الأحداث والوقائع الضاغطة على الوعى والشعور، فيكون النص الشعرى بسيطا وفقيرا إزاءها، ولكى لا يكون التعبير السردى عن تلك الوقائع مباشرا وضعيفا، أذكر ما حصل حين قتل الجنود الصهاينة الطفل محمد الدرة أمام كامرات الإعلاميين.
كانت الصورة أبلغ من أى قول، لذا علقت على قصيدة الراحل محمود درويش عن محمد الدرة قائلا إنها تخسر فى التلقى لما فى اللحظة تلك من دراماتيكية تفوقت الصورة على الأدوات الأخرى فى التعبير عنها، وهزت شعور الجميع حتى من أصدقاء ورعاة اسرائيل أنفسهم. الفنون الأخرى قربت من نقدها فى السنوات الأخيرة.أعد نفسى قارئا متابعا للرواية والقصص بعد متابعة الشعر، وكتبت كثيرا حول التحولات والمصائر فى السرد.فى القاهرة قبل سنوات وفى ملتقى دراسى فى المجلس الأعلى للثقافة قدمت دراسة مطولة حول الثيمات الجديدة فى السرد الروائى فى العراق، ودراسة أخرى حول التحولات السردية للشخصيات لدى نجيب محفوظ ودلالاتها، دراسات عن رواية السيرة الذاتية، فضلا عما نشرت من متابعات ودراسات حول السرد الحديث فى اليمن، لكننى أؤمن بأن الأجناس والأنواع الأدبية تتعايش ولا تتصارع، وهذا أهم سبب لرفضى مقولة الدكتور جابر عصفور بأن هذا هو زمن الرواية أو عصرها.
 بالمناسبة.. هل ما زال العراق بلد الشعر؟
العراقيون يعيشون الشعر ولا يكتبونه فحسب، الأغانى والتراث الشعبى والتربية المدرسية والأسرية والأمثال والحكم كلها شديدة الاتكاء على الشعر، ولهذا ولأسباب تاريخية منها ازدهار الشعر العباسى وما بعده فى العراق كون بغداد عاصمة الخلافة لأكثر من خمسة قرون، بجانب الميراث الضخم للدول والحضارات التى قامت فى بلاد الرافدين، وانطلاق التحديث للشعر الحر من العراق، ربطت العراقى بحبل سرى مع الشعر، ورغم ازدهار السرد فى العقود الأخيرة لكن الشعر يظل فى الأولويات القائمة، وتعاد الآن ولو بشكل محدود مهرجانات المربد وتصدر مجلات متخصصة بالشعر كمجلة بيت الشعر، إضافة إلى الإصدارات الشعرية الكثيرة والمواقع الإلكترونية العراقية الخاصة بالشعؤر والأدب عامة.
 أنت من أبرز نقاد قصيدة النثر فى العالم العربى.. برأيك هل استقرت دعائم هذه القصيدة فى العالم العربى؟
راهنت كثيرا على قدرة قصيدة النثر للتعبير الشعرى بإيقاعات مختلفة ومبتكرة وبكيفيات متنوعة مستفيدة من السرد وتداخل الأجناس وتهدئة الاندفاع الموسيقى الضاج فى شعر التفعيلة، وصار لدينا نتاج كبير كميا وبتيارات مختلفة، لم تعد قصيدة النثر واحدة بل هى مناخات ورؤى متعددة، رغم ملاحظاتى على كثير من نصوصها الممتثلة للتناظر مع التجارب الكبيرة أو المكررة للتجارب الشائعة، لقد تبدلت المؤثرات فى الكتابة الشعرية وصارت تجربة مجلة شعر وجماعتها إرثا ومرجعا فحسب بجانب المؤثرات اللاحقة وعبر الترجمة خاصة وتطور وسائل الاتصال وتنوعها.
أما عن الاستقرار فأعتقد أن قصيدة النثر توفرت على مزايا فارقة وأسلوبية مميزة يمكن للنصوص أن توضحها وتؤكدها.
 ما هو سؤال النقد اليوم؟
هى أسئلة فى الواقع لا سؤال واحد، لكن أبرزها وأكثرها إلحاحا هو سؤال الصلة بين النص والنقد: أيظل النص كما يريد النقاد المنهجيون مناسبة لفحص للأساليب والتغيرات، أم تكون الكتابة النقدية كما يريد دعاة النقد الثقافى خارجة على النقد الادبى المعنى بتعقب النصوص فيما يريدون فحص الثقافة من خلال الظواهر والمميزات وزوايا النظر التى جاءت بها تيارات ما بعد الحداثة، فيدرسون قضايا إعلامية وظواهر بصرية وتجليات اجتماعية ونفسية عابرة للنصوص المفردة التى يرون أن متابعتها ونقدها من مهمات النقد الأدبى الذى أعلنوا موته! بعبارة الدكتور عبدالله الغذامى.
 ماذا أفادك التنقل ما بين بغداد وصنعاء وأمريكا؟
التنقل فى المكان لا يلزم تغيير الرؤية أو فرض مرجعيات جديدة للفكر، خاصة أن هجرتى وتنقلاتى جاءت متأخرة بعد تكوينى وسنوات طويلة من انشغالى بالكتابة، صنعاء كانت مدينة روحية زرتها مبكرا خلال تدريسى فى عدن قبل الوحدة، وتكررت زياراتى لصنعاء وأحببت الإقامة فيها حين ضاق العيش تماما فى العراق منتصف التسعينيات، ولازمتها أكثر من ستة عشر عاما مدرسا حتى أخذتنى رياح الهجرة وألقت بالسفن على شواطئ لا صلة لنا بها، فى أمريكا أعيش منعزلا عن الحركة الثقافية لأسباب يطول شرحها، ما توفر لى فقط هو الوقت حيث أقيم الآن بلا عمل متفرغا للقراءة والكتابة، فى صنعاء كان التدريس يمتعنى ويكسبنى أحبة وأصدقاء يخففون عبء الغربة، أفادتنى الأسفار والتنقلات فى تقوية اعتقادى بضرورة التعايش بين البشر، وعلى المستوى الثقافى الخالص تهيأت لى فرص الاندماج فى الحركة الثقافية عبر النشر والندوات والتدريس، لكن بغداد ظلت المقصد والهدف والملهمة ثقافيا وحياتيا طيلة سنواتى التى عشتها قبل خروجى أواخر عام 1995.
 كيف تتأمل ثورات الربيع العربى بعيون الناقد ودور المثقفين العرب فيها؟
المثقف العربى لا دور له كمؤثر مباشر فى الثورات الربيعية وتداعياتها اللاحقة، ثمة فاعلون ولاعبون ومخططون ليس لهم صلة بالثقافة ويستثمرون سقوط الدكتاتوريات وما تتركه خلفها من جنايات كالفراغ السياسى والفكرى نظرا للقمع الذى تمارسه ضد معارضيها فيقفز لحصد المحصول من هذه الثورات الشعبية حملة الخطاب الدينى المتشدد ويلتفون على الربيع وشعاراته ومكاسبه، وينظّرون للتخلف ومصادرة الحريات، المثقفون وهبوا الوعى وما يجب ان تكون عليه الحياة لكنهم ليسوا ذوى قدرة على التأثير الكافى وسط حدة الاحداث وضراوتها وهيمنة الخطاب السياسى المرحلى والمحدود، ربما كانت مواجهة المد المتطرف هى المهمة الأساسية التى انجزها قليل من المثقفين والإعلاميين، تجربة مصر كمثال وتصحيح مسارالثورة بعد عام على انبثاقها وما قام به الإعلام خاصة من دور فى تهيئتها، وكذلك دور المثقفين المصريين فى رفض الإرهاب والتخلف عبر السينما والفنون الاخرى بجانب الدراسات المعمقة حول تلك الظاهرة التكفيرية المقيتة.
 هل تعتقد أن هذه الثورات انعكست بالإيجاب على القضية العراقية أم أسهمت فى تهميشها؟
لعل ما حصل فى العراق من تغيير كان من أهم دواعى قيام الثورات الربيعية، لكن ما حصل بعد ذلك فى العراق لاسيما تعثر المسيرة السياسية وتكريس المحاصصة الطائفية وانشقاق المجتمع بسبب ذلك بجانب العنف والإرهاب الذى يمارس كل يوم، قد جعل العراق حالة خاصة فى لائحة التغيير، ولا شك أن ما يحصل فى بلداننا كلها يترك أثره فيها سلبا وإيجابا، السلبية فقط فى تقوية اصطفاف التكفيرين والإسلامويين، وإمعانهم فى تخريب النظم المدنية والحضارية، وإشاعة الفكر التراجعى الذى يرى حتى فى الحضارات والآثار القديمة والتراث الوطنى والفن أعداء تجب محاربتهم.
  هل لدينا أزمة فى النقد؟ أم استطاع النقاد مواكبة الإبداع العربى؟
لا أميل للحديث عن (أزمة) فى المجال الثقافى، هذا المصطلح مرحَّل من الخطاب السياسى والاقتصادى، أما الفاعلية النقدية فمرتبطة بالنصوص وما تفرزه من ظواهر، وكذلك بنظرية الأدب والتحولات فى الرؤى والمناظير كالنزعة النصية ثم التفكيك البنائى للقصيدة، وكشف مستوياتها للمتلقى، المواكبة حاصلة على مستوى التطبيقات والتحليلات، وكذلك يتطور القاموس النقدى ومفرداته ويتجدد تأثرا بالمناهج المختلفة، وبصدد سؤالك المهم هذا بودى التنبيه لما يقدمه النقد من تنظير للنصوص واستباق احيانا لتبدلاتها وتهيئة المتلقى لتقبلها، أما المواكبة بمعنى متابعة (كل) ما يصدر فهذا غير ممكن إلا إذا أرسينا تقاليد للمراجعة عبر صفحات ثابتة فى الصحافة.