الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شهاب غانم: الديمقراطية الحقيقية تحتاج العقل والبعد عن العنف




أكد الشاعر والمترجم الإماراتى شهاب غانم أن ثورات الربيع العربى أعطت للشعوب ثقة فى قدرتها على رفع صوتها ضد الظلم والقهر والفساد، وأنه رغم صعوبة مشوار الديمقراطية الذى يتطلب عملا عقلانيا دؤوبا، وبعداً كاملاً عن العنف، واهتماماً بالتعليم والثقافة والتنمية، وإيماناً عميقاً بالرأى والرأى الآخر، فإنه يرى أن الدول العربية ستصل لحلم الديمقراطية بعد وقت غير طويل، عن أحوال الوطن العربى السياسية والثقافية، وترجماته الشعرية وحصوله على جائزة طاغور العالمية للسلام دار هذا الحوار:
 
■ أصدرت ثلاثة عشر ديوانا بالعربية وديوانين بالإنجليزية.. فهل الإبداع قرين الغزارة؟
 
- الإبداع قرين الجودة، وقد اشتُهر عدد من الشعراء فى تاريخ الأدب العربى بقصيدة واحدة، أما الغزارة مع الجودة فشىء رائع، ولكن ذلك فى الواقع أمر نادر.
 
■ ألا تمثل الكتابة بالإنجليزية ازدواجا فى الهوية؟
 
- لقد تعلمت اللغة الإنجليزية فى طفولتى وكانت دراستى فى المدرسة الثانوية والجامعة وكل الدراسات العليا بالإنجليزية، ولكن تبقى العربية اللغة الأم وأنا أكتب الشعر باللغة العربية ودواوينى بالإنجليزية معظمها ترجمات عن شعرى بالعربية..
 
طاغور كان يكتب شعره بالبنغالية ويترجم شعره إلى الإنجليزية التى كان يجيدها وحصل على جائزة نوبل للأدب عندما اطلع الشاعر الأيرلندى ييتس وغيره على بعض تلك الترجمات التى أذهلتهم.
 
■ لماذا ترجمت الشعر؟
 
- عندما كنت فى المدرسة الثانوية كان من المواد المقررة علينا فى مادة الأدب الإنجليزى ترجمة الشاعر الفكتورى إدوارد فتزجرلد لرباعيات عمر الخيام، وهى ترجمة ساحرة، وإن كانت لم تلتزم بالأصل الفارسى بدقة، كما يقول الخبراء، وقد اقنعتنى تلك الترجمة بأن ترجمة بعض النصوص الشعرية يمكن أن تنتج نصوصا ممتعة، وعندما كنت طالبا فى بريطانيا فى الستينيات ترجمت شفويا لشاعرة إنجليزية -وكانت خريجة كامبردج وتدرّس الأدب الإنجليزى فى مدرسة بلندن- بعض أبيات لوالدى الشاعر د. محمد عبده غانم فسُحرت بها وطلبت منى المزيد منها.
 
فى أوائل الثمانينيات أجرت صحيفة (جلف نيوز) فى دبى حواراً مع شقيقى الدكتور الفنان نزار غانم حدثهم فيه عن قصيدتى (الأمواج) التى كان قد لحنها وغناها فطلبت الصحيفة منى ترجمة إنجليزية للقصيدة، وقد اطلعت الشاعرة الأمريكية الشهيرة نعومى ناى على الترجمة وأشادت بها فى رسالة إلى.
 
وكنت أنشر بعض ترجماتى لقصائد إنجليزية فى أوقات متباعدة فى مجلات مختلفة، ولكن عام 1989 طلبت منى صحيفة (خليج تايمز) أن أترجم قصائدى إلى الإنجليزية فى ركن أسبوعى ولكنى جعلت ذلك الركن لترجمة مختارات من الشعر العربى فى القرن العشرين، واستمر الركن لعدة سنوات ثم انتقل إلى صحف ومجلات أخرى، كما قمت بترجمة الشعر الإنجليزى والأجنبى بما فى ذلك الكثير من الشعر الهندى المعاصر فى صحف ومجلات عربية وخصوصا (دبى الثقافية) التى نشرتُ ترجمات شعرية فى كل أعدادها منذ بدأت قبل 13 سنة وجمعت ما ترجمته فى كتب وصدر لى حتى الآن عشرون كتابا باللغتين.
 
ذات مرة زارنى فى مكتبى بدبى مدير عام إحدى الشركات الأمريكية وقال لى إنه يتابع ترجماتى للشعر العربى المعاصر فى الصحف وهذه الترجمات جعلته يقتنع أن ما لدينا من شعر معاصر أفضل وأمتع مما لديهم من شعر معاصر، قلت له إنها ترجمات لا تبلغ جمال أصولها العربية، فقال إنها حتى فى شكلها المترجم أفضل مما لديهم من شعر معاصر.
 
وأنا أعتقد أن الشعر ينبغى أن يترجمه فى الغالب شاعر متمكن من اللغتين ومطلع على الثقافتين تلك التى يترجم منها وتلك التى يترجم إليها، ترجمة الشعر يمكن أن تكون جسرا رائعا بين ثقافتين، تعمق الثقافة والتعارف والتقارب بين الشعوب.
 
■ ما أفضل نص شعرى ترجمته؟
 
- من أفضل النصوص التى ترجمتها قصيدة (لكى ترسم صورة طائر) للشاعر الفرنسى جاك بريفر وهناك قصائد أخرى رائعة لعدد من الشعراء والشاعرات من جنسيات مختلفة.
 
■ من الذى وقفت أمام نصوصه مذهولا ووجدت صعوبة فى ترجمته؟
 
- أنا لا اترجم إلا النصوص التى أفهمها وأتمتع بها أو أجد فيها شيئا جديدا وأيضا لا تتعارض مع قيمى وبعض قصائد شعراء معينين أجد فيها صعوبة أو تكون قد ترجمت من قبل فلا أترجمها، ومن هؤلاء: تى إس إليوت، وإزرا باوند، وإن كنت قد ترجمت لهما بعض النماذج.
 
■ هل حاولت الاتصال بشعراء ترجمت لهم؟
 
- التقيت عددا من الشعراء الأجانب الكبار وخصوصا من الهنود وبعضهم زارنى فى منزلى ويتواصل معى بالبريد الالكتروني.
 
■ أنت أول شخصية عربية تحصل على جائزة «طاغور العالمية للسلام».. ماذا تمثل لك هذه الجائزة؟
 
- هى تقدير كبير فاجأنى فأنا لم أتقدم لها، وهذا مما يجعل قيمتها أكبر لدى والجائزة تعطى لشخص واحد فقط دون شراكة مرة كل عامين وقد حصل عليها رؤساء دول أمثال نلسن ماندلا (وهو حاصل على جائزة نوبل للسلام أيضا) والرئيسة الإندونيسية السابقة ميجاواتى سوكارنو وشعراء كبار كالفيلسوف اليابانى دايساكو إيكيدا والهندى كريشنا سرينيفاس وحاصلان على جائزة نوبل للاقتصاد هما الهندى أمراتيا سن والأمريكى جوزف ستجلز كما حصل عليها البروفسور البنغالى كبير شودرى وهو ناشط سلام، وعالم النبات الهندى آرون شرما، وكنت أنا تاسع من يحصل عليها.
 
■ الجمع بين الهندسة والشعر والترجمة والكتابة.. هل يمثل ثراء أم تشظياً فى الموهبة؟
 
- لقد درست ثلاثة فروع من الهندسة فى أبردين وروركى وحصلت على الماجستير فى تطوير موارد المياه كما درست علوم الإدارة فى لندن وبرمنجهام وحصلت على الدكتوراه فى الاقتصاد فى التنمية الصناعية من كارديف ولا شك أن كل ما يتعلمه ويدرسه المرء يثرى ثقافته ويغنى ما ينتجه من أدب وفكر، ولكنه على حساب التخصص، فوقت الإنسان وعمره محدود. وأنا نشأت فى أسرة موسوعية الثقافة فقد كان جدى محمد على لقمان رحمه الله رجل النهضة الشهير فى جنوب الجزيرة محاميا وصحفيا وروائيا ومثقفا وناشطا سياسيا واجتماعيا، وكان والدى الدكتور محمد عبده غانم رحمه الله أول خريج جامعى فى جنوب الجزيرة وأول بروفسور فى اليمن ومديرا للمعارف بعدن وكان شاعراً كبيرا ومؤسسا للحركة الموسيقية بعدن وكل اشقائى يحملون الدكتوراه فى مجالات علمية وفى نفس الوقت لهم دواوين شعرية فالدكتور قيس كان رئيس أطباء الأعصاب فى كندا وله روايات باللغة الإنجليزية وديوان باللغتين والدكتورة البروفسورة عزة لها عدة كتب فى علم النفس والدكتور عصام رحمه الله له كتب عديدة فى مجالات متنوعة منها القانون والإنثروبولوجيا والسياسة وكذلك الدكتور الطبيب البروفسور نزار له كتب علمية وأدبية وهو أيضا خبير فى بعض جوانب علم الموسيقى وهو عازف ماهر، لقد كانت الموسوعية ممكنة إلى حد ما فى جيلنا أما الأجيال التالية فلم يكن لديها مناص من التخصص إلا فيما ندر.
 
■ كيف تتأمل ثورات الربيع العربى بعيون المبدع وتأثيرها على مستقبل الابداع؟
 
- صورة الربيع العربى لم تتضح تماما بعد وبعض الناس يرفض حتى تشبيهها بالربيع. فى الواقع هذه الثورات أعطت للشعوب ثقة فى أنه يستطيع أن يرفع صوته ضد الظلم والقهر والفساد ويحاول الوصول إلى الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان ولكن الأمر ليس سهلاً كما تخيلنا فى البداية بعد نجاح الثورة فى تونس ومصر بسهولة نسبية. ونحن نرى ما حدث ويحدث فى مختلف الأوطان العربية ونرى الدماء تراق واصبحنا ندرك أن وصول الشعوب العربية إلى ديمقراطية حقيقية كما فى بريطانيا وفرنسا والدول الإسكندنافية والهند وغيرها من الدول يحتاج إلى عمل عقلانى دؤوب وبعدٍ كاملٍ عن العنف واهتمام بالتعليم والثقافة والتنمية وإيمان عميق بالرأى والرأى الآخر وإن شاء الله سنصل بعد وقت غير طويل.