الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فؤاد قنديل: لم أتوقع سقوط مبارك وسقوط الإسلام السياسى




جاءت رواية الكاتب فؤاد قنديل «دولة العقرب» لتقدم شهادة تجمع بين الواقعية والرمزية على فترة حكم حسنى مبارك، ويمكن اعتبارها -حسب الكاتب- نبوءة لما جرى لمصر فى عهد الإخوان، ورغم كل هذه السنوات والتجارب لايزال قنديل يرى أن تجربة الستينيات لاتزال حاضرة سياسيا وثقافيا واقتصاديا ويجب إعادة تطبيقها وتصحيحها بإضافة الديمقراطية إليها.. عن الرواية وما تحمله من رموز تتعلق بالواقع الحالي، ورأيه فى الأحوال السياسية الجارية كان هذا الحوار.
 ■ دولة العقرب .هو عنوان روايتك الأخيرة.. لماذا الدخول إلى عالم العقارب؟
 
- «العقرب» رمز دال على ما تصورته كطرف مضاد للسلام الإنسانى لمجتمع ما.. مجموعة من البشر من ذوات النفسية المعقدة الراغبة فى الإيذاء بشكل فطرى وطبيعى ولا تقدر على مقاومة ما عليه من غرام بالشر وقد أجاب العقرب ذاته فى القصة الشهيرة بعد أن لدغ من خدمه وأكرمه ومن ثم سأله: لماذ لدغتنى وقد وعدتنى ألا تفعل وقد حملتك على ظهرى وأطعمتك وسقيتك؟ قال العقرب: خلقت هكذا ولا أستطيع أن أغير من طباعي.
 
■ هل الرواية نبوءة لثورة يناير؟
 
- لا.. لقد بدأت فيها قبل الثورة لكنها ليست نبوءة لها لأنها كانت فى عظم أحداثها شهادة تجمع بين الواقعية والرمزية على حكم حسنى مبارك.. ويمكن اعتبارها نبوءة لما جرى لمصر فى عهد الإخوان لأنى انتهيت منها فى شهر مايو 2012.
 
■ هناك تعدد للأماكن فى الرواية.. ما علاقتك بالمكان؟
 
- هناك تعدد للأماكن تفرضه الأحداث لكن المكان المركزى هو حى «السيدة زينب»، كما كانت مقرات مباحث أمن الدولة والسجون مشاركة بقوة فيما جرى لأبطالها.. أنا يشغلنى الزمان أكثر لكن المكان لا غنى عنه لأنه الملعب الذى تدور عليه الأحداث وتتعامل معه الشخصيات وله عليها فى الغالب تأثير بالغ .المكان زمان متجمد والزمان مكان متحرك وديناميكي.
 
■ هل تعتبر الرواية رواية سياسية؟
 
- أظنها كذلك، فالغالب عليها أحداث وحوارات سياسية وإن كانت السياسة زورق كبير يسبح فى بحيرة إنسانية.
 
■ الملاحظ أن قصص الحب غير مكتملة فى الرواية.. لماذا؟
 
- ملاحظة جيدة وهى مقصودة، فلن يستطيع الحب أن يكتمل فى ظل حراك عنيف يؤثر على النفوس والمصائر ويتسبب فى اضطرابات وصدامات غير محسوبة، الموت انقض كالمقصلة على حالة حب رفيعة بين نبيل وزينب، السجن كان جدارا عازلا بين ناجى وريم فاختفت أو كادت حالة الحب الرائعة التى كانت تجمعهما. وكانت هناك حالة حب تاريخية بين الشعب وثورته لكن الفريق المختلف فكريا ونفسيا، الذى تمثله العقارب مزق بضراوة تلك العلاقة الراقية التى كان طرفاها يتطلعان للمستقبل بحب وأمل، وأحد الأبطال وهو والد ريم كان قد أحب ابنة عدوه اللدود وتزوجها وعاش أجمل أيامه لكن ماضيه البشع تعقبه وأنهى بشكل ما هذه العلاقة لأنها لم تقم على أساس فيكفى أنه اختطف الشقة التى تزوج فيها من ابنته كما فرط فى ابنته ذاتها وألقاها لعصابة من اللصوص والبلطجية.
 
■ هل أنت موجود برواياتك بشكل ما؟
 
- فى بعض الروايات أتعلق برقبة شخصية من الشخصيات وأطرح بعض أفكارى من خلالها ولو لم أفعل ربما أشعر بالاختناق أو الكبت، إذ لابد أن أعبر عن ذاتى بصورة أو بأخرى وكثير من الكتاب يفعلون هذا وأشهرهم الروائى الكبير أستاذنا نجيب محفوظ، ويحدث هذا معى فقط فى الروايات السياسية لأننى أحيانا أكون محتشدا بدرجة أو أخرى ولا تتيح الصحافة لى بدرجة كافية حرية التعبير عن رأيى.
 
■ هل استنفدت تجربة الستينيات أغراضها؟
 
- من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية لا تزال تجربة الستينيات حاضرة بالكامل ومطلوب إعادة تطبيقها وتصحيحها ولا يضاف إليها إلا الديمقراطية.. لم تستنفد الستينيات أغراضها ويمكن العزف على كل أحلامها من جديد ففى التجربة أفكار مهمة يمكنها أن تخدم كثيرا من الطموحات الشعبية ويكفى الإشارة إلى أن ثورة يناير لم ترفع شعارا واحدا إلا ما كانت تطلبه ثورة يوليو 52 لسببين، أولا لأن ما سعى  لتحقيقه الضباط الأحرار بقيادة الزعيم والمجاهد الكبير جمال عبد الناصر قد تم الانقلاب عليه لحساب الانفتاح ولحساب أمريكا ومهادنة مع إسرائيل، ثانيا لأن مطالب الثورة الأم لا تزال هى المطالب الطبيعية للدول النامية خاصة كثيرة السكان ولا بديل عن إعادة  السعى لتحقيق مثل العدالة الإجتماعية والاكتفاء الذاتى والاستقلال السياسى والاعتماد على الذات وتشغيل العمالة والاهتمام الشديد بالتعليم والثقافة والبحث العلمى والصحة والزراعة والصناعة، مع الأخذ فى الاعتبار اختلاف الزمن والأساليب والقوى العالمية المتغيرة والتطور التكنولوجى وغيرها من المستجدات.
 
■ هل كنت تتوقع سقوط دولة الاسلام السياسي؟
 
- لا .. لم أكن أتوقع سقوط مبارك ولم أتوقع سقوط الإسلام السياسى لأننى حضرت  -وإن كنت لم أزل صبيا- تجربة عبدالناصر مع الإخوان وبلغتنى عن طريق أخى الأكبر الذى انضم فى وقت قريب للجماعة ما كانت تخططه لتدمير مصر وإحراقها، وهى جماعة تتمتع بقلوب متحجرة وأسوأ ما فيهم عدم معرفة شيء اسمه الوطن، وأنا أكره كراهية غير محدودة من لا يقدر الوطن.. الوطن عندى أهم من كل أهلي.وسلامته تبدأ قبل سلامتى، وأعرف أيضا أن جماعات الإسلام السياسى مولوعون بالسلطة وإذا استولى أحدهم على منصب فسوف يقتل أى شخض يفكر فى إزاحته.. ولما استولى أعضاء الجماعات الإسلامية على مفاصل الحكم خاصة الإخوان فقد أيقنت أنهم لن يتركوا الحكم والسيطرة قبل يوم القيامة إلى أن هب الشباب بهذه القوة والتصميم والوعى والوطنية والوحدة والخيال فعملوا على وضع الحجر الأساس لهدم عمارتهم.. الخيال هو الأصل.
 
■ كيف ترى مستقبل مصر بعيون الأديب؟
 
- إذا مر عام وتمت فيه كل الانتخابات النيابية والرئاسية بسلام وتحضر وانزاحت تماما كل فلول الإسلام السياسى فأتوقع أن يختلف الحال إلى حد كبير.. لقد تعلم الشعب جيدا معنى الديمقراطية والمسئولية والحرية والإرادة والمواجهة وأهمية التفكير فى المستقبل وأهمية عمل الفريق المتجانس.. وهذه هى الأسس الأولى القادرة على تشكيل مرحلة بناء وإنتاج قادمة أفضل من كل ما سبقها.
 
■ ما الرواية التى تطمح إلى كتاباتها؟
 
- بدأت منذ عام كتابة رواية تمنيتها منذ سنوات عن فترة محمد على وربما تحتاج إلى عام آخر أو يزيد.
 
■ ألا ترى أن مشهد اغتصاب الأب لابنته فى الرواية يمكن أن يكون صادما للقارئ؟
 
- فى العادة لا أشغل بالى كثيرا بالقارئ سواء ما يحوز رضاه أو يثير استياءه.. إذا فكرت أن أفعل ذلك، فمن القارئ الذى أحاول إرضاءه؟.. هل هو النخبة،أو النقاد أو عموم البسطاء أم القراء المثقفين؟.. وأى قراء؟.. هل هم أبناء بلدى أم أبناء الوطن العربى أم القراء الأجانب؟ والأجانب أنفسهم يختلفون من قارة لقارة أو من ثقافة إلى أخرى.. لكننى فى الواقع لا أنشغل إلا بالمضمون والشكل واللغة والأسلوب والحبكة  بالمعنى الجديد، وكلها عناصر تخص العمارة الروائية.. هذه العناصر هى السيدة التى يتعين علىّ طلب ودها بما يحدث تناغما وانسجاما بينها جميعا ولا يجب إرضاء عنصر على حساب آخر.. هؤلاء أعز أصدقائى عند اللقاء فى جلسة فنية تخص  كتابة الرواية حيث يدور بيننا حوار متوازن وديمقراطى.. أنا معهم وحدنا ولا مخلوق آخر يؤثر على رأينا ولست حاكما مستبدا بحال بل إن رأيى كثيرا ما يحين موعده متأخرا وليس متقدما فالشخصيات تكتب النص وأنا لست غير قلم ودفتر أو كمبيوتر، وقد أبدى رأيى أحيانا لكننى لا أفرضه لأن سلطاتهم أكبر بكثير من سلطاتى.. أما عن اغتصاب الأب لابنته فقد كان ضروريا للغاية لأن ما حدث بالفعل فى الواقع ليس إلا سلوكا موازيا لما جرى طرحه فى الرواية ولم تكن الرواية إلا واحدة من المرايا.