الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

عبدالراشد محمودى: شخصيات الرواية بجذور فولكلورية مصرية وأسطورية يونانية




لأنه فى الأساس باحث فى مجال الفلسفة وربطها باهتمامات الإنسان كالعقيدة والعقل، يقدم الكاتب والمستشار السابق باليونسكو الدكتور عبدالرشيد محمودى روايته الجديدة «بعد القهوة» الصادرة عن مكتبة «الدار العربية للكتاب»، التى تعد ثلاثية روائية.
 
تدور أحداث الجزء الأول منها «قاتلة الذئب» فى قرية القواسمة بمحافظة الشرقية، أما الجزء الثانى «الخروف الضال» فتدور أحداثه فى مدينتى الإسماعيلية فى منطقة القنال، وأبوكبير بالشرقية، فيما تدور أحداث الجزء الثالث «البرهان» فى «فيينا» عاصمة النمسا، وهى الأماكن التى مر بها بطل الثلاثية «مدحت» حيث نشأته وصباه وشبابه وانتهاء بإقامته بفيينا لصفته الدبلوماسية، وقد شهدت المدينة عندئذ ولادة روايته الأولى وفشل زواجه، ومرة أخرى بعد عقدين من الزمان، فلماذا عاد إلى فيينا؟
 
هذا هو السؤال الذى يطرحه «مدحت» على نفسه طوال الوقت، ولا يكاد يجد له جوابا حاسما، فالعمل هو رحلة طويلة فى المكان، والزمان، بحثا عن الحب وصراعا بين الجسد والروح، وعشق الموسيقى، كما تحفل الرواية ببيئات مختلفة وشخصيات متعددة، بالإضافة إلى شخصية البطل، وهى ثرية بفضل الروافد الثقافية التى غذتها، وثرية باختلاف أساليب السرد، وتنوع المشاهد التى تتنقل بين ما هو هزلي، وما هو جاد شديد الجد، فهناك شخصيات وحكايات ذات أبعاد يمكن أن تكون «خرافية»، مثل زينب جدة البطل التى يروى أنها قتلت الذئب، أو «ماريكا» الخواجاية اليونانية التى تهبط ذات يوم على قرية «أولاد قاسم» لتأخذ مدحت اليتيم إلى الإسماعيلة، فتعلمه اليونانية والفرنسية، وبفضلها يسلك طريقه إلى المدرسة، ومن خلالها يتعرف على أوروبا لأول مرة (فيما يسمى «حى الإفرنج» فى الإسماعيلية الذى أريد له أن يكون قطعة من أوروبا)، ثم يقذف به إلى أوروبا فى نهاية المطاف، ومثل قصة الحب العارمة بين «ماريكا» وسالم خريج الأزهر الذى يأتى ليلاً على صهوة جواده لكى يزورها فى مخدعها و«يختطفها» كما يعتقد البعض فى «أبوكبير».
 
شخصيات وحكايات لها أبعاد خرافية لأنها تضرب بجذورها فى موروثات فولكلورية مصرية وأسطورية يونانية.
 
ومع ذلك، فإن الرواية واقعية شديدة الصدق على الواقع، فالقارئ إذ يتنقل مع محمودى بين تلك البيئات المختلفة يرى البيئة المعنية -سواء كانت «القواسمة» أو «الإسماعيلية» أو «أبوكبير» أو» فيينا»- واضحة المعالم، بل شديدة الثقل والوطأة، ذلك أن بطل الرواية لا يعيش فى أى مكان إلا ويحدد لنفسه الآفاق الجغرافية والمعالم المادية لكل بيئة، لأن كلاً منها مجال لتجواله وضياعه أو «ضلاله» - كما يشير عنوان الجزء الثانى: «الخروف الضال».
 
فمدحت من البداية إلى النهاية إنسان مغترب أينما كان -يرى نفسه فى أحد أحلامه ككائن قادم من الفضاء الخارجي، وجسمه أشبه بسفينة فضائية، ولكنه يجد فى كل بلد مجالًا يتحرك فيه على غير هدى، وبلا هدف- سوى أنه يعشق الأمكنة أينما حل، وكأنه يبحث عن الاستقرار فى كل مكان يحل به، ولكنه مضطر لسبب أو لآخر إلى الرحيل عنه، أم أنه يريد الرحيل؟