الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الشيخ محمد الشنواني اختير شيخاً للأزهر رغم رفضه للمنصب




هو الإمام الشيخ محمد بن علي بن منصور الشنواني الشافعي الأزهري وُلِدَ بقرية «شنوان» الغرب ونُسِبَ إليها، وهي من قري محافظة المنوفيَّة، وفي هذه القرية حفظ القُرآن، ثم ارتحل للأزهر ليُحقِّق أملَه في الالتحاق به، وتلقَّي علومه علي كثيرٍ من أعلام عصره، وتفقَّه علي أيديهم، يقول عنه «الجبرتي»: هو شيخ الإسلام الفقيه العلامة والنحوي المعقولي، كان مهذَّب النفس متواضعًا مع الانكسار والبشاشة لكلِّ أحدٍ من الناس، ويقول: كان عند فراغه من الدُّروس يُغيِّرُ ثيابه ويكنس المسجد وينظف القناديل ويعمرها بالزيت، ولم يناقش غيره في التدريس، وإنما قنع بإلقاء دروسه بالجامع المعروف بـ»الفكهاني» بالعقادين، قريبًا من داره، فأقبل عليه الطلاب وانتفعوا بآرائه وتوجيهاته، كما انتفعوا بأخلاقه وآدابه ويتهافت علي علمه الآخَرون.
فلمَّا تُوفِّي الشيخ الشرقاوي اتَّجهت إليه الأنظار تهرَّب، وغاب بعيدًا عن بيته، لكنَّ الباشا الوالي أمَر القاضي أنْ يجمع العلماء واختيار شخصٍ خالٍ من الأغراض والشُّبهة، فوقع الاختيار عليه؛ فأمر الجند بالبحث عنه، وأوكلَ إليه المشيخة بعد رفضِه الشديد من «الشنواني»، لكنَّ الوالي أصرَّ عليه، وجعله شيخًا للأزهر، وذلك في شوال سنة 1227هـ - 1812م، ونزل في دارٍ أخري أوسع من داره لتُناسب المنصب الجديد.
وكان عَزُوفًا عن زيارة الأمراء وكبار الشخصيَّات، مع أنَّه من قادة الشعب ومقاومة الحملة الفرنسيَّة، وقد حاول الوالي أنْ يستوليَ علي أرض الدولة، وأنْ يتَّخذَ من العلماء مطيَّة؛ حيث أفهمهم أنَّه سيترُك أرضهم يزرعونها بمعرفتهم، لكنَّ الإمام «الشنواني» تصدَّي له، وطالَبَه بالإفراج عن الأوقاف المحبوسة للطلبة والأراضي الأخري، والشيخ «الشنواني» كان عالمًا كبيرًا؛ لأنَّه تتلمذ علي أيدي كبار العلماء؛ مثل: الشيخ الصعيدي والدرديري وقرأ الدروس وأفاد الطلاب ونال شهرة علميَّة في علوم النقل والعقل، وكان متبحِّرًا في علوم اللغة، كما كان مولعًا بعلم الكلام والرياضيَّات، وكما ذكر أنَّ الشيخ لم يسعَ للمشيخة، وإنما هي التي سعت إليه، وأنَّه أشفق منها علي نفسه، وما لبثت تُلاحقه حتي أنشبت أظافرَها فيه، وتغيَّرت حاله من فقرٍ إلي غني، ومن ضيقٍ إلي سعة، ولكنَّه بقي يُلقِي دروسَه ويُؤدِّي خدماته إلي نهاية أجله، ومعني هذا أنَّ الشيخ كان مُنصرفًا إلي الأزهر وأهله، ومن الحظِّ أنَّه لم يَدُمْ في المشيخة طويلاً لعلَّته وسقمه.
آثاره العلمية ومؤلفاته
ترك الإمام الشنواني بعض المصنَّفات، نوجزها فيما يلي:
1- حاشية علي «شرح جوهرة التوحيد»، وهي منظومةٌ في علم التوحيد للشيخ إبراهيم اللقاني وشرحها ابنه الشيخ عبدالسلام في كتابه «إرشاد المريد»، وكتب عليها الشنواني حاشيته التي وصَفَها الجبرتي بأنها جليلة مشهورة بأيدي الطلبة.
2- الجواهر السنية بمولد خير البرية، وهي مقتطفات جمعها من كتب مشايخه وغيرهم «علي مولد المدابغي»، وتوجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
3- حاشية الشنواني علي مختصر البخاري لابن أبي جمرة، ومنها نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
4- ثبت الشنواني وهو إجازة أجاز بها تلميذه «مصطفي بن محمد المبلط»، قال فيها عن تلميذه هذا: «لازمني مدة مديدة، وسنين عديدة، حضورًا وسماعًا حتي غزا علمه، ثم التمس منِّي الإجازة وكتابة السند، فأجبته لذلك بشرط ألا يترك الإفادة»، ومنه نسخة خطيَّة بالمكتبة «التيمورية» بدار الكتب المصرية.
5- حاشية علي السمرقندية - في علوم البلاغة.
6- حاشيته علي «العضدية» في آداب البحث.
وفاته
وبقي طول حياته سمته التواضع، وأقبلت عليه الدُّنيا فلم يهنأ بها؛ فقد اعترته الأمراض وعاودته الأسقام، فكان كلَّما اشتدَّ عليه المرض لزم بيته، وإذا ذهب عنه عاد إلي عمله وهكذا. حتي لبي نداء ربِّه يوم الأربعاء 14 محرم سنة 1233هـ - 1818م، وصُلِّيَ عليه في الأزهر الشريف، وحمل في جنازة مهيبة إلي قبره في ترب المجاورين، رحمه الله، ورضي عنه، وحشره مع النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا.