الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المسكوت عنه في العلاقة الغامضة بين «الإخوان» والشيعة البنا يضيف ركناً سادسا للإسلام أسماه «الحكومة» متأثراً بفكر الشيعة الإمامية




حول العلاقة بين «الإخوان» والشيعة ومدي الارتباط بينهم في الدعوة والمسائل العقائدية والشرعية والسياسية الايديولوجية نحاول الوصول إلي الحقيقة التي يشوبها كثير من الجدل علي الساحة الدينية والسياسية، فمن قائل إن «الإخوان» سنة لا يوالون الشيعة وقائل يقول بل «الإخوان» نشأوا علي محبة الشيعة لأنهم احدي فرقهم، وحتي نتبين الأمر نعود إلي التاريخ لاستجلاء هذه الحقائق.
في مسيرة دعوته تأثر حسن البنا بكل من جمال الدين الأفغاني وكان يميل لأفكار الشيعة ومحمد عبده المتأثر بالأفكار الشيعية، ورشيد رضا وكان من أتباع امام زيدي والأخير تأثر به البنا كثيرا لأنه لم تكن عنده سنية ظاهرة، ولا مذهبية من بين المذاهب الأربعة، خاصة بعد زواج شاه إيران محمد رضا بهلوي بشقيقة الملك فاروق حيث نشأت حركة للتقريب بين المذاهب تزعمها الأزهر وكان البنا أحد المتحمسين لها، واستضاف السيد محمد القمي، أحد علماء الشيعة، في المركز العام للإخوان في القاهرة ثم التقي آية الله الكاشاني في موسم حج العام 1948 واتفقا علي مؤتمر للتقريب بين السنة والشيعة.
كما كان لكل من أبي الحسن الندوي وأبو الأعلي المودودي الهنديين تأثيرهما الكبير في فكر «الإخوان» خصوصاً سيد قطب الذي كتب مقدمة للترجمة العربية لكتاب الندوي «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» الصادر عام 1950، وكان وصول سيد قطب إلي «نظرية الحاكمية» نتيجة تأثره بفكر الندوي والمودودي التي ضمها كتابيه «في ظلال القرآن» و«المستقبل لهذا الدين».
مبايعة الخميني خليفة للمسلمين:كانت بين أولي الطائرات التي حطت في مطار طهران بعد وصول الخميني للسلطة في إيران في 11 فبراير 1979 طائرة تحمل وفداً يمثل قيادة التنظيم العالمي للإخوان قام بمبايعته خليفة للمسلمين وقالوا في بيان لهم: «إن الخلاف علي الامامة في زمن الصحابة مسألة سياسية وليست ايمانية» فيما كان رد الخميني أن وعدهم بالاجابة لاحقاً، وعندما صدر الدستور الجديد للجمهورية الاسلامية الإيرانية الذي يقول بـ «المذهب الجعفري مذهباً رسمياً للدولة وبولاية الفقيه نائباً عن الامام الغائب» اتضحت اجابة الخميني.
ورغم ذلك استمر «الإخوان» في تأييد الحكم الجديد الإيراني وتظاهروا ضد استضافة الرئيس السادات لشاه إيران الراحل رضا بهلوي في مصر ثم أيدوا إيران في حربها ضد العراق، وعن ذلك يقول عمر التلمساني المرشد الأسبق في عدد مجلة «كرسنت» الاسلامية الكندية بتاريخ 6 ديسمبر 1984: «لا أعرف أحداً من «الإخوان» المسلمين في العالم يهاجم إيران» وعندما توفي الخميني في 4 يونيو 1989 كتب حامد أبو النصر المرشد الأسبق للإخوان نعياً جاء فيه: «الإخوان» المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الاسلام الامام الخميني القائد الذي فجر الثورة الاسلامية ضد الطغاة».
في عهد علي خامنئي الذي أصبح مرشداً للثورة بعد وفاة الخميني تم تدريس نظريات سيد قطب في مدارس الاعداد العقائدي لـ» الحرس الثوري الإيراني» كما برزت مرجعيات دينية مثل آية الله مصباح يزدي الأستاذ الروحي لأحمدي نجاد والذي أعلن اعجابه بسيد قطب وتأثره به.
وعلي الصعيد السياسي أيد محمد مهدي عاكف المرشد السابق حق إيران في تخصيب اليورانيوم كما أعلن تأييده لـ»حزب الله» اللبناني الشيعي وقبل أسبوع من تنحي حسني مبارك شبّه علي خامنئي في خطبة يوم الجمعة 4 فبراير 2011 ما يجري من ثورة في مصر بالثورة الإيرانية ضد شاه إيران، وعند اعلان فوز محمد مرسي بانتخابات رئاسة الجمهورية كانت إيران من أوائل المسارعين إلي تهنئة.
وعلي شاشة قناة «الجزيرة» الموالية للإخوان خرج يوسف ندا أحد قادة التنظيم العالمي لجماعة «الإخوان» مفسرا صمود العلاقة بين إيران و«الإخوان» بقوله: «هناك مبدأ عام في التعاون بين الاسلاميين: نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً في ما نختلف عليه».
خلايا سرية:
بعد الاستعراض السريع لتاريخ العلاقة بين «الإخوان» والشيعة في إيران نعود إلي البنا الذي يقول في رسائله: «وهذا الاسلام الذي يؤمن به «الإخوان» المسلمون يجعل الحكومة ركناً من أركانه ويعتمد علي التنفيذ كما يعتمد علي الارشاد».
يعترف البنا أن الاسلام الذي يؤمن به «الإخوان» يختلف عن الاسلام الذي نزل علي سيد الخلق سيدنا محمد (صلي الله عليه وسلم) فالمعلوم أن الاسلام بني علي خمسة أركان: الشهادتان واقامة الصلاة وصوم رمضان وايتاء الزكاة وحج البيت للمستطيع ولم يذكر فيه الرسول (صلي الله عليه وسلم) أن من أركان الاسلام الحكومة وهذا هو الركن السادس في اسلام «الإخوان» هو ما يؤمن به الشيعة الروافض الذين جعلوا الامامة «الحكومة» ركنا من أركان الايمان بل علي رأسها.
لهذا لم يجد «الإخوان» غضاضة في تشكيل خلايا سرية للعمل ضد الرئيس جمال عبدالناصر وتمكنت الولايات المتحدة من اقناع «الإخوان» بالتعاون مع جماعات إيرانية شيعية متشددة كان احدي ثمارها تشكيل خلية» فدائيي الاسلام» التي تزعمها الإيراني نواب الصفوي الذي زار القاهرة العام 1954 للتنسيق مع جماعة «الإخوان» كان من نتيجة هذه الزيارة ما يشبه الانتفاضة الشعبية ضد عبدالناصر لكنه نجح في التصدي لها باعتقال عدد من زعامات «الإخوان» ومحاكمتهم وسحب الجنسية المصرية من خمسة منهم من بينهم سعيد رمضان صهر حسن البنا الذي استقبلته الولايات المتحدة استقبال الملوك.
كتب عمر التلمساني المرشد الأسبق في مجلة الدعوة العدد 105 يوليو 1985 بعد مرور نحو خمسة أعوام علي ثورة الخميني بعنوان «شيعة وسنة» مقال جاء فيه: «التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن»، ويعترف التلمساني بقضية صفوي فيقول: «ولم تفتر علاقة «الإخوان» بزعماء الشيعة فاتصلوا بآية الله الكاشاني واستضافوا في مصر نواب صفوي».
ويقول أيضاً: «وبعيداً عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم فلا يزال «الإخوان» المسلمون حريصين كل الحرص علي أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين».
يضيف أيضاً: «ان فقهاء الطائفتين يعتبرون مقصرين في واجبهم الديني اذا لم يعملوا علي تحقيق هذا التقريب الذي يتمناه كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، فعلي فقهائنا أن يبذروا فكرة التقريب اعداداً لمستقبل المسلمين».
أما الشيخ محمد الغزالي المطرود من الجماعة فيقول في كتابه «كيف نفهم الاسلام»: في دلالة واضحة علي استمرار تأثره بمنهج البنا «ولم تنج العقائد من عقبي الاضطراب الذي أصاب سياسة الحكم وذلك أن شهوات الاستعلاء والاستئثار أقحمت فيها ما ليس منها فاذا المسلمون قسمان كبيران (شيعة وسنة) مع أن الفريقين يؤمنان بالله وحده وبرسالة محمد (صلي الله عليه وسلم) ولا يزيد أحدهما علي الآخر في استجماع عناصر الاعتقاد التي تصلح بها الدين وتلتمس النجاة».
ويقول: «وكان خاتمة المطاف أن جعل الشقاق بين الشيعة والسنة متصلاً بأصول العقيدة ليتمزق الدين الواحد مزقتين وتتشعب الأمة الواحدة إلي شعبتين كلتا يتربص بالأخري ان كل من يعين علي هذه الفرقة بكلمة فهو ممن تتناولهم الآية «ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء انما أمرهم إلي الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون».
ويقول أيضاً:» فان الفريقين يقيمان صلتهما بالاسلام علي الايمان بكتاب الله وسنة رسوله فان اشتجرت الآراء بعد ذلك في الفروع الفقهية والتشريعية فان مذاهب المسلمين كلها سواء في أن للمجتهد أجره أخطأ أم أصاب» ثم يقول:» ان المدي بين الشيعة والسنة كالمدي بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة والمذهب الفقهي لمالك أو الشافعي».
يختم الغزالي الحديث بقوله: «نحن نري الجميع سواء في نشدان الحقيقة وان اختلفت الأساليب».
الفكر الوحدوي:
تناولت دراسة ماجستير إيرانية للباحث الإيراني عباس خامه يار تحت عنوان «إيران و»الإخوان «المسلمين» بالتفصيل العلاقات بين إيران وجماعة «الإخوان» قبل ثورة الخميني سنة 1979 وبعدها ذكر الباحث أن هناك عناصر التقاء بين الشيعة و«الإخوان» يتمثل بالفكر الوحدوي وموقفهما المشترك من القومية وقضية فلسطين لذا فان جماعة «الإخوان» لا تحمل موقفاً سلبياً أو عدائياً تجاه العقائد والأفكار الشيعية أما الفكر الوحدوي عند الشيعة أو عند الحركة الشيعية الإيرانية فيعني به التصريحات أو الكتابات التي صدرت من الخميني وبعض مراجع الشيعة بضرورة التقارب بين السنة والشيعة واتحادهما لمواجهة الأخطار الخارجية.
ويحدد الباحث عوامل الافتراق الفكرية بين «الإخوان» والشيعة وإيران وهي اختلاف طبيعة الحكومة وشكلها في رأي الحركتين واختلاف النظرة إلي معسكري الشرق والغرب والمسار الاصلاحي والثوري مشيرا إلي أن جماعة «الإخوان» «لا يهتمون بشخص الحاكم ولا بمواصفاته التي ينبغي أن يتحلي بها ولا بوقت وكيفية تنفيذه للأحكام».
وأشار الباحث إلي أن مما تأخذه الحركة الشيعية علي جماعة «الإخوان» أنها تصدت بقوة للغزو الشيوعي والماركسي الذي شكل خطراً جسيماً علي الشعوب الاسلامية في حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي وأنها «حركة اصلاحية محافظة وليست حركة انقلابية» وأن سياستها تقوم علي التربية والتثقيف والدعوة وعدم جواز الخروج علي الحاكم الظالم واعتماد أساليب العمل السلمي ومنه العمل البرلماني (مع بعض الاستثناءات).
تساءل الباحث علي لسان «الحركة الاسلامية الإيرانية»: ما الذي أسفر عنه الأسلوب الاصلاحي التربوي للإخوان بعد خمسين سنة من تجربته؟ واذا كنا نتقبل جواب «الإخوان» علي أنه لم يغير الحكومات ولكنه أوجد قاعدة عريضة ودائمة، فإن سؤالاً آخر يطرح نفسه وهو: هل يستحق هذا الأمر كل هذا الثمن الباهظ؟
رغم اعتراف الباحث بأن السياسات الإيرانية في تشجيع التجمعات الشيعية علي التمرد ودعم نشاطات التشييع في أوساط أهل السنة وظلم السنة في إيران كانت سبباً في نفورهم من الثورة الإيرانية الا أنه يحمل «الإخوان» مسئولية فتور العلاقات مع إيران معتبراً أنها انساقت وراء الدعاية «الوهابية» ضد الشيعة وإيران.
بهذا يتضح أن إيران تنظر لعلاقتها بجماعة «الإخوان» علي أنها وسيلة لتحقيق مصالحها عكس تصور جماعة «الإخوان» لتلك العلاقة.
فجور أخلاقي:
يقول د. أحمد راسم النفيس أبرز قادة المتشيعين في مصر في كتابه «رحلتي مع الشيعة والتشيع في مصر» أنه انضم للإخوان لمدة 10 سنوات حتي بداية العام 1985م ويصف سلوكهم بأنه هو»الفجور الأخلاقي الذي أدمنه هؤلاء الأفاكين» معتبرا أن حسن البنا «هو أول من افتتح ثقافة العنف المعاصرة وانتهي به الأمر لأن يقتل «رأساً برأس» وليس «شهيداً» كما يزعم مزورو التاريخ المعاصر».
ويتابع: «الثابت أن منظري «الإخوان» قد اتخذوا من ابن تيمية مرجعاً فقهياً لفتواهم الدموية، ذلك الفكر التكفيري الدموي الذي ما زال يترعرع ويتمدد في حماية هؤلاء الجهال المنتفخين».
يقول النفيس أيضا في كتابه «الجماعات الاسلامية محاولة استنساخ الأمة» الصادر عن مركز المحروسة للنشر: «لعبت جماعة «الإخوان» دوراً رئيسيا في تعقيد أزمة مصر، إن البنا مؤسس فكر التكفير» مؤيدا منع ترخيص جماعة «الإخوان» في مصر.
وفي كتابه «الجماعات الاسلامية» يقول نقلا عن الشيخ سعيد حوي: «فالرجل لم يكف عن اطلاق مدافعه الثقيلة علي الأمة العليلة».
وعن مأمون الهضيبي يقول: «انه نموذج للعامل علي غير بصيرة لم تزده شدة السير الا بعداً عن الطريق الواضح».
ويصف المستشار البهنساوي بأنه «أحد محامي الضلال».
أما الشيخ يوسف القرضاوي فيفرد له النفيس فصلا بعنوان «القرضاوي وكيل الله أم وكيل بني أمية» ملأه بالطعن والشتم للقرضاوي بسبب كتابه «تاريخنا المفتري عليه» ومما وصفه به: «منطق الشيخ المهترئ» و»الفتاوي الذي يتكسب هؤلاء السادة منه».
أما المتشيع صالح الورداني فيقول عن جماعة «الإخوان» في كتابه «أزمة الحركة الاسلامية المعاصرة من الحنابلة إلي طالبان»: «هم الذين أرضعوا التيارات الاسلامية الناشئة الفكر الوهابي الذي اكتووا بناره في ما بعد» ويتهم جماعة «الإخوان» أنهم «دخلوا في تحالف غير مباشر مع النظام البعثي العلماني ضد نظام اسلامي»، مُرجعا فشل «الإخوان» إلي «البعد السلفي الذي حال بينهم وبين فقه الواقع فقهاً صحيحاً وكان عبدالناصر أفقه به منهم».