الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

راض بازدواجية هويتى وأتمنى لو أنها أكثر تعدداً




الكاتب العراقى محسن الرملى مبدع من مبدعى العراق الذين دفعوا ثمنا غاليا ومؤلما للديكتاتورية التى حكمتهم لفترة طويلة، غادر دياره لمنفى إجبارى بعدما أصبحت مجرد الحياة فى الوطن غير مضمونة، رغم سنوات عمره التى اهدرها الانتقال لمجتمع جديد والتأقلم معه قانونيا وثقافيا، يرى أن تجربة الانفتاح والاختلاط والتبادل الثقافى سواء المباشر أو الناتج عن الترجمة من أهم مقومات بناء الحضارة الإنسانية.. محسن الرملى الذى يكتب الشعر والقصة والرواية والمسرح إلى جانب عمله الأكاديمى حدثنا فى هذا الحوار عن مميزات التنوع الثقافى واللغوى كما يراها، وعن رؤية الغرب لثورات الربيع العربى ورد فعله، ورؤيته هو الشخصية وتأثيرها على المستقبل السياسى للعراق ...
 
 فى هذا الحوار:
 
■ لماذا كانت الهجرة من العراق إلى إسبانيا؟
 
لأن الحياة لم تعد تطاق هناك، بل إن مجرد الحفاظ على الحياة صار مهدداً، خاصة بعد أن تم إعدام أخى الكاتب حسن مطلك بتهمة الاشتراك فى محاولة لقلب نظام الحكم عام 1990، كما أعدمت الديكتاتورية واعتقلت العديد من أقاربى وأصدقائي، وأغلقت كل الأبواب فى وجوهنا من حيث فرص العمل والعيش الكريم والآمن وتضاعفت المتابعات والمضايقات الأمنية الخانقة والمُذلة، كل ذلك وسط ظروف محيطة قاهرة من حصار اقتصادى وقمع لكل الحريات وسلب لأبسط الحقوق وخراب متواصل فى ظل دكتاتورية شرسة، فكان قرار الهجرة واختيار المنفى هو أهون الشرور رغم قساوته ومرارته فى البداية، فهاجرت أولاً إلى الأردن وبعدها بعامين إلى إسبانيا.
 
■ ماذا أعطاك المنفى وماذا أخذ منك؟
 
أعطانى الحرية والأمان ومعرفة الآخر المختلف وثقافته عن قرب، وأخذ منى دفء العائلة والأهل والأصدقاء والأحلام الأولى وتصوراتى عن الوطن، كما أخذ من عمرى أعواماً طويلة تمت التضحية بها من أجل ترتيب حياة جديدة وما يتعلق بأساسياتها من تأمين مصادر للعيش وأوراق قانونية والتكيف مع ثقافة مختلفة وغيرها.
 
■ تكتب الشعر والقصة والرواية والمسرح والعمل الأكاديمى.. كيف توفق بين هذه الاهتمامات؟
 
ربما العكس هو الصحيح، أى أنها، ومن خلال تنوعها، هى التى توفق بينى وبين نفسى المتعددة فى ظروفها واهتماماتها وقلقها وهمومها الوجودية والواقعية والنفسية، أشعر بأنها تشبهنى من حيث إنها تبدو متعددة فى الظاهر بينما هى فى الأصل واحد، أى أنها كلها (كتابة)، لذا عادة ما أفضل تصنيفى كـ(كاتب) بدل القول شاعر أو قاص أو روائى أو مسرحى أو أكاديمي.. وأنا أثناء الكتابة لا أجد إشكالية فى هذه التصنيفات الفنية الإجرائية فيما يتعلق بالأجناس الكتابية وذلك بحكم بداهة أن المضمون أو الموضوع هو الذى يختار أو يفرض الشكل الكتابى الذى يناسبه.
 
■ أين تجد نفسك أكثر؟
 
أجد نفسى أولاً فى القراءة لأنها جزء أساسى من فعلى اليومى منذ أن عرفت القراءة وبفضلها بدأ تعرفى الحقيقى على العالم ورافقتنى ومازالت بشكل يومى وسترافقنى العمر كله حتى النهاية، أما الكتابة فهى ليست من سلوكى اليومى وإنما لها أوقاتها المتباعدة ومتطلباتها الظرفية والمزاجية الخاصة. أما عن الأجناس، فأنا أجد نفسى فى السرد أكثر وبشكل أخص فى الرواية، على الرغم من قلة إنتاجى فيها. ذلك أن الرواية تمنحنى مساحة أكثر من الحرية والتعبير عما يعتمل فى نفسى من هواجس وأفكار وذكريات وقلق واحتجاج ونقد وأحلام ورؤية وغيرها، وتتيح لى مشاركة الآخرين والتعبير عنهم، ومن بعض ما أجده فيها أيضاً: التخفيف أو (التطهير) وفق وصف أرسطو القديم لوظيفة الفنون التعبيرية. ورغم صعوبة الكتابة وما تتطلبه من بذل جهد ووقت إلا أنها تتيح لك أن تعيش المتبقى من جهدك ووقتك بشكل نفسى وإنسانى أفضل وأعمق.
 
■ تكتب بالعربية والإسبانية.. ألا يشكل ذلك ازدواجا فى الهوية؟
 
نعم هو كذلك، ولكننى تكيفت مع هذا الازدواج أو حتى التعدد والانشطار أحياناً بحيث أصبحت أحبه وصار هو الوجه الأبرز لهويتى أو شخصيتي، كان هذا الأمر يقلقنى فى البدايات لكنه الآن أصبح يريحنى ويمثلنى أكثر بعد أن أدركت بأن موضوع (الهوية) الذى صدعونا به فى الأعوام الأخيرة يقترب من نهايته كموضة، وأنه كان قائماً على أوهام فى أغلبه وأن الواحدية الثقافية أو النقاء الثقافى أو العرقى ما هى إلا أوهام لا أساس لها من الصحة وتتعارض مع ما هو إنسانى صرف، وأكثر من سوّق لهذه الموضوعة كان مدفوعاً لأسباب سياسية واقتصادية أو حتى عنصرية. أنا راض بازدواجية هويتى ومنسجم معها، بل أتمنى لو أنها أكثر تعدداً مما هى عليه الآن.
 
■ تُرجمت أعمالك إلى لغات أجنبية.. كيف ترى دور الترجمة فى الحوار بين الحضارات؟
 
لا شك أن دور الترجمة عظيم فى خدمة البشرية جمعاء وكل حضاراتها، وليس هناك أى وجود لحضارة تستحق أن تسمى (حضارة) ما لم تستفد من الحضارات الأخرى ومن الترجمة عنها وإليها. إن أهمية الترجمة لا تقل أبداً عن أهمية وظيفة اللغة الخاصة التى نتحدث بها لنتفاهم مع القريبين منا، فهى بمثابة اللغة التى نتفاهم بها مع البعيدين وكلما زادت الترجمات بين اللغات والثقافات كلما زاد واغتنى الحوار وبالتالى الفهم والتفاهم بينها، وأنا عادة ما أحلم وأدعو لإيجاد وزارات للترجمة أسوة بوزارات مثل الخارجية والتربية والمواصلات والاقتصاد وسواها.
 
■ كيف ينظر الغرب إلى الربيع العربي؟
 
فى البداية هزته المفاجأة، ثم الدهشة ثم الإعجاب بحيث إن كبرى صحفه قد كانت تتصدرها كلمات عربية فى تلك الأيام مثل (حرية) و(تحرير) و(ارحل) وغيرها، والغرب هو الذى أطلق تسمية (الربيع العربي)، وبما أن الغرب عقلانى فسرعان ما تجاوز انفعالاته الأولى وراح يحلل ويطرح الأسئلة ويدرس كل ما يتعلق بهذا الربيع من أسباب وكيفية وأبعاد واحتمالات مستقبلية من مخاوف وآمال، وبالطبع تأتى على رأس أولوياته مسألة النظر إلى مصالحه وما يخدمه هو مما يحدث.
 
■ هل تعتقد أن الربيع العربى أثر بالسلب على القضية العراقية أم ساهم فى تسليط الضوء عليها؟
 
أعتقد بأنه أضرها أكثر مما نفعها، فقد همشها إعلامياً من جهة ومن جهة أخرى زاد من تكالب القوى الداخلية والخارجية اللاعبة فى العراق لفرض المزيد من سبل التحكم وقمع انتفاضته وتجيير البلد بمجمله وفقاً للمعادلات الإقليمية التى ينتجها هذا الربيع العربى لمصلحة هؤلاء اللاعبين وليس لمصلحة العراق. علماً بأن الشعب العراقى كان أول المنتفضين ضد الدكتاتورية وذلك عام 1991 وأوشك أن يسقطها لولا تدخل القوى الخارجية للإبقاء على النظام فدفع الشعب العراقى ثمناً باهضاً ومازال، ومع ذلك فقد حقق الشعب الكردى من يومها هدفه بالتخلص من هيمنة السلطة الدكتاتورية فى المركز واستطاع بناء ذاته إلى حد بعيد وهو ما نرى ثماره الإيجابية الآن. إن العراق ينظر وينتظر، ويده على قلبه، ما سوف يتمخض عنه الربيع العربى فى البلدان التى شملها التغيير لأن ما سيحدث فيها سيؤثر عليه سلباً أو إيجاباً.