الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

700 مريض بالجذام يعيشون فى المنفى




القليوبية - حنان عليوة
بعيداً عن العمران فى المنطقة الصحراوية التى تبعد عن منطقة أبو زعبل ببضع كيلو مترات يقع أحد المستشفيات والذى يطلق عليه «مستعمرة الجذام» والذى يقع على مساحة 262 فداناً مترامى الأطراف بمنطقة أبى زعبل بالخانكة و يقطنه عالم المنفيين بعيدا عن الحياة رغم انهم لا زالوا على قيد الحياة يتنفسون .. ما زالوا يتألمون.. ما زالوا يحلمون.. ففى تلك المستعمرة حفر مرضى مستعمرة الجذام ذكرياتهم الأليمة على جدرانه منذ نشأته فى عهد الملك فؤاد الأول فى عام 1933 يقطن به المئات من المرضى المصابين بهذا المرض.
«روزاليوسف» ترصد ما يحدث فيه من معاناة للمرضى والذين تم عزلهم لرعايتهم إجباريا عن باقى البشر نتيجة اصابتهم بهذا المرض الخطير اللعين ما أدى إلى زيادة الآلام النفسية بجانب الآلام الجسدية المبرحة التى يعانون منها وإهمال الأطباء والممرضات المسئولين عن المستعمرة فى علاجهم من جهة أخرى، فالرغبة فى اقتحام هذا العالم الخطير كانت أقوى من الخوف من الإصابة بهذا المرض فى البداية نشير إلى أن مرض الجذام هو مرض بكتيرى تسببه بكتيريا تسمى " مايكو باكتيريام " وهى بكتيريا تصيب الجلد والاعصاب ويتميز المرض بحدوث أورام وعقد فى الوجه تؤدى إلى سقوط الشعر والحاجبين وتآكل الاغشية المخاطية فى العين والفم والأنف. كما تتواجد هذه الأورام أيضا باليدين والقدمين مسببة سقوط الأصابع كلها أو بعضها والنهاية حدوث تشوهات جسيمة لذا فتم عزل المرضى داخل مستعمرات لاتقاء عدوى الآخرين.
والمستعمرة مساحتها 350 فداناً على 3 اقسام محاطة بسور عال – شديد الحراسة لمنع الأهالى وغير المصابين بالمرض من الدخول والمستعمرة تحتجز 700 مريض يتواجد منهم 277 فى المبنى الإدارى والذى يضم بدوره قسم العلاج الاقتصادى وغرفة العمليات والعيادات الخارجية بينما يوجد 132 مريضا فى القسم الثانى الذى يضم عيادة للغيار وسجناً للمرضى الصادر بشأنهم أحكام قضائية أما باقى المصابين فهم سيدات يتواجدن بالقسم الثالث. ويحيط بالأقسام الثلاثة سور كبير يتواجد بجواره محطة لتنقية المياه التى يشربها المرضى.
يقول عم محمد إن محطة لتنقية المياه تسببت فى إصابة العديد منهم بالفشل الكلوى نتيجة ارتفاع الأملاح وعدم كفاءة عملية التنقية. وفى المستعمرة يتواجد مخبز ينتج 3000 رغيف يوميا وهو لا يكفى عدد المصابين وبالتالى يضطر المرضى لشراء الخبز من الخارج فضلا عن عدم تواجد أطعمة للمرضى داخل المستعمرة وبالتالى يضطر المرضى إلى شراء أطعمتهم من الخارج وعلى نفقتهم الخاصة.
ويضيف رشيد عبد الوهاب ان احوال المرضى لا تسر عدو او حبيب وان ادارة المستشفى تتعامل معهم باسلوب غير ادمى والاخصائيون يتعاملون معهم بشكل سيئ وطالب بتشكيل لجنة لفحص مطالبهم بأقل متطلبات الحياة الآدمية فى العلاج والاقامة والغذاء وحقهم فى التعامل الادمى.
ويشير عبد الرسول عبد الخالق الى الإهمال فهو المسيطر تماما على المكان فالمرضى ينامون على الأرض والقاذورات تحاط بهم من كل جانب والحشرات صديقهم الحميم فى هذا المكان. والأطباء لا يسألون علينا أو يباشرون علاجنا خوفا من العدوى والمرض يأكل فى أجساد المرضى والنتيجة الحتمية بتر الأطراف.
وبكل الاسى تسمع الحاجة أم محمد فهى دائماً تطلب حضور الطبيب المعالج دون جدوى لدرجة أنها قد تنتظر لأسابيع ولا يأتى الطبيب فهى تقول «أنا نفسى الدكتور يجى علشان أنا مش عارفة أشوف خالص رغم أنى بدهن المرهم إللى اشتريته على حسابى بـ 80 جنيها كل يوم ".
ورفضت الحاجة نعيمة الخروج إلى العالم الخارجى من نظرات الخوف التى تراها فى عيون الناس عندما ينظرون إلى شكلها بل إن بعضهم يرفض التعامل معها نهائيا خوفا من العدوى مشيرة إلى أنها تتواجد فى هذا المكان منذ سنوات طويلة.
وهى تصارع دموعها تقول الحاجة ناصرة: فقسوة معاملة المجتمع لمريض الجذام ونظرة الوصم والتمييز تجاهه أشد عليهم من المرض نفسه فهم يتحملون آلام الجسد بنفس سليمة لكن آلام النفس كيف يتحملونها.
أما عبير المقيمة فى عنبر 3 فهى تؤكد أن المريض يدفع تكاليف طعامه وشرابه على نفقته الخاصة رغم ضيق ذات اليد لمعظم المرضى المقيمين بالمستعمرة وتتكفل المستشفى بجزء ضئيل جدا من علاجه فهى تعطيهم كل شهر نصف كيلو سكر ونصف زجاجة زيت وكيلو أرز لكل مريض وهذا هو الطعام الشهرى لمرضى المستعمرة.
وتضيف مريم المقيمة بعنبر 2: إن المريض يعتمد على نفسه فى إعداد كل شىء فهم يقومون بأداء جميع الأعمال المنزلية بأنفسهم من طهى الطعام وغسيل الملابس وتنظيف العنابر ولا يوجد بالمستعمرة أى عمال نظافة فيلجأ المرضى إلى تنظيف المستعمرة من القاذورات والقمامة بأنفسهم رغم أن بعض المرضى لا يستطيعون الحركة فضلاً عن أن هذه الأعمال تعتبر شاقة عليهم نظرا لظروفهم المرضية الخاصة.
وطالب عاطف سلامة محمد باصلاح احوال المرضى والاهتمام بهم وقال إنه يقيم بالمستشفى منذ 10 سنوات وانه متزوج من سيدتين وانجب 5 أطفال  انه يقوم بمساعدة باقى المرضى فى الاستحمام واعداد الطعام.
ويؤكد الدكتور صلاح عبد النبى مدير ادارة مكافحة الجذام أن المرض غير وراثى والعدوى به تحدث نتيجة المخالطة والمعايشة مع المصاب لفترة طويلة. ولا يوجد علاج نهائى للمرض ولكن يتم العلاج عن طريق العقاقير والمضادات الحيوية التى تعمل على تثبيط نشاط البكتيريا المسببة للمرض.
من جانبه اعلن الدكتور على شمس الدين رئيس الجامعة عن فتح باب التعاون بين مستعمرة الجذام وبين كلية الطب بالجامعة لتوفير كل الاحتياجات الخاصة بها وتقديم خدمات طبية لها مؤكدا أن مرض الجذام من الأمراض المسكوت عنها والتى يجب أن تلقى عناية لمواجهتها مشيرا إلى أن فترة حضانة المرض تصل إلى 5 سنوات بما يتيح إمكانية علاجه.