الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأدب ممكن أن يخدم القضايا الإنسانية ويمكن أن يحرض على الكراهية




تعد الكاتبة مروة كريدية واحدة من المبدعات المهتمات بالقضايا الإنسانية واللا عنف.. تطرح العلاقات الاجتماعية والسياسية من خلال رؤية وجودية تتجاوز الانقسامات الاثنية والدينية والجغرافية، لها العديد من الأعمال الأدبية والفنية التشكيلية والخواطر الشعرية والأبحاث الميدانية فى علم الاجتماع السياسى، شاركت فى أعمال حوار الأديان واللاهوت المقارن، كما نشطت فى ميدان الإعلام الثقافى.. تحدثت فى حوارها لـ«روزاليوسف» عن إنتاجها الأدبى والصحفى ورأيها فى دور الإعلام ورؤيتها لثورات الربيع العربى، وغيرها من القضايا الثقافية والسياسية.
■ أنت شاعرة وروائية وفنانة تشكيلية وناشطة حقوقية وناقدة وصحفية.. كيف توفقين بين كل هذه الاهتمامات؟
 
لست سوى مجرد إنسان ولا ضرورة لإضفاء أى توصيف هو بالواقع ليس مهام أو اهتمامات، فعندما نقوم بأى عمل مهما كان بسيطاً أو عاديًّا على أنه مهمة فإننا نقع تحت دائرة الضغط النفسى ومن ثم سنعيش فى آتون التوفيق بين «مهمات متعددة». أما إن كان ما نقوم به هواية فإن الأعمال تتحول من مهمة إلى عيد وفرح غامر، وهذا التنوع بالهوايات ليس إلا مجرد انعكاس لانعدام الاحتراف، فلست محترفة ولا أكترث بالمسميات «الوظيفية» لأن ما أفعله هو ما أحب أن أكون عليه.
 
الصدفة من خلال صوت الروح تقودنى إلى الكتابة أو الرسم أو حتى إبداء وجهة النظر فى القضايا العادلة، إنها انعكاس للوجد، وهو أمر فطرى غير مصطنع، إنها لحظة لا تستأذن العقل بل بوح حقيقة يجتاح الكيان.
 
■ هذا الكلام قد ينطبق على الفن والإبداع ولكن كيف تترجمين ذلك فى  المهام العملية فى الإعلام والصحافة؟
 
نعم تربى معظم البشر على أنّ عليهم تنفيذ المهمات وتحقيق الانجازات كى يحظوا بتقدير الآخرين إنها استراتيجية مخادعة لإبقاء الناس تحت السيطرة، كانت حياتى عبارة عن سلسلة من الأعمال والمهمات التى لا تنتهى وكنت ألهث ليل نهار لإرضاء الآخرين، إلى أن استمعت إلى ألم روحى واتخذت قراراً جريئاً بمغادرة عالم المهمّات وقررت بمحض إرادتى ألا أقوم بأى عمل لا أرغب فى القيام به.
 
فى هذه اللحظة بدأت أشعر بإنى أعيش الحياة بشكل أصلى، بحيث إننى لا أقوم بفعل أى شىء لا أريد فعله، كنت حقيقية مع ذاتى، وكنت أبذل جهدًا للتعلم من دروس الحياة وخبراتها كى لا أكرر إخفاقاتى، وببساطة وجدت أن قدرى رائع!
 
■ ماذا عن عملك فى الإعلام؟
 
بالنسبة لعملى فى الإعلام فإننى غيرت استراتيجيتى فى العمل وتحولت إلى الصحافة الإنسانية عبر موضوعات تتمحور حول ترجمة القيم الإنسانية من خلال الكلمة والصورة وإرساء قيم التسامح والمحبة والانفتاح والارتقاء بالذائقة الفنية، وإننى على إيمان أن الإعلام ينبغى أن يكون متنفساً تأملياً يريح الإنسان ويرقى بروحه إلى مصاف الوجود الكلى.
 
معظم وسائل الإعلام العربية الحالية صاخبة ومؤدلجة أشبه ما تكون بمتاريس عنف وفساد ونحن اليوم أمام نماذج أكثرها انتشارا فضائيات السخف والتسطيح، والفضائيات المتحزبة وهو «إعلام الجدار» حيث تمنح وسيلة الإعلام نفسها حق مصادرة الحقائق وإطلاق الأحكام وتخوين الأفراد وإعلان النتائج.
 
وفى هذا الجو الإعلامى الصاخب أنزوى واكترث بالقضايا الإنسانية وقضايا البيئة والثقافة والجماليات وكأننى أحاول أن أزرع زهرة فوق اكوام الركام.
 
■ الانتصار للكرامة الإنسانية قيمة ثابتة فى كتاباتك ومواقفك.. كيف ترين زمن الهيمنة والغاية تبرر الوسيلة؟
 
كرامة الإنسان محور أساسى فى الفكر الكونى وترجمة العدالة. نمرّ اليوم بظروف عصيبة ودقيقة تدهور الوعى فيها وصار البشر على الرغم من «العولمة» أسرى تقسيمات جغرافية وسياسية ويقفون خلف «متاريس فكرية».
 
عندما أقف عند دمعة رضيع أو دماء قتيل لا أسأل عن «الدواعى» بل أتألم للإنسان مهما كان انتماؤه، وأبتعد عن المتاريس العقائدية والتوظيفات الدينية «الدوغمائية» بقدر ابتعادى عن أى فكر ممكن ان يتخذ من «علمانية شكلية» أداة للهجوم على الآخرين، نعم البعض يضعنى فى خانة العلمانيين والليبراليين ولكننى لا أرى نفسى إلا انسانة عابرة للتخوم، عابرة للهوية، عابرة للانتماء، لا ادعى امتلاك الحقيقة بل جلّ ما أقدمه هو مجرد رؤية كونية تمنح الأمل فى عصر احترف البشر فيه العنف، حيث طغت القيم المادية وتحولت العلاقات بين الأفراد والمجتمعات إلى علاقة مصلحية لا اعتبار للإنسان فيها، مما جعل كوكب الارض عبارة عن مملكة ارهاب تتحكم فيها «المادة» و«الأنا الفردية» و«التجمعات» المنفعلة برغباتها، إنها كارثة!
 
فى كتابى «استراتيجيات الأمل فى عصر العنف» أوضحت أن ثالوث العنف يتمثل بالسياسة المسببة للحروب وأنانية الاقتصاد المعولم وممارسات الاعلام المضلل؛ لكن عندما تكون انسانية البشر وآدميتهم واحترام كرامتهم هى محور أى عمل فإن العنف سيتلاشى وسيشعر المرء بحقيقة اخوته مع جميع بنى البشر.
 
■ ما وظيفة الأدب فى هذا العصر الذى وصفتيه بـ«مملكة الإرهاب»؟
 
الأدب كما الفن يعكس واقعاً نعيشه وبالتالى ممكن أن يخدم القضايا الإنسانية كما يمكن أن يحرض على الكراهية ... بيد أن القالب الجمالى للفنون والأدب يكتسى بنور البهاء حين يعكس تماماً انسانية الانسان ويكون الأدب عندها تجليًّا باذخا للجمال والمحبة.
 
■ كيف تتأملين ثورات الربيع العربى بعيون المبدعة وتأثيرها على حركة الإبداع فى المستقبل؟
 
نحن الآن فى وضع يصبح الحليم فيه حيرانا حيث تتلاشى أصوات الحكمة ويشعر الانسان بالحزن العميق، فى البداية ثار الشباب بعفوية وتلقائية وكانت كرامة الانسان وحريته هى محور المطالب، ثاروا على السياسى المداهن ومفتى البلاط وعلى المثقف القابع فى دائرة تهويماته وعلى الشاعر المدّاح وعلى الصحفى المنافق... لقد انطلق الشباب ينسجون ثقافتهم وتطلعاتهم ويروون اخبارهم ويصورون الاحداث على طريقتهم انهم يعشقون الحرية.
 
هكذا بدأ الربيع العربى فى ثورة الياسمين بتونس وثورة 25 يناير فى مصر لشباب ارادوا ان  يختاروا طريقة عيشهم و يمارسوا حقوقهم الطبيعية. إنها لحظة تعانقت فيها الميادين مع وجه الحرية.
 
أما الآن فإن النبض الثورى الشبابى خفت ليتلاشى لصالح النخب والأحزاب التقليدية والمولدة التى انبثقت، مما ادى الى سلطات تعمل على «هضم الثورة» لإعادة انتاج «السلطة» السابقة بمسميات أخرى؛ حيث تمر هذه العملية بطبيعة الحال عبر «المثقفين» و«الاعلاميين» وغيرهم وذلك بهدف تأطير الحقائق بشكل يتلاءم مع الوضع الجديد القائم.
 
وبهذا التوصيف فإن مفهوم «السلطة» كما «المعارضة» لم يتغير بعد الثورات، بل بقى كأداة ايديولوجية وقمعية تسعى لإعادة انتاج شروط الانتاج وعلاقاته بهدف تغليف تناقضات المجتمع، وتحولت الميادين إلى متاريس «عقائدية» و«تجمعات حزبية» يخوّن بعضها بعضًا، إنها صورة محزنة.
 
■ لماذا كانت الهجرة من لبنان إلى الإمارات؟ وهل أصبح لبنان طارداً لأبنائه؟
 
 يتغنى الشعراء بأوطانهم ويمتدح الناس «وطنية» أفرادهم! بيد أنى اليوم إنسانة سمّها ان شئت «عبر وطنية» فإننى لبنانية المولد، وطنى الإنسان وهويتى كونية.
 
ببداية حياتى كنت شديدة الانتماء والحنين إلى لبنان ولبيروت فى قلبى مكانة وجدانية ساحرة وما زالت، ولبنان حاله كحال الدول التى لا تلقى بالا للإنسان وكرامته، حيث تتحكم مصالح الفاسدين فيه على كافة الأصعدة. بلد تتنازعه الانتماءات الطائفية والحزبية ولكل طائفة زعيم يتحكم بمصير العباد، وكل حزب بما لديهم فرحون، والانسان العادى يعانى من اهمال مصالحه فيما المؤسسات الرسمية تديرها المحسوبيات، بلد لا مكان للكفاءات فيه ولا يمكن للمرء ان يحصل على وظيفة رسمية مالم يكن تبعا لزعيم أو حزبي، إنها الكارثة!
 
وجدت نفسى فى وقت من الاوقات انى «بلا وظيفة» بسبب أنى لا أنتمى إلى أى جهة! فقررت الرحيل إلى أى بقعة أستطيع أن أعمل بكفاءتى المهنية بها.
 
وإننى احلم  فى ان يكون كوكب الارض وطنا واحدا لجميع بنى البشر وما دور الدول فيه الا كمجموعة مؤسسات تقدم الخدمات للسكان وتقوم على رعايتهم وتحافظ على كرامتهم. إنه حلم طوباوى ربما يتساوى فيه كافة البشر ويمنحهم الفرص عينها فلا يتحكم غنيهم بفقيرهم ولا أقواهم بأضعفهم. وهو ما حاولت ان أعالجه بشكل قصصى فى اصدارى الأخير «عواصف النسيان».