الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

البحث عن توصيف آخر للأزمة السياسية المصرية




كتب: يسرى حماد
السياسة هى التعامل مع المتاح أو فن الممكن بما فيه كيفية التعامل مع الخصوم السياسيين والتقلبات أو الأزمات السياسية.  نعترف جميعا أن الواقع المصرى قبل 25 يناير كان يقصر ممارسة العمل السياسى على فئة معينة وجعل طموح الأطراف السياسية الأخرى لقيادة الدولة نوعا من أنواع العمل الإجرامى أو ما أطلقوا عليه قلب نظام الحكم والاعتداء على الشرعية.  شرعية اكتسبت وجودا بالأقدمية وبالإنحياز الإعلامى السافر وبإطلاق البلطجية والألاعيب السياسية ضد المعارضين.   مابعد 25 يناير، لم نحصل على جو سياسى محترم، بل أصحبت السياسة مهنة كل فئات الشعب بدءا من الأميين مرورا بمن أطلقوا على أنفسهم النخب السياسية.  مايهمنى التركيز عليه فى هذا المقال، كيف تتعامل النخب السياسية مع الواقع السياسى والأزمات وكيف تنظر إلى الآخر فى تعاملها مع مجتمع لم نصل فيه لاعتراف كل فصيل بالآخر واحترام تواجده بغض النظر عن أفكاره الأيديولوجيه ونظرته للواقع المصرى ولعلى أكون موفقا فى ضرب بعض الأمثلة عن الواقع المصرى حسب ماتعايشت معه خلال العامين الماضيين
 
المثال الأول: الدعاة الإسلاميون وأتباع الكنيسة من الآباء والكهنة الذين دخلوا العمل السياسى فجأة وبلا مقدمات، فأصبحوا عبأ على أحزابهم  وتياراتهم السياسية وعلى قدرة الحزب على المناورة السياسية والتعامل مع المشكلات الطارئة.. أعلم يقينا أن منهج الدعاة والآباء يعتمد على عرض مقدسات إسلامية أو مسيحية ترتقى إلى اللا معارضة من الآخرين لانها مستمدة من صحيح الكتاب والسنة أو من نصوص الإنجيل بما يعنى إضفاء المهابة والقدسية على النصوص التى تنقلها لأتباعك، بما يعنى التسليم بهذه النصوص بلا مناقشة إلا فى إطار الصحة والضعف على النص نفسه وكلما كان الداعية حريصا على معرفة صحة اسانيد النصوص أو الاستشهاد بكلام الإنجيل التى ينقلها كلما كان كلامه مقدسا عند اتباعه.. دخول الداعية أو القسيس مجال العمل السياسى كان بنفس الوتيرة ونفس المعنى.  بمعنى أن كلامه وآراؤه فى السياسة انجر عليها من قبل اتباعه نفس القدسية على الكلام فى الدين فصار الدفاع عن وجهة النظر السياسية وكأنه دفاع عن مسلمات دينية غير قابلة للنقاش، وأن تعامله مع المستجدات والقضايا السياسية من قبل عدم المس وعدم النقد وإلا صرت معتديا على قداسة الداعية أو القسيس.
 
المثال الثانى :  كل وطنى فى مصر لديه محبة شديدة لكل مايتعلق بالجيش المصرى تجعله يتعامل مع كلام العسكرين بمنتهى المصداقية والحب والرغبة الجارفة فى إلغاء العقل لتصديق كل مايصدر عن المؤسسة العسكرية، حتى أن البعض يظن أنك تكون فى صف المؤسسة العسكرية فى جميع المواقف بدون تمرير على العقل والمنطق ولاحتى التطرق إلى أن المؤسسة العسكرية يعتريها من القوة والضعف مايعترى باقى مؤسسات الدولة.  كلمة الوطنية إذا تم تجريد كل المواطنين منها لمجرد اختلافهم مع بعض قيادات المؤسسة العسكرية فى وجهات النظر ستصبح نوعا من الاستخفاف بالعقول ولعب بمصلحة الأمة كلها خاصة أن بعض النماذج من العسكريين أساءوا كثيرا للشعب والوطنية ولم يكونوا حريصين بالمرة على استقلال هذا الوطن والأمثلة كثيرة.  فى كل الديمقراطيات العالمية تعتبر المؤسسة العسكرية جزء من مؤسسات الدولة لها وظيفة محددة تتمثل فى الحفاظ على حدود البلاد ولايسمح لها البتة فى التدخل فى الشأن السياسية. ولو أرادت ذلك عليها أن تخلع أولا البزة العسكرية لتنضم إلى فصيل سياسى لتخوض معه الخلافات السياسية بدون تخويف المجتمع من فظاظة الجندى المقاتل أو من البدلة العسكرية التى تعتبر مخالفتها الرأى فى مصر مسوغا لتحويلك إلى القضاء العسكرى بتهمة إهانة للجيش كله مثله مثل سيف إهانة القضاء المسلط على الرقاب إن أنت أهنت قاضيا واحدا.  انزع عنك مايجعلك غطاء الوطنية ويجعل الآخرين معادين للجيش والدين والوطنية.
 
المثال الثالث: تغيير المفاهيم بما يتناسق مع العقيدة السياسية حتى ولو أضر بالمجتمع لسنوات طويلة.   دعنا أولا نتفق أن الخلاف الناشئ الآن بعد 30-6 هو خلاف سياسي، ربما لايروقك أن يكون خلافا سياسيا لأنك لن تفلح فى تسويق وجهة نظرك فى إدارة أزمة سياسية بعد تدخل المؤسسة العسكرية لتقوم بإلغاء كافة الاستحقاقات الدستورية والانحياز السافر لفصيل على حساب آخر بالرغم أن الدستور القائم لايسمح بذلك.  لابأس دعنا نحول القصة من أزمة سياسية إلى أزمة أخرى ومسمى آخر.  لابأس المسمى المفضل الآن هو الإرهاب ووصم من يدافع عن القانون والدستور بصفة الارهاب والعنف والتطرف والسلاح وخلق قصص وهمية فى سيناء لتصدير خطاب آخر للتخويف من المعارضين... تحويل الخلاف السياسى إلى خطاب تخويف تقوده أجهزة المخابرات لتنسى أن الأزمة سياسية بل أزمة بؤر إرهابية لحشد التأييد الشعبى والدولى ضد الإرهاب.
 
سيجتمع أطراف العملية الأربعة فى بوتقة واحدة بعض الدعاة وبعض القساوسة مع الجيش والقضاء والإعلام لقيادة الحالة السياسية المصرية فى الأيام القادمة لإرجاع العقول إلى ماكانت عليه قبل 25 يناير ولتقليل نسبة المناصرين للدستور والقانون قدر الإمكان .  فهل ستنتصر إرادة الشعب أم تعود البلاد لسابق عهدها تحت وطأة تخطيط المخابرات وتنفيذ عناصر الدولة العميقة.
 
نائب رئيس حزب الوطن