الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




شعر ـ صلاح عبد الصبور ـ رسوم ـ أوجين ديلاكروا
 
شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع فى ذكرى وفاة أحد أهم رواد حركة الشعر العربى وهو الشاعر صلاح عبد الصبور والذى توفى فى 13 أغسطس من العام 1981، وهو واحداً من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة فى التأليف المسرحي, وفى التنظير للشعر الحر، وقد ترك عبد الصبور آثارا شعرية ومسرحية أثرت فى أجيال متعددة من الشعراء فى مصر والبلدان العربية، خاصة جيلى السبعينيات، والثمانينيات فى مصر، وقد حازت أعماله الشعرية والمسرحية قدرا كبيرا من اهتمام الباحثين والدارسين، ولم تخل أية دراسة نقدية تتناول الشعر الحر من الإشارة إلى أشعاره ودواوينه، وقد حمل شعره سمات الحزن والسأم والألم وقراءة الذكرى واستلهام الموروث الصوفي.

يصاحب قصائد عبد الصبور لوحات للفنان الفرنسى العالمى أوجين ديلاكروا (26 أبريل 1798 - 13 أغسطس 1863)، وهو من رواد المدرسة الرومانسية الفرنسية، له العديد من اللوحات الفنية المحفوظة فى متحف اللوفر وغيره.


أبحث عنك
 
 
حبيبتى ....
عندما تدق أجراس المساء
وأرى الكواكب باسماتٍ فى الفضاء
والبدر يلهو عابثاً فى دربه . يجتر أول قصةٍ من حبه
فتسيل من عينى الدموع . وتثور فى صدرى الضلوع
وأسير وحدى فى الظلام . بعواطفى ، ومشاعري
بكل أعراض الهيام
لا الليل يثنينى ولا البرد الشديد
أبحث عنك فى الأفق البعيد
أبحث عنك فى الشفق الموشى بالدموع
فى صراخ القلب ....
فى حزن الضلوع
أبحث عنك فى صمت السكون
فى ضياء البدر . فى الدمع الهتون
ويتوه دربى ...
وتضيع آثار الطريق
ويشب فى صدرى لهيب من حريق
وأرى خيالك باسماً ....
يختال فى الأفق البعيد
فأعود وحدى حائراً لأبحث عنك فى يومٍ جديد
 
 
رؤيا ..
 
 
فى كل مساء،
حين تدق الساعة نصف الليل،
وتذوى الأصوات
أتداخل فى جلدى أتشرب أنفاسي
و أنادم ظلى فوق الحائط
أتجول فى تاريخي، أتنزه فى تذكاراتي
أتحد بجسمى المتفتت فى أجزاء اليوم الميت
تستيقظ أيامى المدفونة فى جسمى المتفتت
أتشابك طفلاً وصبياً وحكيماً محزوناً
يتآلف ضحكى وبكائى مثل قرار وجواب
أجدل حبلا من زهوى وضياعي
لأعلقه فى سقف الليل الأزرق
أتسلقه حتى أتمدد فى وجه قباب المدن الصخرية
أتعانق و الدنيا فى منتصف الليل.
حين تدق الساعة دقتها الأولى
تبدأ رحلتى الليلية
أتخير ركنا من أركان الأرض الستة
كى أنفذ منه غريباً مجهولاً
يتكشف وجهي، وتسيل غضون جبيني
تتماوج فيه عينان معذبتان مسامحتان
يتحول جسمى دخان ونداوه
ترقد أعضائى فى ظل نجوم الليل الوهاجة و المنطفأة
تتآكلها الظلمة و الأنداء، لتنحل صفاء وهيولي
أتمزق ريحا طيبة تحمل حبات الخصب المختبئة
تخفيها تحت سراويل العشاق.
و فى أذرعة الأغصان
أتفتت أحياناً موسيقى سحرية
هائمة فى أنحاء الوديان
أتحول حين يتم تمامى -زمناً
تتنقل فيه نجوم الليل
تتجول دقات الساعات
كل صباح، يفتح باب الكون الشرقي
وتخرج منه الشمس اللهبية
وتذوّب أعضائي، ثم تجمدها
تلقى نوراً يكشف عريي
تتخلع عن عورتى النجمات
أتجمع فاراً ، أهوى من عليائي،
إذ تنقطع حبالى الليلة
يلقى بى فى مخزن عاديات
كى أتأمل بعيون مرتبكة
من تحت الأرفف أقدام المارة فى الطرقات.
 

 

 
خمس رحلات فى عينيها 
 
 
فى عمق عينيك ...
ترتبك الكلمات
ويزداد وجيب الأنات . وتطير عصافير الحب
لتهمس فى أذن القلب . لو تفهم فى الشعر عيونك
ما تاهت فى ليل ظنونك . ولم تسأل : مامعنى الحب ؟
-2-
فى عمق عينيك ...
أخلع معطفى الشتوى وحيائى الأبدى
وأسبح عكس التيار وأشعر بحنانك يغمرنى
يدغدغ جلدة رأسى وألاى صياداً يصطاد اللؤلؤ
آهٍ لو يعرف مثلى معنى الغوص بهذا البؤبؤ .
-3-
فى عمق عينيك ...
أشياء تجذبنى للبر لأشجار النبق المحنية
وظلال السدر
لصفير اليح الشرقية ووهيج الحر
لقطعان الماعز فى الصحراء لجمال القسمات البدوية
فى وجه الرعية السمراء لأنين الناى المحزون
يردد فى صمت الليل ألحان القلب المفتون
ويناجى البدر
آه يابدر
لو تبحر فى عمق العينين وتحاول أن تدرك مثلى أسرار العينين السمر 
-4-
فى عمق عينيك ...
صحراء مترامية الأطراف
تسرح فيها الغزلان
وتحلق أسراب القمرى ويغرد فيها الكروان
وتهب زوابع فى الدرب
وزوابع حبك فى القلب
آهٍ ياقلب ...
من سهم لحاظ البدوية كم تفعل برمشة عينيها
فى فلب العاشق والصب .
-5-
فى عمق عينيك ...
رياض تزهو بالأشعار يقرأ فيها العشاق
قصائد من شعر الحب وفراشات تطير على الأزهار
تمتص رحيق القلب وتشير بسهم كيوبيد حيث
تسير الدرب لكن فى الزاوية اليمنى
شارات حمراء
عليها مكتوب :
ممنوع الحب
ممنوع الحب

 


البحث عن وردة الصقيع
 
أبحثُ عنك فى ملاءة المساء
أراك كالنجوم عارية
نائمة مبعثرة
مشوقة للوصل والمسامرة
واقتداح الخمر والغناء
وحينما تهتزُ أجفاني
وتفلتين من شباك رؤيتى المنحسره
تذوين بين الارض والسماء
ويسقط الاعياء
منهمرا كالمطره
على هشيم نفسى الذابلة المنكسرة
كأنه الإغماء
أبحث عنك فى مقاهى آخر المساء والمطاعم
أراك تجلسين جلسة النداء الباسم
ضاحكة مستبشرة
وعندما تهتز أجفاني
وتفلتين من خيوط الوهم والدعاء
تذوين بين النور والزجاج
ويقفز المقعدُ والمائدة الهباء
ويصبح المكان خاوياً ومعتماً
كأنه الصحراء
أبحث عنك فى العطور القلقة
كأنها ُتطل من نوافذ الثياب
أبحث عنك فى الخطى المفارقة
يقودها إلى لاشىء ،لا مكان
وهم الانتظار والحضور والغياب
أبحث عنك فى معاطف الشتاء إذ ُتلف
وتصبح الاجسام فى الظلام
تورية ملفوفة ، أو
نصبا ً من الرصاص والرخام
وفى الذراعين اللتين تكشفان عن منابت الزغب
حين يـُهل الصيف
ترتجلان الحركات الملغزة
وتعبثان فى همود الموت والسموم والرخام
حين يدور العام
أبحث عنك فى مفارق الطرق
واقفة ، ذاهلة ، فى لحظة التجلى
منصوبةً كخيمة من الحرير
يهزها نسيم صيفٍ دافئ ،
أو ريح صبح ٍِ غائم ٍِ مبللٍ مطير
فترتخى حبالها ، حتى تميل فى انكشافها
على سواد ظلى الاسير
ويبتدى لينتهى حوارنا القصير.
 
«الطفل»
 
 
قولى ... أمات؟
جسيه، جسى وجنتيه،
هذا البريق
ما زال ومض منه يفرش مقلتيه
قولى ... أمات؟
وأنا غدوت بلا أحد؟
هذى أصابعه النحيلة
هذى جدائله الطويلة
أنفاسه المترددات بصدره الوردى كالنغم الأخير
من عازف وفد النعاس عليه فى الليل الأخير
وسألتني: ما الوقت هل دلف المساء؟
أتذهبين؟
ولمَ نطيل عذابه حتى الصباح؟
لن يرجع الصبح الحياة إليه، ما جدوى الصباح؟
لا تلمسيه
هذا الصبى ابن السنين الداميات العاريات من الفرح
هو فرحتى
لا تلمسيه
أسكنته صدرى فنام
وسدته قلبى الكسير
وسقيت مدفنه دمى
وجعلت حائطه الضلوع
ليزوره عمرى الظمي