الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حرب الطعون الانتخابية
كتب

حرب الطعون الانتخابية




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 07 - 12 - 2010


مجلس الدولة أم الدستورية أم النقض أم «سيد قراره»؟
(1)


- انتهت معركة الصناديق، وبدأت حرب الطعون الانتخابية، وعقد الخاسرون في الانتخابات النية علي استخدام كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، لضرب مجلس الشعب الجديد، والتشكيك في مشروعيته، وصولاً إلي أنه «برلمان باطل».


- علي الجانب الآخر، أعلن الفائزون وفي صدارتهم الحزب الوطني حالة التأهب القانونية القصوي، لتبرئة المجلس والانتخابات من حملات التشكيك والتشويه، وإثبات مشروعية البرلمان ودستوريته.
- نجوم المعركة هم القضاء الإداري، وأساتذة القانون الدستوري، بعضهم يقدم مبررات وأسانيد وأدلة قانونية لتدعم وجهة نظره، والبعض الآخر يستخدم شعارات سياسية لتمرير الدفوع القانونية.
(2)
- الحرب القانونية أشد ضراوة من معركة الصناديق، وفي ذمة رجال القضاء وأساتذة القانون، أن يحسموا الجدل بشكل يقود إلي الاستقرار البرلماني والتشريعي، ويتيح للمجلس الجديد أن يؤدي عمله بعيدًا عن الشبهات.
- هناك نوايا مُبيتة للتشكيك المتعمد، بهدف الوصول إلي حالة «فراغ تشريعي»، بكثرة الطعون المقدمة في صحة عضوية أعضاء البرلمان، وتضخيم التجاوزات المحدودة، واختزال الجوانب الإيجابية في سلبيات لا تخلو منها أية انتخابات.
- وهناك جدل صاخب يصل إلي حد نسف الثوابت والأحكام القانونية التي استقرت في إدارة الطعون الانتخابية منذ سنوات طويلة، ومحاولة العودة إلي نقطة الصفر، وكأننا نُشرع أحكامًا يجري العمل بها لأول مرة.
(3)
- السؤال المطروح هو: ما هي الجهة المختصة بنظر الطعون الانتخابية؟.. وقد يبدو السؤال سطحيًا علي أساس أنه بعد أكثر من 100 سنة انتخابات برلمانية نعود ونسأل عن جهة الاختصاص؟
- رجال القضاء والقانون أنفسهم هم الذين أوقعونا في هذه الحيرة، وهم جميعًا أساتذة كبار أفنوا عمرهم بين الكتب والمراجع والدراسات والأبحاث والأحكام.. ولكن هناك بعض الآراء والأحكام والتفسيرات تصل إلي حد التضاد.
- بجانب الجدل القانوني، هناك صخب وضجيج بهدف تسييس الأحكام والخروج بها عن مقاصدها ومراميها إلي تأويلات سياسية وحزبية شديدة الغرابة والتناقض.
(4)
- علي سبيل المثال، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمًا ينص علي أن مجلس الدولة هو المختص بنظر الطعون المقامة بشأن «قرارات» إعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب.. ولنضع أكثر من خط تحت كلمة «قرارات».
- قالت المحكمة أيضًا إن مجلس الشعب يختص بالعطون المتعلقة بنتائج الانتخابات التي تجري وفق صحيح القانون، أما طعون النتائج التي أجريت دون مراعاة الأحكام القضائية فلا علاقة لمجلس الشعب بها.
- في حكم سابق متعلق بالطعون الانتخابية، قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر دعاوي بطلان الانتخابات، وقالت المحكمة إن المادة (72) من قانون مجلس الدولة هي التي تحدد الاختصاص من عدمه.
(5)
- المادة (72) من قانون مجلس الدولة تُقصر اختصاصه علي الفصل في سلامة القرارات الإدارية في مرحلة الإعداد للعملية الانتخابية.. وغير ذلك فينعقد الاختصاص لجهات قضائية أخري.
- بطلان الانتخابات يقول الحُكم يتطلبه تحقيق تجريه محكمة النقض وفقًا للمادة (93) من الدستور، التي تنص علي أن مجلس الشعب هو الجهة المختصة بالنظر في صحة عضوية أعضائه «قاعدة سيد قراره».
- السؤال هنا: هل يجور القضاء الإداري علي اختصاص جهات أخري هي محكمة النقض ومجلس الشعب؟.. وما هي المعايير القانونية الدقيقة التي تحدد ما تختص به كل جهة، خصوصًا أنها عملية متشابكة ومتداخلة ومعقدة ويصعب كثيرًا وضع حدود قاطعة لها؟
(6)
- الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري في الطعون الانتخابية يشوبها في كثير من الأحيان أنها لا تستند لأسس قانونية واحدة، في النزاعات المتشابهة، مما يؤدي إلي تناقض حكم تصدره دائرة عن حكم تصدره دائرة أخري في نفس الموضوع.
- تنبهت المحكمة الإدارية العليا لهذا الخلل، خصوصًا مع صدور قرابة 1000 حكم لا تستند لنصوص موحدة، وقررت إحالة الطعون إلي دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيما أثير بشأن اختصاص مجلس الشعب.
(7)
- يقول بعض أساتذة القانون إن هذه الأحكام هي قضاء «في الشق المستعجل»، وبالتالي لا ينبغي أن تصيب السلطة التشريعية بالشلل إلا إذا تعرضت للشق الموضوع وأصبحت نهائية وواجبة النفاذ.
- ويقولون إن المحكمة الدستورية العليا هي صاحبة الاختصاص الوحيد في الفصل في الطعون، حتي لا تعتدي سلطة علي سلطة ولا تغتصب صلاحياتها الدستورية وأن التعاون بين السلطات ليس معناه اغتصاب السلطات.
- في كل الأحوال ليس هناك سيف قاطع يفصل بين صلاحيات مجلس الدولة والبرلمان نفسه ومحكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا، من واقع آراء واجتهادات رجال القضاء وأساتذة القانون أنفسهم.
(8)
- في كل الأحوال، فض الاشتباك مطلوب، وأن يرفع الجميع القبعة احترامًا وتقديرًا وتبجيلاً وتوقيرًا لأحكام القضاء التي لا يشوبها تنازع الاختصاص، حتي تحقق «طمأنينة العدالة» لجميع الأطراف.
- لا ينبغي أبدًا أن يأخذ كل طرف من القانون الجانب الذي يرضيه ويحقق أهدافه، ثم يرفض الجانب الآخر ويشكك فيه ويهدد مصداقيته، فهذا في النهاية، ليس في صالح جميع السلطات.
- رمز العدالة أنها «معصوبة العينين»، لا تعرف هذا ولا ذاك، ولا تحكم بالميول أو الهوي، وإنما بالقانون، فنحن في دولة القانون التي تحترم قضاءها وقضاتها، حراس الشرعية والدستور.


E-Mail : [email protected]