الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«سلماوى» ينتقد صمت اليونسكو وانحياز الغرب




 بعث الكاتب الكبير محمد سلماوى برسالة شديدة اللهجة لإيرينا بوكوفا مدير عام منظمة الثقافة والعلوم والتربية «اليونسكو»، انتقد فيها صمت المنظمة إزاء الهجمات والحرائق التى استهدفت المتاحف المصرية ودور العبادة والمكتبات والمبانى التاريخية وسط انحياز غير أخلاقى للدوائر السياسية والإعلامية فى الغرب.
ووصف سلماوى رئيس اتحاد كتاب مصر وأمين عام اتحاد الكتاب العرب واتحاد كتاب أفريقيا وآسيا، الاعتداء على التراث الإنسانى بأنه جريمة ضد الإنسانية مطالباً اليونسكو بضرورة تحمل مسئوليتها فى الحفاظ على التراث وحمايته وجاء فى نص رسالته: «أكتب إليك من بلد ترتفع فيه الآن معاول الهدم السوداء، وألسنة اللهب الهوجاء، تحطم وتلتهم ما تطوله من تراث مصر الذى هو تراث إنساني، خسارته خسارة للإنسانية وليست لمصر وحدها.
أكتب إليك غاضباً رغم الود الذى كان عنوان اللقاءات القليلة التى جمعتنا منذ اختيارك لموقع المدير العام لليونسكو عام 2009، ووقت كنت مندوبة لبلادك فى المنظمة قبل ذلك، اكتب إليك فى صميم عملك، وعن مسئولية منظمتك، ولا أكتب عن الدماء الزكية التى سفكت، ولا عن الأطراف الآدمية التى قطعت، ولا عن جثامين الضحايا التى تفحمت، فتلك كلها لا يبدو أن الغرب يكترث لها، إلا لو كانت لمن ينتمون لجحافل الإرهاب التى تعتدى الآن على الشعب المصري وعلى منشآته العامة والخاصة، وعلى تراثه العريق، لقد قامت قوى الظلام الملتحفة زوراً بالدين الإسلامى الحنيف بالاعتداء على المتاحف ودور العبادة والمبانى المعمارية القديمة فى البلد الحاضن والحافظ لآثار واحدة من أهم وأقدم حضارات الإنسان.
اكتب إليك لأنى وسط ذلك كله لم أسمع كلمة احتجاج واحدة منك ولا من منظمتك الغراء،  فى الوقت التى تذرف بعض التماسيح عندكم دموعها على غياب الديمقراطية وعلى ضياع حقوق الإنسان، إن للثقافة أيضاً حقوقاً، يا سيدتي، تماماً كالإنسان، وهى تهدر هنا أمام أعيننا فى اليوم مرات ومرات، وأول حقوق الثقافة هو الحق فى الوجود، ثم الحق فى الحماية والحق فى الرعاية والحق فى أن تسلم هذه الثقافة وهذا التراث للأجيال القادمة التى رغم إرثنا لها من أجدادنا فإننا فى الحقيقة إنما نستعيرها الآن من أبنائنا، إن هذه الحقوق جميعا قد أهدرت وانتهكت واعتدى عليها وأضرمت فيها النيران.
إن أحد تلك الاعتداءات الغاشمة كانت على متحف ملوى بالمنيا والذى سرقت منه 1050 قطعة من أصل قطعه الـ 1089، إلا أن اعتداء قوى الظلام على المتحف لم يكن بهدف السرقة مثلما يحدث فى متاحفكم، فالقطع التى لم يتمكنوا من إخراجها من المتحف تم تدميرها فى أماكنها، والبعض منها لم يعد فى حالة تسمح حتى بالترميم، ثم عادت تلك الأيدى السوداء الآثمة مساء نفس اليوم لتشعل النيران فيما تبقى من المتحف، ألا يعطيك هذا يا سيدتى فكرة واضحة عن جماعات الإرهاب التى كانت تحكمنا؟ والتى تطالبوننا اليوم بعد أن أسقطناها بأن نعيدها مرة أخرى لتشارك معنا فى صياغة مستقبل هذا البلد العظيم؟ إنهم لا ينتمون لهذا الوطن ولا يعترفون بحضارته العريقة، بل يعتبرونها أصناماً وأوثاناً تستوجب الحرق والتحطيم ليعم ظلام فكرهم المتخلف المريض، وليس فى هذا القول إقصاء،  وإنما هو تنصيص لتصريحاتهم المتكررة فى هذا الشأن.
إن بعض الآثار التى تمت سرقتها أو تحطيمها تعتبر من أهم آثار التاريخ المصرى القديم، ومن بينها قطع نادرة تمثل ذلك التزاوج النادر الذى حدث بين الحضارتين المصرية واليونانية القديمة فى العصر اليونانى الروماني، وهى تمثل كارثة إنسانية جسيمة، وينبغى أن تكون كذلك لك شخصياً يا سيدتى ولمنظمتك الغراء التى تستمد وجودها من الدفاع عن هذا التراث وحمايته من دمار الزمن الذى ثبت انه أكثر حنوا على الحجارة من يد الشر الآثمة.
وفى هذه اللحظة التى اكتب لك فيها تجرى محاولات للاعتداء على متحف روميل بالعلمين فى شمال البلاد ومتحف بهنسة فى بنى مزار بجنوبها، ويقفز عدد الكنائس التى تم الاعتداء عليها إلى 60 كنيسة فى مختلف أنحاء الجمهورية.
إن مبنى محافظة الجيزة الذى أحرقوه ليس أثراً تراثياً، وهو ليس مسجلا لديك ضمن الآثار، لكنى أذكر أننى فى أول مرة دخلته ظللت أحصى وأنا جالس فى مكتب المحافظ أسماء أكبر فنانى القرن الـ 19 العالميين الممضاة على اللوحات التى تزين جدرانه، وتلك التهمتها نيران أصدقائكم الذين تتبنون الآن قضيتهم الإرهابية الخاسرة، وقد كانت من بين تراثكم أنتم الذى نعتز به ونقتنيه.
هل تعلمين يا سيدتى  وكيف لا تعلمين وواجبك يقتضى أن تعلمى  أنه قد تم الاعتداء أيضاً على مكتبة الإسكندرية، وعلى مكتبة الجمعية الإنجيلية، وعلى مكتبة الصحفى المصرى الكبير محمد حسنين هيكل بما تحتويه من وثائق نادرة وكتب قيمة بعضها لا يعوض؟
لن أثقل عليك هنا بقائمة كاملة للجرائم التى ارتكبت فى الأيام القليلة الماضية ضد تراثنا الحضارى العظيم، راجياً أن تطلبى من منظمتك الغراء أن تفعل ذلك، فهذا واجبها، لكنى أقول لك أن تلك فى الحقيقة جرائم ضد الإنسانية لأن فيها إبادة لهوية هذا الشعب التى تتمثل فى تراثه الحضاري، وليس هناك من جريمة شنعاء ضد الإنسانية تقارب القضاء على هوية الإنسان.