الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«النوبى» أشرف العوضى.. نافذة على القرية المصرية




فى مجموعته القصصية الجديدة «النوبي» يأخذنا القاص والروائى أشرف العوضى لأماكن ودروب فى أقاصى القرية المصرية، على لسان الراوى تدور القصص فى مجموعة تكمل بعضها بعضا، أبطال القصص أشخاص لا يتغيرون.
تحمل كل قصة حكاية مختلفة تدور فى القرية بعيدا عن المنطق أحيانا، هناك قصص قد تبدو سريالية بعيدا عن المعقول وقد تحمل دلالات رمزية، وهناك قصص تكشف عالما يبدو على سذاجته أنه لم يتلوث بعوادم المدينة؛ ولا تزال الأسئلة الفلسفية مطروحة حول المجهول، هناك أطفال يجوبون القرية ويلعبون وتختلط بأحلامهم عبثية الحياة، وفى الأيام المكتوبة دوما خوف من شىء لا نعلمه وعلى الأرض دائما فكرة جليلة دائما موجودة ولكنها تحتجب خلف ظلام البعد، العوضى فى قصصه يجيد السرد فى حبكة قوية ومترابطة.
من خلال قراءة أعماله لابد أن تكتشف ارتباط الكاتب بالأرض والمكان، تشغله دائما بساطة الجيران، وأدوات البسطاء، يتعلق ذهنه كثيرا بالوطن الذى خلفه وراءه وأخذته سماوات الغربة إلى ضفاف الناحية الأخرى من الكون، يتسلل بعض الحنين المتخفى بين سطور كتابته التى لا تُمل، أجاد رسم اللوحة فى ذهن القارئ، ولعب على أوتار المشاعر؛ على قارعة الطريق هناك محبون ينتظرون اللقاء خارج حدود الزمن بعد فراق العدم، وهناك عاشقون لا يعلمون أنهم قد أطلقوا أفئدتهم نحو السراب والظلام على بلاط معابد منسية،  نسيت آلهتها كما نسيت قيمة الحب الذى ضاع فى مهب الريح.
الوجود وما يقابله من العدم وفلسفة الموت يتكرر كثيرا فى كتابة العوضي، لكنه على ما يبدو أراد أن يقول إن الموت من بعده تستمر حيوات وتكتمل أيام، فى بعض قصص المجموعة هناك رسالة ما متكررة، وهى أن ما نرفضه قد يكون هو الأفضل، الخيال لم يكن بسيطا فى كتاباته فأهل القرية يستمتعون بروايات الجنية ويؤمنون بالميتافيزيقا وتجذبهم عوالم ماوراء الطبيعة، تمتلئ أيامهم بصراعات من نوع خاص وهموم قد تبدو كبيرة لبسطاء يعيشون فى قرية، اعتنى «العوضي» بالمشهد جيدا وصور لنا مجموعة من الآفاق الرحبة هناك فى مجتمع لايزال ينتظر.
كتابة العوضى نسيج متميز، ومجموعته قد تتجاوز القصة القصيرة، فقد تستوقفنا بعض القصص بعدد صفحاتها وحجمها الذى يتجاوز ما هو متعارف عليه فى حجم القصة القصيرة، ولكن ما يدهشنا هو جوهر القصص النوعى وليس المظهر الكمى الذى يجعل قصصه تقترب كثيرا  من شكل النوفيلا، واللغة متماسكة رصينة ولكنها لا تبدو قاموسية أو مصطنعة، كما أن هناك حياة وحركة دءوبة تدب فى أوصال العمل لأن الكاتب يعيش تلك الحياة، ويبدو تأثره واضحا بطقوس ذلك المجتمع الذى كان يعيشه فى فترة من فترات حياته سابقا، لقد طوَّع أشرف العوضى لغة السرد واستخدم امكانيات التهجين، والتنويع على الأنواع والأجناس الأدبية السردية للتعبير عن تجربة خاصة بمنتهى الحرفية والدقة.