السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رحم الله اللواء أحمد مختار
كتب

رحم الله اللواء أحمد مختار




 


 

كرم جبر روزاليوسف اليومية : 22 - 12 - 2010



لابد من تكاتف الجهود لإجراء عمليات زراعة الأعضاء
(1)
- رحم الله اللواء أحمد مختار محافظ الوادي الجديد، كان رائعاً في كل شيء، منضبطاً إلي أقصي الحدود، محباً للحياة وللتفاؤل والأمل، لكنه فيروس سي اللعين الذي يهدد حياة ملايين المصريين.
- عاني اللواء مختار من عذاب لا يطاق في أيامه الأخيرة، تحمله بإيمان وصبر وقوة عزيمة، جعله الله في ميزان حسناته، وأسكنه فسيح جناته وألهم أسرته الصبر والسلوان.
- مرض الكبد الذي أودي بحياة اللواء مختار، لا يفرق بين صغير وكبير، ولا غني وفقير، ويساوي بين الجميع في آلامه المبرحة وتداعياته الخطيرة، وعندما يدخل أي بيت تخرج منه السعادة إلي الأبد.
(2)
- «فيروس سي» الرهيب لايتم اكتشافه إلا بالصدفة، وربما يذهب شخص سليم ومعافي إلي الطبيب يشكو من قليل من الإرهاق، فيفاجأ بأن الفيروس يهاجم كبده بشراسة وقسوة.
- عند لحظة الاكتشاف تصبح الحياة جحيماً لا يطاق، ويتحول المريض الذي كان قوياً قبل اكتشاف المرض إلي جثة متحركة، من هول الصدمة النفسية والعصبية.
- كثير من الأطباء في مصر يستخدمون مع مرضي الكبد أسلوب «الصدمة والرعب»، ويثيرون فيهم مخاوف رهيبة، وربما يقول أحدهم لمريضه «أمامك خمس سنوات فقط حتي تموت».
(3)
- يقع مريض الكبد منذ اكتشافه المرض بين أنياب حالته النفسية، يتصالح معه الفيروس إذا كان سعيداً ومتفائلاً، ويكشر عن أنيابه ويضربه بشراسة إذا غضب أو ارتبك أو هاجمته الأحزان.
- من الذي يستطيع أن يضع نفسه وسط جدران عازلة تمنع عنه الحزن والانفعال والغضب والعكننة؟.. إنها البيئة الممتازة لنشاط الفيروس وتكاثره بالملايين.
- غير الحالة النفسية، تبدأ رحلة الحرمان من مقومات الحياة، حرمان من السهر والمجهود ثم الطعام، المحرمات كثيرة، اللحوم والدهون والبقول وكل ما يحبه الإنسان.
(4)
- الفيروس اللعين هو الذي يختار الوقت الذي يقرر فيه الانقضاض علي المريض، وكلمة السر هي «الضعف».. الجسدي والنفسي، ويصل به إلي مرحلة الهزال.
- الفيروس يشدد هجومه الضاري علي الكبد، فيفجر خلاياه ويسكب الإنزيمات في الدم، ويحوله تدريجياً إلي قطعة من الكاوتش المصمت «التليف» ويقضي علي وظائفه الأساسية.
- الكبد المتليف لايكون قادراً علي فرز الإنزيمات الهاضمة للطعام، وبالتالي يفقد المريض شهيته ولايجد جسده ما يسد حاجته، فيأكل نفسه ويصبح جلداً علي عظام.
(5)
- يخرج الطعام المهضوم من المعدة إلي الكبد في رحلة الجسد الطبيعية التي خلقها الله سبحانه وتعالي، فلا تجد الدماء المندفعة خلايا تستقبلها فترتد مرة ثانية مثل خرطوم المياه الذي تضغط علي فوهته.
- ترتد الدماء إلي الشرايين والأوردة فتفجرها وتحدث النزيف الداخلي، وتبدأ في هذه المرحلة رحلة أهوال المنظار، كاميرا وبكرة خيط لربط الدوالي المتفجرة.
- تبحث الدماء عن مخرج آخر فتتجه مندفعة إلي الطحال فيتورم ويلتهب وينتفخ ويتحول إلي طحال شرس يكسر الدماء ويفتت الصفائع الدموية فلا تكون قادرة علي التجلط، ويحدث نزيف مستمر.
(6)
- المرحلة الأخطر في رحلة الفيروس الملعون، هو أنه يجعل الكبد غير قادر علي تنقية الدماء ومدها بالأوكسجين فيذهب الدم القليل إلي المخ محملا بثاني أوكسيد الكربون وتحدث الغيبوبة.
- الغيبوبة الكبدية لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالي متي يفيق منها المريض ويعود إلي الحياة، ساعات أو أياماً أو ربما لايعود أبداً.
(7)
- الكبد المتليف يكون معرضاً بنسبة 50% إلي الاصابة بالسرطان، وإذا انتشر في الكبد، فإنه يمتد بسرعة إلي خارجه وإذا أصاب الأوردة الرئيسية فتلك هي مرحلة النهاية.
- متي ينشط الفيروس ويعلن الحرب، متي يهدأ ويعقد معاهدة سلام؟.. المسألة تختلف من مريض لآخر، وكلما كان الإنسان مؤمناً وصابراً يحدث له نوع من السلام النفسي الذي يمكنه من الاحتمال.
- كثير من المرضي يرمون كل ذلك وراء ظهورهم ويعيشون.. «العمر واحد والرب واحد» وهذا هو المريض المثالي الذي يمنحه الله القدرة علي الصبر والاحتمال.
(8)
- لابد أن تتضافر الجهود لوضع قانون زراعة الأعضاء موضع التنفيذ، وأن تزاح من طريقه العقبات والصعوبات الكثيرة، وأهمها تغيير ثقافة المجتمع وقبول التبرع بالأعضاء.
- ملايين المرضي ينتظرون حلم إجراء أول عملية تتم في مصر لزراعة كبد من متوفي، حتي يفتح الباب لهذا النوع من الجراحات بدلاً من زرع فص من متبرع حي وتعريض حياته للخطر.
- مطلوب مساندة إعلامية ضخمة تثير في النفوس الثقة والطمأنينة بأن القانون سيتم تنفيذه بمنتهي الشفافية والانضباط وأن الفقراء لهم الحق في الحياة تماماً مثل الأغنياء.
(9)
- رحم الله اللواء أحمد مختار ففي ميزان حسناته أنه مات بعيداً عن وطنه في رحلة صعبة وقاسية ومريرة استغرقت قرابة ثلاثة شهور، تحمل خلالها هو وأسرته عذاباً لايطاق.
- ألهم الله زوجته السيدة الفاضلة «نادية» الصبر والسلوان، كانت تتمني أن يرافقها في رحلة العودة كما كانت بجواره في الذهاب، وأقول لها «إنا لله وإنا إليه راجعون».
- وأعان أولاده محمد وشيماء ومي علي احتمال فراق أغلي الناس، وستظل ذكراه العطرة سيرة عطرة في حياة هذه الأسرة الطيبة مدي الحياة.


E-Mail : [email protected]