الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جثة على ضفاف النيل




كلما المّت بمصر أزمة تتعلق بالرأى العام، التفت ببصرى الى مبنى ماسبيرو لأتامل ذلك الصرح، عملاق الحجم، رفع الرمزية، هزيل التأثير، وأستعيد انطباعى عن دولاب العمل المعمول به فى التليفزيون، وهو انطباع تكون بعد عملى فترة معدا باحد برامجه اليومية. وقتها طرحت على نفسى سؤالاً عما هى الاجراءات التى سأتخذها لتطوير هذا الصرح الاعلامى المشلول، إذا ما أصبحت وزيرا للإعلام؟ وكان ردى الفورى: «أحيل جميع العاملين فى ذلك المبنى إلى العمل فى مصانع الغزل والنسيج، وأعد كوادر شبابية جديدة تستطيع إحياء هذه الجثة التى مرت عليها ثورتان فى 3 سنوات ولم تستطيعا ان تضفيا جديدا على شاشاتها، أو أن حتى تدر مجهودا يحترم!»

حقيقة لا مناص منها أن ماسبيرو، بكل عتاده وتعداده، يفشل يوميا فى إنتاج نشرة اخبار تصلح للدخول فى مقارنة مع نظيرة لها فى قناة اخبارية وليدة، تلك الكارثة لا أعرف كيف تمر ببساطة على من يدير ماسبيرو وكيف يتقبلها العاملون به؟ كيف يبلعون تلك الاهانة المستدامة دون أن يتحركوا لاصلاح الخلل الذى أدى بهم الى هذه الحال؟

تتعاظم تلك الانتكاسة فى الوقت الذى تحتاج فيه مصر الى جهاز اعلامى قوى يصد الهجمات التى تطلق من الاعلام الغربى والمعادى لمصر، وتظهر الحقيقة لمن يريدون تزييفها أو التعامى عنها، فرغم تلك التحديات أجد التليفزيون المصرى قليل الحيلة، لا يفعل شيئا ولا يقدم اى خدمة للوطن سوى اذاعة الاخبار بشكل رتيب لا روح فيها ولا حياة، مما يجعل هرس اعلام الدولة أمرًا يسيرًا لاى قناة تافهة لديها عقل يفكر ويطور.

أرتكن فى اجتهادى لتقييم اداء التليفزيون على عاملين الاول المضمون أو المحتوى والثانى هو الشكل. فبالنظر إلى المضمون أجد أنه لا يرتكز فقط على الاخبار وحدها، فالاحداث واحدة وتتناولها كل القنوات الاخبارية، الاختلاف يأتى فى ترتيب واختيار الاخبار وتوجيهها ويحدد ذلك السياسة التحريرية المتبعة، ونوعية الضيوف المعنيين بتفسير الخبر أو الحدث. هذه الزاوية لا نعول عليها كثيرا لان هناك زاوية اخرى أراها أهم لمساهمتها فى ابرز القنوات وتميزها إلا وهى أداء وايقاع المذيع الذى يدير المحتوى.

فالايقاع الاخبارى للتليفزيون المصرى (واقع) تماما كإيقاع أغنية (أمان يا لللى.. يا لللى امااان)، فى حين نجد القنوات الاخبارية الاخرى تحمل ايقاع فرق (الاندر جراوند)، سريع، معبر، متمشى مع وتيرة الاحداث وتقلبها.

أضف أيضا إلى عامل مهم وهو غياب المذيع الاخبارى (الشخصية) عن شاشة التليفزيون المصرى، وهى مصيبة أن يصبح تليفزيون الدولة لا توجد به شخصيات لها طلة وبصمة لدى المواطن كما هو الحال فى كل القنوات الاخبارية الاخرى.

لا أخفى عليكم شعورى وأنا أشاهد نشرة الأخبار فى التليفزيون المصرى، أشعر أنى فى متحف الشمع، لا روح ولا تفاعل مع الخبر، يقولون الاخبار والسلام، فلا يغرونى لتصديق ما يقولون.

وبالنظر إلى الشكل نجد أن (الصورة) التى نستقبلها من تليفزيون الشعب (وحشة) ومتأخرة 10 اعوام. فرغم الملايين التى ينفقها ماسبيرو، إلا اننا نجد الديكور فقيرًا للغاية، الكاميرات بدائية، الاضاءة ترتقى إلى مستوى (مجرد الانارة)، حتى أعمال الجرافيكس تنم عن غياب الرؤية والابداع فى التعامل مع البرامج المتطورة. تلك الأشياء مجتمعة تصنع مشهدا يضعنا أمام واقع صادم يشير أن المسئولين فى ماسبيرو لا يدركون اننا فى عصر (الصورة) التى أصبحت خاضعة لتقييم المشاهد بصريا، فمهما كان المشاهد بسيطا فى تعليمه وثقافته، إلا أنه قادر على فرز الأكثر قيمة بصريا.

تلك الامور أراها أسبابا جوهرية لفشل التليفزيون عن القيام بدوره فى تقديم صورة حقيقية مقنعة لما يدور فى مصر، فالآلة الاعلامية الرسمية تقف عاجزة عن صد هجوم (حتة قناة) مثل الجزيرة التى تمسح يوميا بالموقف الرسمى المصرى البلاط على شاشاتها، وتشوه صورة شعب وجيش مصر العظيم، وتسمى ثورتهما (انقلابا عسكريا)، دون ان تجد معادلاً لها يردعها ويوفقها عن حدها ويدحض اكاذيبها. فالى متى يظل ماسبيرو مجرد جثة رابضة على ضفاف النيل؟