الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الشاعر السعودى زكى الصديرى: الرهان على «الربيع العربى» هو رهان على الجماهير




زكى الصديرى هو شاعر سعودى يعيبش اغترابه بطريقته الخاصة يحمل تجربته الشعرية التى تعتبر بمثابة قراءة لثقافة ومعرفة جيل متيمز من المبدعين السعوديين، يبحث فى تجربته عن ذات أوسع من خلال تجاربه المتميزة مع الفن التشكيلى عن تجربته الشعرية والحياة الثقافية والأوضاع الإنسانية بالوطن العربى كان لنا معه هذا الحوار:
■ (حالة بنفسج).. كانت إطلالتك الشعرية الأولى والتشكيلية فى آن واحد.. كيف ترى العلاقة بين اللوحة والقصيدة؟
ــ بدايةً عليّ التنويه إلى أن عنوان (حالة بنفسج) لم يكن لي، فهو من اختيار الفنان التشكيلى حسين المحسن، والتى تجاورتُ أنا معه كشاعر فى نص مفتوح حمل نفس العنوان، قدّمناه فى غالارى «الرواق» بالمنامة عام 2006م، وكانت فكرتنا التماهى الثنائى الذى يقتسم اللّون واللّغة على مفردة فلسفية عميقة كمفردة (حالة) بإضافتها للونٍ يحمل عمقاً دلالياً كالبنفسج. وهكذا كان له ولي، وهكذا كان فعلاً، فقد قدّمنا تجربة ناجحة بمستوييها التشكيلى والشعري. فى الحقيقة تجربتى مع الفنان المحسن كانت استثنائية بكل ما تحمل من دلالة مشتركة بين جنون الشعراء، وأمزجة التشكيليين، كانت معماراً فيه تشكيل للنص، وتنصيص للشكل. ففى مرسم حسين، أخذتنا هذه التجربة للحكايات عن اللّون وفلسفته، وعن اللغة وانزياحاتها. وانتهينا بعد أشهر طويلة بـ (حالة بنفسج).
■ الملاحظ أنك تشعرن اليومى.. فكيف تجعل له دهشته وجماليته الخاصة؟
وهل يوجد شاعر لا يشعرن اليومى ويحوّله لقصيدة؟! الإشكالية الحقيقية تكمن فى اعتبار الحديث عن اليومى حديثاً عادياً لا يمكن أن يشكّل وعياً شعرياً. وهذا الأمر غير صحيح، فكلّ ما هو متاح للتأمل هو متاح لمساءلته باللّغة. ربما يرى الشاعر -بوصفه رائياً- الأشياء من زاويته المختلفة فيصف ما يرى من وجهة نظر خاصة، فيكسبه دهشةً وكأنه يُشاهده لأول مرة.
■ يعيش زكى الصدير اغترابه بطريقته الخاصة.. هل لنا أن ندرك تجلياته؟
ــ فى الحقيقة، لا توجد لدى طقوس سرية، أو خاصة، أو مختلفة عن بقية المشتغلين على الكتابة، ولست ممّن يغريهم هذا الجنون الأسطورى الذى يتوهّمه، ويمارسه بعض المبدعين بطريقة مضحكة، من خلع الملابس، والتقلّب على الظهور والبطون، أو معاقرة الشراب، أو حبوب الهلوسة ليل نهار بشكل انتحاري. لا يغرينى كل ذلك. أنا أعتقد أن لحظة الكتابة هى لحظة خاصة جداً ليس على المبدع أن يلاحقها. فقط، عليه انتظارها وهى ستأتيه طائعةً حتى وإن تأخرت.
■ فى تجربتك الشعرية تبحث عن ذات أوسع من جديد فى كل مرة.. ما ملامح وتجليات هذه الذات؟
ــ منذ (حالة بنفسج) 2006، وحتى (شهوة الملائكة) 2012م، مروراً بـ (جنيات شومان) 2008، و(حانة) 2011 وأنا أهنّدس اللّغة فى قصيدتى بمعزل على الفصيل المعمارى الجاهز، فلم أكن يوماً شاعر عمود، ولا شاعر تفعيلة، ولا شاعر نثر، بل كنت وما زلت مؤمناً على الدوام بأن القصيدة الحقيقية هى التى تقدّم نفسها دون هيكل ثابت، وعلى الشاعر أن يجرّب كثيراً دون أن يقف عند معمار آبائه السالفين، لذا كنت أحاول أن أبتكر هندستى الخاصة فى النص الذى قد تتجاور فيه أكثر من معمارية واحدة. ولو عدت لمجموعاتى الصادرة لوجدت هذه المناخات البنيوية واضحة فى نصوص كثيرة مثل (جنيات شومان) و(فى لجة التماثيل) و(النفّرى فى حضرة الحسين). والأمر نفسه فى (حانة) وفى (شهوة الملائكة). فكرتى باختصار “الثورة على القالب الجاهز” ومحاولة ابتكار اللّغة فى قالب جديد. رغم ذلك فكتاب (شهوة الملائكة) استحوذ عليه الإيقاع لا النثر. ربما لأننى مازلت ابناً باراً جداً للإيقاع وأرى نفسى فيه. الآن، لو تجاوزت الحديث عن المعمارية فى القصيدة لأتوقف عند الذات فلن أبتعد لو قلت بأن اتّساع وضيق ذات الشاعر تأتى بحجم القضايا الإنسانية التى يشتغل عليها فى نصه.
■ كيف تفاعلت هذه الذات مع اللغة التى هى ليست زاداً من المواد بقدر ما هى أفق بتعبير رولان بارت؟
ــ لقد كسر رولان بارت زجاجة اللغة التقليدية، وتفرّد بمقولة (موت المؤلف) مستعينا بأطروحة نيتشه فى (السوبرمان)، تلك الأطروحة التى قدّمت النص باعتباره جزءاً من الإنسان ككل لا من المؤلف فحسب. فى محاولة لخلق قطيعة فلسفية بين اللغة بشكليها التقليدى والجديد. إننى مدرك تماماً بأن النص الحقيقى هو ذلك الذى يخرج من اللغة (الذات) ليسكن فى اللغة (الآخرين).
■ الملاحظ أنك تصدر ديوان شعرى كل عامين تقريباً.. هل هذا اختيار منك؟ أم أنك تسجل اللحظات الشعرية كما تأتى؟
ــ فى الواقع لم أخطط أبداً لهذا الأمر، كل ما أعمل عليه هو أن يكون الإصدار متماسكاً بمناخ شعرى واحد. أستطيع أن أقدّم عبره أسئلتى الخاصة حول التجربة التى أتاملها. قد يستغرق ذلك شهراً، وقد يستغرق عشر سنوات. لا أحد يدري!
 ■ كيف تتأمل حالة الانفجار الروائى السعودى؟ وألم تفكر فى كتابة الرواية؟
■ لا يوجد هنالك حالة انفجار فى السرد السعودى تختلف عمّا يعيشه المشهد العربى ككل، فالجميع يتّجه لإقفال دكّان الشعرية (كديوان للعرب)، ليفتح دكّاناً جديداً أسموه (الرواية). إنه التوجه العربى الجديد لأرشفة الذاكرة الإنساني. المهم كيف سيرى الروائيون أنفسهم فى العالم السردي! وهل سيقدّمون أدبيات مختلفة لمرحلة ذات بعد تاريخى أو جغرافى مهم فى ذاكرة أوطانهم وإنسانهم؟
على المستوى الشخصي، مازلت أشتغل على ذلك وأستحضر نفسى فيه أحياناً، فبين النسيان والذاكرة ملامحٌ مهمة فى أى عمل روائي! أشتغل الآن على عمل بعنوان «منسيون» هى تجربة تحاكى ذاكرة الجدران المفترضة فى عوالم الاعتكاف الإجباري. لكنها مازالت تجربة تسكن منطقة مظلمة بين الشعر والسرد فى محاولة واعية جداً للتخلص من البلاغة بكل سطوتها، فحين تصرخ من شدة الألم لن تفكر أبداً بأذنك الملتهبة. وفى “منسيون”  سأقف وقفة وفاء خاصة للوطن تجاه كل ما هو منسيّ.
■  كيف تتأمل الربيع العربى بعيون المبدع؟
ــ الرهان على (الربيع العربي) هو رهان على الجماهير، والرهان على الجماهير هو رهان على جزيرة من زبدٍ فى البحر، وعلى المثقف أّلا يفرح بالتصفيق، وألّا يحزن بالتحبيط، أو التخوين، أو الاتهام. فالأحكام الجماهيرية جميعها مؤقتة، وستتغيّر بمجرد أن تتجدد المواقف فى قضية (ساخنة) ينقسمون عليها بين مؤيد، ومعارض لتزرع المثقفين من جديد فى مدرجات التشجيع بإرادتهم، أو رغماً عنهم، وعليهم أن يختاروا –حينها- المرمى التى سيسددون فيها كرتهم. والذكى منهم هو من يلوذ بذاته وسط هذا الضجيج بدل التهريج الذى قد توقعه فيه حماسته (الرسمية). وقليلٌ هم الأذكياء الذين لا يورطون أنفسهم بزئبقية (الخطاب الرسمي). لهذا أعتقد بأن ما يجرى اليوم ليس سوى الفصل الدموى الأول من مسرحية طويلة جداً، لن تكون خاتمتها ربيعاً إلا للإسلامويّين الذى وضعوا أنفسهم بين الجنة والدنيا.